للديمقراطية عيوب كثيرة أيضا علينا أن ندفع ثمنها برضاء كامل. أحد هذه العيوب أن ندافع عن حق الجميع فى الاحتجاج حتى لو كان توفيق عكاشة وأنصاره.
الإيمان بالديمقراطية لا يعطيك ترفا أن تؤيد التظاهر والاعتصام والإضراب إذا كان من يقوم به هو الحزب الذى تنتمى إليه، وتعترض عليه إذا كان خصمك.
لكن هناك فارقا كبيرا بين الاحتجاج السلمى والبلطجة السياسية.
الاحتجاج السلمى يعطى أنصار المنصة وأبناء مبارك وأى طرف الحق فى انتقاد الرئيس محمد مرسى، لكنه لا يسمح لهم بمنعه من حضور جنازة تشييع شهداء رفح ظهر الثلاثاء الماضى.
نفس الاحتجاج يعطى لأى شخص الحق فى انتقاد رئيس الوزراء الجديد هشام قنديل بكل الأساليب الممكنة طالما كان ذلك فى إطار القانون، لكن البلطجة السياسية هى أن يتجرأ البعض للاعتداء على شخص رئيس الوزراء والدكتور عبدالنعم أبوالفتوح ونادر بكار وغيرهم ومنعهم من السير والمشاركة فى تشييع الشهداء رغم أن قنديل مثلا هو من أمَّ صلاة الجنازة.
لو أن ما حدث ظهر الثلاثاء مر دون حساب فسوف ندخل قريبا عصر الغابة، وفيها يتمكن الأعلى صوتا والأكثر عددا من فرض رؤيته ومنطقه حتى لو كان خاطئا. وإذا حدث هذا وجب علينا أن نلفت نظر الذين هللوا وفرحوا لمنع مرسى والاعتداء على قنديل أن هناك جماعة منظمة اسمها الإخوان المسلمين تستطيع أن تحشد مئات الآلاف لمنع معارضيها من تنظيم أى فاعليات سياسية.. فإذا حدث ذلك، فإننا وقتها سوف نتهم الإخوان وأنصار مرسى أو قنديل بأنهم إرهابيون ولا يؤمنون بالرأى الآخر.
ليس من مصلحة أى فصيل يدعى إيمانه بالديمقراطية والمجتمع المدنى أن يلجأ إلى مثل هذه الأساليب التى لا يمكن وصفها إلا بالبلطجة.
مثل هذه الأساليب هى لصيقة بالقوى الفاشية غير المؤمنة بالديمقراطية، ثم إن من يلجأ إليها يفقد كل حق فى الحصول على مزايا الديمقراطية.
أكثر ما يخشاه المرء أن تكون هناك قوى سياسية تفعل المستحيل لإفساد التجربة الديمقراطية بأى ثمن، حتى يكون الانقضاض على هذه التجربة مبررا ويحظى برضاء شعبى.
ثم إن ما حدث يطرح سؤالا بسيطا وبديهيا ما هى الإجراءات التى ينبغى اتخاذها لتأمين شخص مثل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.
رئاسة الجمهورية أصدرت بيانا قالت فيه إن مرسى لم يشارك حتى لا تكون هناك إجراءات أمنية مشددة تعوق المشاركة الشعبية، وأعتقد أنه تبرير مهذب يخفى عدم قدرة الأجهزة المختصة بالتنظيم والتأمين، ثم كيف يتمكن متظاهرون من الاعتداء على رئيس الوزراء دون أن يتم منعهم؟ والأهم كيف نضمن ألا يتكرر ذلك مستقبلا؟.
ما حدث خلال تشييع الشهداء يفتح الباب واسعا حول حقيقة العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة الأمنية، وكيف يتم التنسيق بينهما والأهم ما هى طبيعة العلاقة.. هل فعلا يسودها الحب والتفاهم، أم أنها علاقة تربص ينتظر كل طرف اللحظة المناسبة لينقض على الآخر؟!.