في الوقت الذي كان فيه الرئيس 'محمد مرسي' في العاصمة البلجيكية 'بروكسل' معلنًا عن تضامنه مع الموقف الأمريكي والأوربي والذي يتوافق مع رؤية 'مرسي' حول ضرورة التخلص وعلي الجانب الآخر تضع مصر في مرتبة مختلفة عن تلك التي دارت في فلكها العلاقات المصرية الأمريكية، منذ انحاز الرئيس الأسبق 'أنور السادات' للسياسات الأمريكية المختلفة، منذ منتصف السبعينيات، والتي جسدت علاقات التحالف والصداقة بين الجانبين. لقد خرج أوباما، ليتحدث بلغة حادة، وحاسمة، في معرض تعليقه علي الأحداث التي شهدها محيط السفارة الأمريكية، منذ تفجر براكين الغضب في قلوب المصريين، احتجاجا علي ما وصفوه بإهانة النبي 'صلي الله عليه وسلم'، بعد عرض من نظام الرئيس السوري 'بشار الأسد'، كانت أمريكا فيلم 'براءة المسلمين'، والذي أشرف علي إعداده بعض رموز أقباط المهجر، وعلي رأسهم 'موريس صادق'، المعروف بعمالته للغرب، والصهيونية العالمية. قال أوباما بشكل محدد 'إن مصر لم تعد حليفًا لأمريكا' .. واختار لفظًا سياسيًا مخففًا للتعبير عن الحالة التي وصلت إليها العلاقة بقوله: 'كما أنها ليست عدوًا لأمريكا' .. وهو كلام ، وإن ورد في سياق تصريحاته التي أدلي بها لقناتي 'نيليموندو' و'إم.أس.إن.بي.سي' الإخباريتين الأمريكيتين، إلا أنه يشكل تحولاً استراتيجيًا، وخطيرًا في العلاقات المصرية الأمريكية .. خاصة أن تصريح أوباما تضمن إشارات، وتهديدات واضحة، حين قال: 'إن واشنطن تنتظر من الجانب المصري الاستجابة للإصرار الأمريكي علي حماية سفارتها وبعثتها الدبلوماسية في القاهرة' محذرًا، من أن عدم تحرك الجانب المصري بشكل يشير إلي الالتزام بهذه المسئوليات التي تضطلع بها كافة الدول الأخري تجاه السفارات الأمريكية علي أراضيها 'فإن الأزمة حينذاك ستكون حقيقية وكبيرة جدًا'!! ولا يخفي علي أحد بطبيعة الحال اللغة التهديدية التي أشار إليها تصريح أوباما، وهي لغة غير متعارف عليها في العلاقة الخاصة بين البلدين، فالرئيس أوباما خلط بين أزمة غاضبة من جراء التهجم والإساءة لرسول الله 'صلي الله عليه وسلم'، وبين الشراكة الاستراتيجية في علاقات البلدين، خاصة أن قوات الأمن المصرية خاضت مواجهات حادة، وتصدت للغاضبين من المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام مبني السفارة الأمريكية، بل وسقط عشرات الضباط والجنود مصابين نتيجة تلك المواجهات، كما أحرقت العديد من سيارات الشرطة .. وهي أمور واضحة للعيان، مما يشير إلي أن الإدارة الأمريكية تستهدف من وراء هذا التصعيد غير المبرر توظيف حالة الغضب الراهنة في مصر وبعض البلدان العربية والإسلامية، لصالح تنفيذ مخططها في المنطقة .. ومما يشير إلي ذلك عدد من الأمور المهمة. لقد كان من المثير والغريب أن تعلن وزارة الخارجية الأمريكية عن رفضها للبيان الصادر من السفارة الأمريكية في القاهرة والذي اشتمل علي عبارات ومواقف تندد بالفيلم المسيء للنبي محمد 'صلي الله عليه وسلم'، وراحت تبرر هذا الموقف المثير للدهشة بأن السفيرة الأمريكية بالقاهرة 'آن باترسون' لم تكن موجودة في القاهرة، بل كانت في واشنطن لحظة صدور هذا البيان، ولذلك فإن من أصدر البيان هو القائم بأعمالها في ذلك الوقت، والذي تضمن إدانة لما أسماه بالمحاولات الفردية لإيذاء المشاعر الدينية للمسلمين، كما أدان كل ما يهين أي مؤمن بأي ديانة. ووجه الغرابة هنا أن المبررات التي ساقتها وزارة الخارجية، ومن ثمة الإدارة الأمريكية حول أسباب التراجع عن البيان ورفضه، غير مقنعة، خاصة أن البيان الصادر عن السفارة الأمريكية بالقاهرة كان يستهدف تهدئة أجواء الغضب، التي تصاعدت بعد تسرب أنباء الفيلم المسيء ولم يكن علي النقيض من ذلك مما يستدعي التدخل لتصويب الأمر في الاتجاه الصحيح، الأمر الذي يدفع إلي الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية، وبعيدًا عن التصريحات التي صدرت منها، وعلي لسان كبار المسئولين فيها بشأن الفيلم المسيء لا تحمل موقفًا جديًا، بقدر ما تحمل ألفاظًا دبلوماسية لمواجهة حالة الغضب المتصاعد في العالم العربي والإسلامي ضد المواقف الأمريكية. يضاف إلي ذلك أن ثمة مواقف أخري راحت لتشكل في الغرب في مواجهة مصر، في أعقاب تلك الأزمة، ومن هنا يمكن فهم التصريح الألماني الذي ورد علي لسان المستشارة الألمانية 'أنجيلا ميركل' والذي تعهدت فيه لرئيس الوزراء الإسرائيلي 'بنيامين نتنياهو' بمراجعة صفقة الغواصات من طراز '209' مع مصر مرة أخري، وعدم اتمامها في حال انتهجت مصر سياسة عدائية تجاه إسرائيل .. يمكن فهم هذا التصريح كونه يأتي في سياق الضغوط الدولية التي تتعرض لها مصر حاليًا علي خلفية المواقف الغربيةوالأمريكية والإسرائيلية من مصر، والتي تعود بحسب تقدير مجلة 'ديرشبيجل' الألمانية إلي تشكك إسرائيل في نظام الحكم الجديد في مصر. وبعيدًا عن الأسباب المباشرة، وغير المباشرة لتصاعد الأزمة بين مصر والولاياتالمتحدة، فإن أحد أسباب هذا التصعيد يعود إلي المنافسة الحامية بين الجمهوريين والديمقراطيين، والصراع المحتدم بين مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي الرئيس الحالي 'باراك أوباما' ومرشح الحزب الجمهوري الأمريكي 'ميت رومني' لبلوغ مقعد البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة وأن المرشح الجمهوري 'رومني' شن هجومًا علي 'أوباما' واصفًا إدارته بالسيئة في تعاملها مع ما تتعرض له السفارات الأمريكية خارج الولاياتالمتحدة، قائلاً بشكل محدد 'إنه من الخطأ أن يقف بجانب بيان يتعاطف مع الذين هاجموا سفارتنا في مصر بدلاً من إدانة أفعالهم'. إن المتابع لردود الفعل الأمريكية، وتعاطي واشنطن مع أزمة الفيلم المسيء للرسول يدرك وعن يقين أن إدارة أوباما، ليست بريئة من الأزمة بمختلف جوانبها، وأنها متورطة، بشكل، أو آخر، في مجريات ما جري.