فى الثانى من يناير أقام رئيس الوزراء المجرى فيكتور اوربان، مع حاشيته، وسط مجموعة كبيرة من ضباط الشرطة، احتفالا لنفسه فى دار الأوبرا فى بودابست. حيث كان يدشن القانون الأساسى، الذى حل محل دستورنا. وقد وضعت الوثيقة حدا لجمهورية المجر والديمقراطية التعددية، وإذا تم تطبيق هذا القانون الأساسى، فسوف يضمن سيادة الإدارة الحالية لفترة طويلة قادمة. وقد دخل الضيوف خلف جدار من الألواح الخشبية مكسوة بالسواد، وخرجوا من أقرب مخرج، بينما كان مائة ألف شخص يتظاهرون قبالة الواجهة على طول شارع أندراسى. لكن تليفزيون الدولة لم يعرض شيئا من هذا. وفى الشهر المقبل سوف يتم إسكات صوت شبكة إذاعة كلوب راديو، التى نقلت الانتقاد العلنى، بعد تجريدها من تردد البث.
●●●
وقد بدأ وطنى يشابه ديكتاتوريات ما بعد الاتحاد السوفييتى فى آسيا الوسطى، حتى أن البعض يدعوه «أوربانستان» نسبة لاسم رئيس الوزراء. وهناك عدد من شباب المجر يخططون للرحيل عن البلاد، والعديد منهم ينتوى الذهاب إلى دول أوروبا الغربية. ومعظمهم يمتلكون جرأة وموهبة، مثل أسلافهم الذين رحلوا فى خريف عام 1956، بعد سحق الشيوعيين للثورة المجرية.
أما من سوف يستمرون فى الإقامة فى الوطن، فهم يتحدثون عما ينبغى عليهم فعله بمدخراتهم المتواضعة، حيث وصلت الحكومة بالفعل إلى حسابات تقاعدهم الخاصة. واستولت الدولة على كل ما تستطيع الاستيلاء عليه، ووضعت كل شىء تحت سيطرة مركزية فى يدها.
وربما كان الأمر مقبولا لو كان اقتصادنا ناجحًا. غير أن مؤسسات التصنيف الائتمانى الثلاث وضعته فى أدنى فئة ممكنة: ردىء. بلد ردىء، بإدارة رديئة ورئيس وزراء ردىء.
وكان يجب أن تكون الاحتمالات الاقتصادية الكئيبة كافية لإزاحة السيد أوربان وأتباعه، لتحل محل هذه الحكومة إدارة من التكنوقراط حتى الانتخابات القادمة المقرر عقدها فى 2014.
وبدلا من ذلك، جرى استنزاف البلاد فى حرب باردة بين اليمين الزائف واليسار الزائف.
●●●
وكان أهم العناصر الفاعلة فى هذه الحرب، أبناء كوادر الحزب فى المناطق الريفية، وبعضهم موظفون سابقون فى مجموعة شباب الحزب الشيوعى، أو فى الحزب نفسه. وخرج من هذه الفئة طرفان مختلفان، تغذى سياساتهما مشاعر احتجاج مختلفة.
وأدت انتقادات مثقفى المدن الذين يميلون إلى تأييد اليسار إلى نفور أهل الريف المجرى الذين يعتمد عليهم أوربان وحزبه المحافظ «فيدس». وعلى الرغم من أن السيد أوربان وزملاءه يسعون أحيانا لسد الفجوة بدأب، إلا أنهم يتعرضون فى كثير من الأحيان للإهانة، ويجدون ارتياحا فى أوهام الانتقام. وهم يحرصون باستمرار على الربط بين أنفسهم وبين الأمة والعمال.
وأنا شخصيا غير منتم لليمين أو اليسار، ولكننى أراهن على نظام ديمقراطى يتيح التعبير للجميع، حتى نتعرف على نوعية الناس التى تسعى لقيادتنا. وتعتبر حماية كرامة المواطنين بحكم القانون من الإذلال على أيدى حكامهم الفائدة الرئيسية للديمقراطية. لأنها تحمى الضعفاء من صلف السلطة، وتمنحهم الأدوات اللازمة لحماية أنفسهم إذا لزم الأمر.
فما الذى يتيح لأى مجموعة أو قائدها السلطة المطلقة علينا؟ فيما يتعلق بالمجر، حقيقة أن الفوز بثلثى مقاعد البرلمان توفر موافقة تلقائية على رغبات قائدهم عند كل تصويت.
وما الذى سيفعله بهذا التأييد؟ المجر تحت حكم السيد أوربان عضو مناهض لأوروبا داخل الاتحاد الأوروبى، أمر نادر تضع سيادتها قبل انتمائها الأوروبى، وتلصق علامة «الوطنية» على كل شىء. بما فى ذلك سلطة إدارتها.
وترتبط هذه النخبة المثقفة ذات الصبغة الشعبوية الجديدة، وأحيانا الفاشية الجديدة، بالصورة الرومانسية للدولة كمرتكز أيديولوجى. كما تفيد العاطفة الوطنية أيضًا فى إسكات الانتقادات الداخلية، حيث يتأثر أهل بلدى بسهولة بشعار «شعب واحد، دولة واحدة، زعيم واحد».
●●●
وقد خسر السيد أوربان المنصب مرة واحدة عام 2002، وهو مصمم على ألا يفقده مرة أخرى. وتخبره غريزة التمسك بالسلطة أن هذا هو الوقت المناسب للتشدد. فبعد عودته للمنصب بسنة واحدة عام 2010، جمدت هيئة الإعلام، التى يرأسها، محطة الإذاعة المستقلة الوحيدة لدينا «كلوب راديو»، التى يبلغ جمهورها مئات الآلاف من المستمعين، بحجة ملفقة، وهى أن بعض برامجها تنتقد الحكومة.
فما هو الهدف من هذا النص الخبيث الذى أعلنه كدستور الجديد، الذى لم يعد معه أى ضمان للحريات الفكرية؟ انه يهدف الى ضمان استمرار حكمه على نحو يشبه استمرار الحكم شبه الفاشى لميكلوس هورثى، من العشرينيات حتى الأربعينيات من القرن الماضى، أو حكم يانوس كادار الشيوعى الذى تولى السلطة بعد ثورة 1956 وحكم البلاد حتى عام 1988.
غير أن المستقبل ليس مظلما تماما. فأى نظام يبنى على الدعاية والغش محكوم عليه بالانهيار عاجلا أو آجلا. وقد شهدت بارتياح سقوط نظامين استبداديين، أحدهما فاشى، والآخر شيوعى، ونهاية الثالث ماثلة فى الأفق. ونظرا لأنه بنى على الأكاذيب، فسيكون سقوطه سريعا. وربما كان يجب علينا أن نتجنب هذه العلة. لكننى على الأقل آمل أن نتعلم منها.