لم تكن قواي وعزيمتي سببا في نجاتي، ولكن إرادة الله هي التي أنقذتني من الغرق، فقد ظللت أسبح منذ غرق المركب في الثانية عشر ليلا، وحتى الواحدة من ظهر الاثنين 13 ساعة، أصارع في الأمواج وتصارعني، حتى ألقت بي على شاطئ مساعد الليبي .. هكذا وصف محمد جمعة عبد الواحد، الذي نجا من الغرق في حادث المركب المنكوبة التي غرقت بالقرب من السواحل الليبية، مساء يوم الأحد الماضي، المشاهد التي عاشها يقاوم فيها الموت من كل جانب، مؤكدا أن أصعب مشهد عندما نطق أحد رفاقه الشهادة، مسلما نفسه للمياه تبتلعه. في منزل بسيط بعزبة نجاتي، التابعة لمركز طامية، يعيش فيه 11 فردا و8 أشقاء ووالديه وزوجته، جلس محمد يستقبل الأهل والأقارب الذين توافدوا للاطمئنان عليه، حيث يعمل والده فلاح بالأجر، وأشقاؤه في مراحل التعليم المختلف، دفعته الحاجة إلى ركوب أمواج الموت، بعدما غرر به أحد السمسارة، واتفق معه على تسفيره إلى ليبيا.
وعند ساعة الرحيل، حمل ملابسه في كيس بلاستيك، والتقى السمسار الذي سيواصل معه الرحلة، وبالفعل وصل إلى مرسى مطروح، ومنها إلى السلوم، وهناك فوجئ بتسليمه إلى آخر، والذي بدوره قام بنقله إلى المركب المشئوم، حيث كان بصحبته حوالي 37 مسافرا آخر، وبدأت تتحرك حوالي الثانية عشر مساء يوم الأحد، وبعد حوالي ساعتين في عرض البحر تسربت المياه إلى المركب، وفجأة غرقت بهم، الجميع يصرخ وينادى، كل منهم على الآخر.. يقول: ساعتها أدركت أن الموت يقترب مني بعدما شاهدت رفقاء الرحلة يستسلمون للموت".
ويستطرد قائلاً: "ظللت أقاوم حتى خارت قواي، ورفعتني أذرعي فوق المياه وساعدتني الأمواج التي أجهدتني في دفعي تجاه الشواطئ الليبية، مر الوقت على ببطئ شديد، وكأنني لا أتحرك، كلما تقدمت لا أجد سوى المياه، حتى رأيت ضوءا من بعيد، حاولت أن أسير في اتجاهه حتى طلوع الشمس، وواصلت السباحة حتى رأيت مجموعة من الليبيين على بعد، يقفون على الشاطئ، ساعدوني في الخروج من المياه وعلمت أنهم من الحراسة تعاملوا، معي بكل عطف ونقلوني إلى المستشفى، وظللت في ليبيا بعد استجوابي، وبعدها نقلوني إلى السلوم ومنها إلى منزلي مرة أخرى.
يؤكد والده أن نجله محمد جمعة يعمل فلاحا بالأجرة، وما دفعة للموافقة على سفره ابنه، هو العوز والحاجة، حتى يستطيع أن يواجه الحياة مع زوجته، ويعيش حياة مستقلة خاصة، لأنهم جميعا يعيشون في منزل واحد".