رئيس الوزراء يتابع آليات الاستغلال الأمثل لمبنى قصر القطن بالإسكندرية    شراكة عُمانية تركية جديدة في مجال الطاقة لتطوير التعاون الفني والاستثماري بين البلدين    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على عدة مناطق بمدينة غزة    بات خارج الحسابات.. خبر في الجول – جلسة بين البنك الأهلي وشلبي لحسم الاتفاق معه    ضبط شخص صدم ميكروباص وتسبب في انقلابه وإصابة عدد من الركاب بالبساتين    رئيس جامعة أسيوط يصدر قرارات بتعيين عدد من القيادات الأكاديمية    «الإبداع العربي» يعلن عن دورته الثانية برعاية الهيئة الوطنية للإعلام    العرض العالمي الأول لفيلم «اغتراب» ضمن مهرجان لوكارنو السينمائي    كريم الدبيس: "كولر" مراوغ وقطعت عقود بلجيكا للانتقال للأهلي    نتيجة الامتحان الإلكتروني لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. الرابط الرسمي    لليوم الثالث.. انتظام أعمال تصحيح الشهادة الثانوية الأزهرية بالقليوبية    مها عبد الناصر تطالب بالكشف عن أسباب وفاة 4 أطفال أشقاء في المنيا    مصدر ل"مصراوي": كشف جديد للذهب بمنطقة "آفاق" باحتياطي يتخطى 300 ألف أوقية    رئيس الطائفة الإنجيلية: الموقف المصري من نهر النيل يعكس حكمة القيادة السياسية وإدراكها لطبيعة القضية الوجودية    وزير الشؤون القانونية يهنئ رئيس هيئة النيابة الإدارية    المفتي الأسبق: يوضح عورة المرأة أمام زوج أختها    116 ندوة علمية في حب الجار.. الأوقاف تضيء منابر المساجد بحقوق الجوار في الإسلام    كشف مبكر ومتابعة حالات مرضية.. انطلاق حملة «100 يوم صحة» في أسيوط    برينتفورد يضم جوردان هندرسون في صفقة انتقال حر لمدة عامين    تفاصيل استحواذ ميتا على شركة Play AI الناشئة المتخصصة فى مجال الصوت    مواعيد القطارات على خط القاهرة أسوان والإسكندرية أسوان والعكس اليوم الثلاثاء    نائب رئيس جامعة بنها تواصل تفقد اختبارات القدرات    اتحاد الكرة يحسم مصير الحكام فوق ال45 عاماً فى اجتماعه المقبل    كل ما تريد معرفته عن كأس العالم للأندية 2029    برج السرطان.. حظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو: احذر    أمير كرارة وأبطال فيلم الشاطر يحتفلون بالعرض الخاص فى 6 أكتوبر.. اليوم    الإيجار القديم بين الواقع والمأمول.. نقلا عن "برلماني"    تكنولوجيا الأغذية ينظم برامج تدريبية للنهوض بقطاع التصنيع الغذائي    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 فى مصر    في عامها الثالث.. محافظ الشرقية يطلق شارة بدء حملة «100 يوم صحة»    9 أضرار للإفراط في شرب الشاي.. لا تتجاوز هذه الكمية يوميا    قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 32 فلسطينيا من الضفة الغربية    الرئيس الإيراني: الحرب وحّدت الإيرانيين داخل البلاد وخارجها.. ونتمسك بخيار الدبلوماسية    حكومة كردستان العراق: تعرض حقل نفطي في دهوك لهجوم بطائرة مسيّرة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    محافظ أسيوط يعقد اجتماعا مع اهالى عرب الكلابات بمركز الفتح لحل مشاكلهم    القومي لحقوق الإنسان يعقد ورشة عمل حول العمال وبيئة العمل الآمنة    وزارة العمل: 3 فرص عمل في لبنان بمجالات الزراعة    «مصيرك في إيد الأهلي».. شوبير يوجه رسالة إلى أحمد عبدالقادر    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال    تسجيل 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية ضمن مبادرة «سحب الأدوية» (تفاصيل)    الدفاع الروسية: إسقاط 55 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    القومي لحقوق الإنسان ينظم ورشة عمل حول مقترح قانون الأحوال الشخصية الجديد    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيّرة أُطلِقت من اليمن    شوبير: رغبة أحمد عبد القادر الأولى هي اللعب للزمالك    بإقبال كبير.. قصور الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" لدعم الموهوبين بشمال سيناء    ثنائي بيراميدز ينضم إلى معسكر الفريق في تركيا    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    مشاركة الرئيس السيسي في قمة الاتحاد الأفريقي بمالابو تؤكد دعم مصر لأمن واستقرار القارة    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    تعرّف على عقوبة إصدار شهادة تصديق إلكتروني دون ترخيص وفقًا للقانون    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    «أبو المسامحة».. أحمد وفيق: يوسف شاهين لم يطلب مني تقليده لكنه آمن بموهبتي    محمد حمدي: هذه أسباب عدم نجاحي مع الزمالك    «مستقبل وطن» يُسلم وحدة غسيل كلوي لمستشفى أبو الريش بحضور قيادات جامعة القاهرة    السيطرة على حريق في مخلفات غزل ونسيج بالغربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كومبو
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 01 - 2012

