كان من الواضح تماما أن ما اعتذر عنه نتنياهو لجو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى، لم يكن الاستيطان فى القدسالشرقية وانما كان الحرج الذى سببه لبايدن بالإعلان عن المشروع الاستيطانى بينما هو فى إسرائيل. وكان واضحا بالقدر نفسه أن الإدانة القوية التى صدرت عن بايدن «للمضمون والتوقيت» لم تصل إلى حد مطالبة إسرائيل بإلغاء المشروع. والقصة باختصار أنه بعد ساعات من الإعلان رسميا عن بدء المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وصل بايدن لإسرائيل فى زيارة هدفها الرئيسى تحذير إسرائيل من ضربة عسكرية ضد إيران وتشجيعها على المفاوضات غير المباشرة. لكن إسرائيل فاجأت بايدن بالإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة فى القدسالشرقية، الأمر الذى اضطر بايدن بل البيت الأبيض لإعلان الغضب والإدانة الفورية. والحقيقة أن الإدارة الأمريكية لم تكن وحدها التى أدانت الخطوة الإسرائيلية. فقد أدانها أيضا إسرائيليون وأمريكيون مناصرون لإسرائيل رأوا فيها ليس فقط تصعيدا غير مطلوب مع إدارة أوباما وإنما إحراجا لواحد من أكثر أصدقاء إسرائيل ولاء. فجو بايدن فعلا من أهم أصدقاء إسرائيل منذ كان عضوا فى مجلس الشيوخ، وهو يؤمن بالفكر الصهيونى كما قال بنفسه فى أكثر من مناسبة. ورغم أن بايدن قبل اعتذار نتنياهو، إلا أن الواقعة تظل إحدى حلقات التوتر الحادث بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو الذى تجلى بعد زيارة أوباما للقاهرة تحديدا. فإسرائيل وأنصارها رفضوا تماما ربط أوباما فى خطاب القاهرة بين الهولوكست وإنشاء دولة إسرائيل واعتبروه بمثابة عدم اعتراف من أوباما «بالحق التوراتى لليهود» فى أرض فلسطين. وبينما لم ينس الإسرائيليون لأوباما أنه فى ذلك الخطاب تحدث عن معاناة الفلسطينيين على قدم المساواة مع معاناة الإسرائيليين، فإنهم لم يغفروا له أبدا أنه لم يشأ أن يزور إسرائيل منذ توليه الرئاسة حتى الساعة. وقد عبر عن ذلك المعنى صراحة نائب رئيس الكنيست حين علق على زيارة بايدن قائلا إنها فى ذاتها تمثل «إهانة لأن أوباما نفسه ليس هو الذى يقوم بالزيارة». غير أن هذا التوتر فى العلاقة لا يعنى أننا مقبلون على ضغوط أمريكية على إسرائيل فى ظل الضعف العربى والفلسطينى الراهن. ففضلا عن أن التوتر لم يمنع تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين فإن العام الحالى هو أقل الأعوام المرشحة لدور أمريكى جاد. فأوباما فى حاجة لتركيز كل طاقته لتحقيق إنجازات داخلية قبل الانتخابات التشريعية فى نوفمبر القادم. ولأنه يحتاج لكل عضو فى الكونجرس لتمرير تشريعاته الداخلية، فإنه لن يغامر بتحدى إسرائيل قبل انتخابات المؤسسة التشريعية، التى هى معقل أنصار إسرائيل. ولا يستبعد فى هذا السياق أن يقوم حتى بزيارة لإسرائيل قبل الانتخابات إذا لزم الأمر. باختصار، ينبغى أن يدرك العرب أنه فى موضوع الاستيطان، وفى غيره بالمناسبة، لم تعد الكرة هذا العام فى الملعب الأمريكى على الإطلاق وإنما هى فى الملعب العربى بامتياز.