عندما كان جورج رومنى، والد ميت، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لشركة أمريكان موتورز، قام طواعية بتخفيض أجره 268 ألف دولار على مدى خمس سنوات، بما يساوى نحو 20 فى المائة من دخله طوال تلك الفترة. وفى 2007 كتب ديفيد ليونهارت فى مقال نشرته نيويورك تايمز «وفى عام 1960، على سبيل المثال، رفض رومنى مكافأة قدرها مائة ألف دولار. وقال متحدث باسم الشركة فى ذلك الوقت إن السيد رومنى كان فى وقت سابق قد أخبر مجلس إدارة الشركة أنه لا ينبغى منح أى مدير أكثر من 225 ألف دولار (حوالى 1.4 مليون دولار بأسعار اليوم)، ومن ثم فإن المكافأة ستجعله يتخطى ذلك الحد». وبعبارة أخرى، يمثل جورج رومنى، أحد كبار رجال الأعمال الأمريكيين الذين نفتقدهم: فقد تولى منصبا قياديا فى عصر كان فيه بعض كبار المديرين التنفيذيين ومجالس الإدارة يشعرون بقدر من التردد عندما يتعلق الأمر بالحصول على مكافأة. عاش هؤلاء الرجال (كانوا جميعهم من الرجال) حياة جيدة للغاية، لكنهم كانوا يتصرفون كما لو كانت هناك علاقة ما بين ما يحصلون عليه من أجر وبين الالتزام الاجتماعى الأوسع نطاقا.
ويوم الثلاثاء، أكد ميت رومنى أنه يجسد جيلا جديدا من كبار رجال الأعمال. وقال إن معدل الضريبة الاتحادية الذى يدفعه نحو 15 فى المائة، أى أقل من المعدل الذى تدفعه الملايين من أسر الطبقة المتوسطة. وسوف نتعرف قريبا على المزيد من التفاصيل، لكن من المتوقع أن قسما من دخله يأتى عبر ما يحصل عليه من شركة باين كابيتال، ويتم التعامل معه بشكل غير مفهوم على أنه مكاسب رأس المال، وليس كدخل عادى.
●●●
ولو لم يكن رومنى يخوض انتخابات الرئاسة، لكانت ضرائبه أمرا يخصه، لأنه سيكون مجرد مواطن عادى يسعى لتقليل التزامه الضريبى إلى أدنى حد وفقا للقانون، كما نفعل جميعا. ولكن، نظرا لأن رومنى يسعى للرئاسة، ومن ثم يقترح خططا معينة للضرائب المستقبلية والإنفاق فى البلاد، فإن وضعه كمستفيد من ثغرة (وربما ثغرات أخرى) للتربح، ومدافع عنها، يلقى ضوءا على قيمه العامة.
وفى العام الماضى، قال لى شريك بارز فى شركة أسهم خاصة عن المعاملة الضريبية ل«التربح». «بالطبع كان يجب أن يخضع للضريبة باعتباره دخلا عاديا» وأضاف «أدهشنى أنه كان باستطاعتنا الحصول على ذلك الربح طوال هذه المدة. لقد كانت منحة رائعة كل هذه السنوات، ولكن كلنا كنا نعرف انها ستنتهى ذات يوم».
لا أقصد أن مثل هذه الآراء تجعل من هذا المستثمر رجل دولة. لكنها تجعله مختلفا عن ميت رومنى. فرومنى يدافع عن ثغرة التربح التى تجعل المديرين فى شركات الأسهم الخاصة يدفعون ضرائب أقل عما يدفعه ملايين الأمريكيين.
كما أن الأولوية المالية الأولى لرومنى هى تمديد التخفيضات الضريبية التى وضعها بوش لتغطى الأمريكيين أصحاب الدخول العليا، ووقف الضرائب العقارية على من هم أكثر ثراء من ذلك.
وهذا يعنى أن رومنى يؤمن بضرورة استثناء الأثرياء الأمريكيين من المشاركة فى العبء المؤلم الذى سيتعين أن يتحمله بقية الأمريكيين (عبر الضرائب وتخفيضات الإنفاق) من أجل ترتيب البيت الأمريكى ماليا، وتمويل تقاعد مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية.
معفاة تماما! ما الذى كان جورج رومنى سيقوله عن ذلك؟
●●●
وليس من المتوقع أن ينطق رومنى بكلمة واحدة عن قادة وول ستريت الذين عادوا إلى صرف مكافآت لأنفسهم تتراوح بين 20 مليون دولار و30 مليون دولار سنويا مقابل إدارة الشركات التى أنقذها دافعو الضرائب من الانهيار (وأنقذوا بذلك صافى مكاسب هؤلاء المديرين جميعهم)
وعندما تتكشف هذه الحملة سوف نسمع الحجج المعتادة:
«أصحاب الأجور الأعلى يدفعون بالفعل القدر الأكبر من الضرائب على الدخل». (نعم، لأنهم يحصلون على القدر الأكبر من الدخل فى أمريكا).
«يمكنكم مصادرة هذه المكافآت بالكامل، ولكنكم لن تنجحوا فى تحقيق استقرار الموازنة» (نعم، ولكن أحدا لم يتحدث عن مصادرة، وإذا كان أمر ما لا يحل المشكلة بالكامل، فلا يعنى هذا أن الأثرياء ليسوا جزءا من المشكلة).
لقد كان الأمر هكذا دائما. ففى عشرينيات القرن التاسع عشر، كتب جون تايلور، وهو مزارع وسياسى من فرجينيا، كتابا من نحو 700 صفحة بعنوان «البحث فى مبادئ وسياسة حكومة الولاياتالمتحدة». وحدد تايلور خطرين يهددان النظام الاقتصادى، «هناك وضعان يهددان الملكية الخاصة، الأول، يتمثل فى نهب الفقراء للأغنياء، ويتخذ صورة مفاجئة وعنيفة؛ والثانى، نهب الأغنياء للفقراء، ببطء وبصورة قانونية».
وكما أوضح المؤرخ آرثر شليزنجر فى «عصر جاكسون،» يعتقد تايلور أن الخطر الأول لا أهمية له فليس فى أمريكا جماعات فقراء يائسة لدرجة إشعال ثورة عنيفة. وأضاف شليزنجر: «والخطر الحقيقى، الذى يؤمن به تايلور يكمن فى النمط الثانى: نهب من أعلى، منظم، ومشروع. وقد أظهر تعاقب نظم الأثرياء عبر التاريخ، كيف شهد كل عصر شكلا خاصا به من أشكال النهب المؤسسى تقوم به أقليات تعمل من خلال الدولة، مثل رجال الكهنوت وطبقة النبلاء، والنظام المصرفى».
●●●
ولا شك أن المرشحين ينضجون خلال الحملات الانتخابية. وسوف تتيح العاصفة التى انطلقت بسبب الضرائب «فرصة» جيدة لرومنى. وربما يفاجئنا ويقدم لنا اليوم نسخة جديدة غير متوقعة من النهب من أعلى. فإذا حدث ذلك، سوف يبتسم جورج رومنى فى مكان ما.