كلمة «كومبو» هى تعبير مشهور يتداوله مستهلكو الوجبات السريعة، ويحفظه أغلب من يتعاملون مع سلاسل المطاعم الكبرى المنتشرة فى كل مكان، يشاهد الناس الكومبو فى إعلانات التليفزيون، ويستقبلونه على الأوراق الملونة فاخرة الطباعة التى توضع بين صفحات الجرائد، ويطالعونه بحجم أكبر فى اللافتات الضخمة المضيئة وسط الشوارع والميادين.

يبدو المصطلح كما لو كان اختراعًا استهلاكيًا حديثًا، يمكن ضمه إلى المفردات الكثيرة التى تتردد دون أن نعرف لها أصلًا أو معنى، مع هذا فالكومبو كلمة قديمة فى حد ذاتها، استُخدِمَت فى أكثر من موضع ومقام؛ تشير المعاجم إلى أنها كانت تُطلَق على الفرق الفنية الصغيرة التى تقدم موسيقى الجاز بوجه خاص، كما أنها تُستَعمَل للدلالة على خليط من الأشياء غير المتجانسة، أو من الأشخاص المختلفين عن بعضهم البعض، وأحيانا أخرى تشير الكلمة إلى من يحملون ميلا جنسيًا مزدوجًا.

فكرة الكومبو فى الوجبات السريعة هى جمع كل الأصناف التى يمكن اعتبارها مثيرة للشهية، والتى تَعِدُ من يبتاعها ليس فقط بسد الجوع، بل بالشبع الأكيد: لحم مغطى بالجبن والتوابل والمخللات وشرائح الخضراوات وأشكال من الدهون الدافئة داخل خبز لين، بالإضافة إلى البطاطس المقلية، والمشروب الغازى، والسلاطة الممزوجة بمواد نصف سائلة، يزيد على كل هذا فى بعض الوجبات صنف من أصناف الحلوى. تجمع وجبة الكومبو عناصر متنوعة وجاذبة مقابل سعر أقل مما لو تم شراء كل عنصر على حدة، فكرة تداعب رغبة الناس فى الحصول على كل شىء بمقابل ضئيل وأحيانًا دون احتياج، والهدف بالطبع هو رفع درجة الإغراء وإنعاش المبيعات وتحقيق أرقام قياسية.

صممت أشهر المطاعم العالمية تلك الوجبات الجامعة، واستدعت وصف الكومبو ليعبر عنها، وروجت به لها، كما لو كانت هى منتهى الأمل للآكلين، الوجبة المثالية التى يتمناها كل فرد. حين يرفع العامل المسئول عن خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل سماعة الهاتف متلقيًا طلبات الزبائن، فإنه يبادر بعرض الكومبو عليهم دون أن يطلبوه أو يستفسروا عنه، وكأنه يرشدهم عن اكتشاف هام أو يقدم لهم معروفًا، ويذكرهم بما هو أفضل لهم، ويدعمهم بمعلومة تصب فى مصلحتهم: أكل وشرب أكثر وثمن أقل.

