من حق اليمين الإسرائيلى أن يهنأ بإعلانه بناء وحدات جديدة فى القدسالشرقية فى أثناء زيارة بايدن، نائب الرئيس. فقد كانوا يعتقدون أن هذا الموقف، الذى أدانته واشنطن، وهذه الإهانة العلنية وغير المبررة لوضع أمريكا التفاوضى فى المنطقة، سيجبران أوباما على التراجع. وقد ثبَّت اليمين هذه الفكرة الأربعاء الماضى بتأكيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مجددا على خطة البناء بإضافة إهانة جديدة بالإعلان عن خطة إضافية للبناء. إنهم يرتكبون خطأ فادحا. وكان تصرف إسرائيل أحمق، وخطيرا، وضد مصلحتها. والأسوأ أنه أضر بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية وبنفوذ أمريكا فى الشرق الأوسط. ولن يقبل قادة إسرائيل بما ستسفر عنه صفعتهم الهزيلة. وهم، دون غيرهم، الذين يجب أن يجروا الإصلاحات الواجب إجراؤها وبسرعة، قبل أن تتفاقم المسألة. دعونى أعلنها بوضوح وصراحة: أنا من أشد المؤيدين لإسرائيل، وعلاقة الولاياتالمتحدة بالدولة اليهودية، بالنسبة لى، علاقة عاطفية وإستراتيجية. فإسرائيل «حاملة طائرات إستراتيجية» للولايات المتحدة فى جزء مضطرب من العالم، وعلى الولاياتالمتحدة أن تبدد أى شك فى التزامها بأمن إسرائيل. لكن إسرائيل ليست المصلحة الأمريكية الحيوية الوحيدة فى هذه المنطقة المتقلبة. وإذا ما زاد الإسرائيليون من تعقيد الموقف المعقد أصلا فى الشرق الأوسط، فلن يكون ذلك فى مصلحة الولاياتالمتحدة أو إسرائيل. ولاشك فى أن الإهانة أضرت كثيرا بنفوذ أمريكا فى أعين الزعماء المسلمين وغيرهم فى أنحاء العالم. ومن المؤكد أن كل هؤلاء القادة تقريبا لديهم فكرة غير واقعية ومبالغ فيها عن سطوة أمريكا على إسرائيل. وواشنطن لها تأثير كبير على إسرائيل، لكنها لا تسيطر عليها. وعلى أية حال، فإن هناك إقرارا بأن الولاياتالمتحدة هى الطرف الوحيد القادر على تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لأنها الوحيدة التى تتمتع بنفوذ حقيقى على الطرفين. وقد قوضت الصفعة الإسرائيلية على وجه بايدن هذه الفكرة عن النفوذ الأمريكى، وبالتالى عن نفوذ أمريكا. وسيتراجع ميل الزعماء العرب وغيرهم للموافقة على الخطط الأمريكية لإجراء محادثات سلام مستقبلا بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وسيسعى آخرون لحرمان واشنطن ميزة الشك. وستكون النتيجة المزيد من ضغوط القادة المسلمين والأوروبيين على واشنطن كى تتخذ مواقف أكثر تشددا مع إسرائيل. ولن يفلح المزيد من التشدد وسيؤدى ببساطة إلى المزيد من الغضب والاستياء فى كل مكان. وسيكون المتطرفون السياسيون والإرهابيون هم المستفيدين الوحيدين. كما ستؤدى صفعة إسرائيل على وجه أمريكا إلى تشجيع الاعتقاد بإمكانية تخويف أمريكا. خصوصا أن هناك شائعات مغرضة انطلقت بالفعل مؤداها أن الإسرائيليين لم يكن بمقدورهم أن يفعلوا ما فعلوا لولا اعتقادهم بأن أوباما ضعيف وأنه سيتراجع. وإذا كان هذا تقييم إسرائيل للرئيس الأمريكى وليس هناك من يعرف الأمريكيين أكثر من الإسرائيليين فلماذا لا يحاول الآخرون كذلك اختبار شجاعة أوباما؟ وكان الأجدر بالإسرائيليين، الفرحين بإهانتهم، أن يتخيلوا رد فعل طهران على حيلهم. ولابد أن الرئيس أحمدى نجاد وجماعته يفكرون فى أنه إذا كان بإمكان الإسرائيليين الإساءة إلى أوباما، فبإمكانهم أيضا الإساءة إليه. ومن سيكون أكثر سرورا من الحرس الثورى عندما يرى أمريكا وهى تتحول إلى قوة عرجاء؟ وإذا فكر القادة الإسرائيليون فيما حدث للتو بهدوء، فسيدركون أنهم يضعفون موقف أمريكا فى تعاملها مع قضية تطوير إيران لقدراتها النووية. ويمكن علاج كل هذا الضرر الذى حل بالنفوذ الأمريكى فى المنطقة بمرور الوقت ما لم تتدهور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية أكثر من ذلك. لكن هذا تحديدا هو أكبر المخاطر التى ترتبت على الإهانة الحمقاء. ولربما كان بعض قادة إسرائيل يؤمنون، أشد الإيمان، بأن موقفهم السياسى فى الولاياتالمتحدة قوى للغاية وأنه ليس هناك ما يدعو للقلق بشأن الأمريكيين أو بشأن إدارة أمريكية أصبحت أقل دعما للمصالح الإسرائيلية. لكن لا ينبغى للإسرائيليين أن يتفاءلوا إلى هذا الحد. فالأمريكيون يعيشون، كغيرهم، أوقاتا محفوفة بالمخاطر. وقد تجعلهم المعاناة الاقتصادية الداخلية أقل صبرا تجاه التوبيخ من الخارج، خصوصا من صديق كإسرائيل. وسيكون من الأسهل بالنسبة لخصوم إسرائيل إثارة التساؤلات حول المساعدات العسكرية والاقتصادية التى تقدمها أمريكا للدولة اليهودية. وهناك عدد متزايد من خبراء السياسة الأمريكيين المتخصصين فى شئون الشرق الأوسط يرى فى إسرائيل جزءا من مشكلة الشرق الأوسط وليس جزءا من حلها، لأن الولاياتالمتحدة ستواجه بالمزيد من الساخطين من الجمهور الأمريكى. فهذا ليس الوقت المناسب كى يختبر قادة إسرائيل عمق واستقرار الدعم الأمريكى لبلادهم. فلماذا بحق السماء فعلوا ما فعلوا ببايدن، وأعادوا تأكيده، ثم كرروا التأكيد عليه يوم الأربعاء؟ التفسير الوحيد الذى أراه هو أن الأمر لم يكن يعنيهم. فمن غير الممكن أن يكون رد الفعل الأمريكى غائبا عنهم. ولا يمكن أن يتصوروا بحق أن أوباما، أو أى رئيس أمريكى، يمكن أن يلزم الصمت تجاه إهانة إسرائيل. يضاف إلى هذا أنه كان عليهم أن يعرفوا أن انفجار الموقف يمكن أن يؤثر على استئناف محادثات «تقريب وجهات النظر»، حيث يدخل الطرفان فى مفاوضات غير مباشرة بوساطة الولاياتالمتحدة. لكن فشل هذه المفاوضات هو ما يتمناه بالفعل اليمين الإسرائيلى. هم يريدون إفشال هذه المحادثات؛ فالمحادثات، بالنسبة إليهم، لن تؤدى إلا إلى تنازل إسرائيل عن الضفة الغربيةوالقدسالشرقية نفسها بصورة نهائية. إنهم يريدون وأد هذا الخطر فى مهده قبل أن يكتسب أى زخم. بل إن فرص نجاح هذه الرغبة فى تدمير الذات قائمة. وإدارة أوباما وقادة إسرائيل غاضبون من بعضهم البعض. وتتناثر كلمات مثل «الإدانة» علنا (من الجانب الأمريكى)، والهمهمات الخاصة أكثر عهرا. وتتشدد واشنطن فى مطالبتها المتشددة لإسرائيل بإلغاء أمر البناء فى القدسالشرقية وطرح كل «القضايا الأساسية» على مائدة التفاوض، بما فى ذلك وضع القدس. وبدت حكومة نتنياهو رافضة لهذه المطالب، حتى بعد تصريحات وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون الودية عن العلاقات المتينة والوثيقة بين البلدين. لكن الحقيقة المهيمنة الآن هى رفض إسرائيل للمطالب الأمريكية بتسهيل استئناف المحادثات. إن مثل هذا التوتر وهذه الانشقاقات لن تفيد إلا أعداء الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وعلى الجانبين التحرك بسرعة لمنع المزيد من التصعيد. ويجب أن تأتى الخطوة الأولى من جانب بيبى، فحكومته هى التى أثارت المشكلة، وعليها حلها. ليس مطلوبا منه تقديم أى تنازلات فى القدسالشرقية، لكن عليه، على الأقل، إلغاء أمر البناء. وعلى الإسرائيليين، على مستوى أكثر عمقا، أن يواجهوا الحقيقة الأساسية: من المؤكد أن إسرائيل لديها إرادة القتال حتى الموت، لكن نفوذ أمريكا هو الذى يعطى الدولة اليهودية أملا واقعيا فى البقاء دون حاجة للقتال حتى الموت. ومن الجانب الأمريكى، على إدارة أوباما الكف عن توجيه المزيد من الانتقادات والإدانات العلنية. فقد أصبحت المسألة واضحة الآن تماما ولن يؤدى تكرارها إلا إلى توالى الأزمات. وعلى البيت الأبيض التزام الصمت حتى يمعن الإسرائيليون التفكير فى ما فعله بهم قرار اليمين. وفى ظل مناخ التهدئة هذا، من المؤكد أن يتوصل الإسرائيليون إلى القرار الصائب وهو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أهم لأمنهم من التمسك بإعلان عن عزمها الشروع فى بناء حوالى 2000 وحدة سكنية جديدة فى القطاع الإسرائيلى من القدسالشرقية.