بعيدا عن المذاق المركب والحجم المغرى، تتسبب تلك الوجبات فى إفساد عملية الهضم، فهى تجمع سعرات عالية ودهونا كثيرة وسكريات سريعة الامتصاص، وهى أيضًا تُضعِف من مناعة الجسم، كما أنها مسئولة عن إلحاق السمنة بملايين الأشخاص على مستوى العالم، ويطلق عليها بشكل عام «جانك فوود» junk food وهو ما يعنى حرفيًا الطعام القمامة أو الطعام الخالى من القيمة الذى لا يريده أحد، والتعبير ذاته يُستَخدَم لأى شىء قديم مهمل لا نفع له ولا فائدة، والحقيقة أنه غير مفيد فعلا لكن إقبال الناس عليه فى أنحاء العالم يتزايد يومًا بعد يوم، وتشير بعض الإحصاءات والدراسات الأمريكية الأخيرة إلى أن نسبة كبيرة من متناولى الوجبات السريعة فى الولايات المتحدة يشعرون بالسوء حيال اعتمادهم عليها، ورغم ذلك يعترفون بعدم القدرة على التخلى عنها. أظن أننا لا نختلف عن هؤلاء كثيرًا، فلدينا سلاسل المطاعم العالمية المعروفة التى لا تغلق أبوابها على مدى الأربع والعشرين ساعة وهى دائمًا مكتظة بالزائرين.

دون مقدمات كثيرة ولأن كل المقالات والانطباعات ما برحت مسجونة، تحوم داخل إطار الثورة، فقد خطر لى أننا نتعامل مع ثورتنا وهى بعد فى بدايتها كما نتعامل مع وجبة الكومبو التى تقدمها لنا السلطة يوميًا: «ثورة كومبو» كما ال «تشيكن كومبو»، تعلن السلطة عنها وتروج لها، وتحثنا على الإقبال عليها رغم غثاثة ما تحويه؛ مكونات متناقضة لا أول لها ولا آخر، يحار الكثيرون فى التعامل معها، فبعضها يبدو حلو المذاق وبعضها مالح والبعض الآخر وهو أغلبها شديد المرارة؛ فى الوجبة حديث لا ينقطع عن الديمقراطية والنزاهة والانتخابات والبرلمان والدستور، وفى الوقت ذاته شهداء جدد ودماء واعتقالات ومحاكمات عسكرية وتعذيب وعنف مؤسسى هادر ومخز وتزييف إعلامى مفجع دون حدود. فى الوجبة أيضًا أمن وانضباط وسيادة قانون ودعاوى للعمل والنهوض وتحفيز على دوران عجلة الإنتاج، إلى جوار قوانين مستجدة مقيدة للحريات وحكومة ثورة برئاسة عتيقة وشباب لا يُرى سوى على قنوات التلفزيون دون أن يغادرها إلى أى موقع آخر سوى السجون. لا تخلو تلك الوجبة كذلك من دعوات للبناء بينما القلاع القديمة لاتزال فى أماكنها، مغروسة فى الأرض تُدَقُّ لتثبيتها الأوتاد.

الوجبة الكومبو هى باختصار نموذج للوجبة التى لا مناص من رفضها لأنها تتسبب فى إرباك الجسد، وبالمثل تفعل الثورة الكومبو ذات الثمن الرخيص، التى تبيعنا السلطة إياها، لا يمكن هضمها، ولا يمكن استخلاص احتياجات الناس منها. رفعت الثورة الفرنسية شعار الحرية والإخاء والمساواة وقدمت بحورا من دماء الفاسدين، بينما رفعنا شعارات الخبز والحرية والكرامة وقدمنا عينة من دماءنا نحن المقهورين على مدى سنوات، الثمن مختلف وشكل الوجبة كذلك.

إذا كانت السلطة قد تركت لنا قطعة ثورة، ومِلء قبضة يد من المخللات، ومشروبا باردا جدًا، فما نحتاجه الآن هو الفصل بين المكونات، وإلقاء الهامشى منها والاحتفاظ بالأصيل، ربما نقرر أن ننال الحرية أولًا بأى ثمن كان، ثم نصنع بها ما نشاء؛ نزرع منها خبزًا للجميع، ونفردها على الأرض لتطرح كبرياء وعدالة ومساواة. ما نحتاجه هو أن تكون ثورتنا القادمة حتمًا أكثر تركيزًا ووضوحًا، دون مشهيات وإضافات تافهة ودون دهون زائدة. هدف واحد، طعم واحد، رائحة نقية.. نصر كامل غال لا تلوثه شائبة، لا يقبل المساومات ولا التفتيت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.