نصر الله يحرز تقدما على عصفورة المدعوم من ترامب في انتخابات هندوراس الرئاسية    مصر توسّع حضورها في الأسواق الأفريقية عبر الطاقة الشمسية والتوطين الصناعي    سوريا تعلن إحباط محاولة تهريب ألغام إلى حزب الله في لبنان    إعلان طاقم حكام مباراة الجونة وبترول أسيوط في كأس مصر    مدير نجدة الطفل: حوادث المدارس تكشف خللاً تربوياً وضرورة تشديد العقوبات لحماية الأطفال    محافظ الدقهلية يعزي أسر ضحايا حريق «سوق الخواجات» ويتفقد المصابين في المستشفى    ارتفع ضحايا حريق سوق الخواجات بالمنصورة إلى 5 وفيات و10 مصابين    زينة عن شخصيتها في "ورد وشوكولاتة": حبيتها لأنها غلبانة وهشة    فيدرا تدافع عن كلاب الشوارع: عندنا مشكلة إدارة وعندي 40 قطة و6 كلاب معيشاهم في بيتي    «بإيدينا ننقذ حياة» مبادرة شبابية رياضية لحماية الرياضيين طبيًا    يوفنتوس يتخطى أودينيزى بثنائية ويتأهل إلى ربع نهائى كأس إيطاليا    بورنموث ضد إيفرتون.. جريليش يمنح التوفيز فوزًا ثمينًا في البريميرليج    القضاء الأمريكي يوجه تهمة القتل للمشتبه فيه بهجوم البيت الأبيض    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    كأس العرب - سالم الدوسري: جئنا إلى قطر لتحقيق اللقب    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    مانشستر سيتي يهزم فولهام في مباراة مثيرة بتسعة أهداف بالدوري الإنجليزي    تقرير مبدئي: إهمال جسيم وغياب جهاز إنعاش القلب وراء وفاة السباح يوسف محمد    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للسلاح    النيابة العامة تُنظم برنامجًا تدريبيًا حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مبادرة الخير بدسوق تنظم حفلًا ترفيهيًا للطلاب الصم وضعاف السمع بمناسبة يوم التحدي    التنمية المحلية ل ستوديو إكسترا: توجيهات رئاسية بتحقيق العدالة التنموية في الصعيد    إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم بالفيوم    إحالة أوراق المتهم بقتل زميله داخل ورشة لتصنيع الأثاث بأشمون للمفتى    هل سرعة 40 كم/ساعة مميتة؟ تحليل علمى فى ضوء حادثة الطفلة جنى    مقتل شخص أثناء محاولته فض مشاجرة بالعجمي في الإسكندرية    والد جنى ضحية مدرسة الشروق: ابنتي كانت من المتفوقين ونثق في القضاء    بروتوكول تعاون بين نادي قضاه جنوب سيناء وجامعة القاهرة    قوات الاحتلال تعزز انتشارها وسط مدينة طولكرم    في ملتقى الاقصر الدولي للتصوير بدورته ال18.. الفن جسر للتقارب بين مصر وسنغافورة    وزير الثقافة: دورة منفتحة على الشباب والتكنولوجيا في معرض الكتاب 57    تحت شعار "متر × متر"، مكتبة الإسكندرية تفتح باب التقديم لمعرض أجندة 2026    مراوغات بصرية لمروان حامد.. حيلة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر (الست)؟    ليفركوزن يثأر من دورتموند بهدف مازة ويتأهل لربع نهائى كأس ألمانيا    رئيس شعبة الدواجن بالجيزة يحذر من الفراخ السردة: اعدموها فورا    رئيس بولندا يعارض فكرة توسك بدفع وارسو تعويضات لضحايا الحرب بدلا من ألمانيا    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    بنك التعمير والإسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مدرسة فرانكفورت    «القومى للمرأة» ينظم الاجتماع التنسيقي لشركاء الدعم النفسي لبحث التعاون    أجواء حماسية والمنافسة تشتعل يين المرشحين في انتخابات النواب بقنا    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    وصفات طبيعية للتخفيف من آلام المفاصل في الشتاء    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    بالصور.. الوطنية للانتخابات: المرحلة الثانية من انتخابات النواب أجريت وسط متابعة دقيقة لكشف أي مخالفة    وزير الصحة يبحث مع وزير المالية انتظام سلاسل توريد الأدوية والمستلزمات الطبية    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كومبو
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 01 - 2012

كلمة «كومبو» هى تعبير مشهور يتداوله مستهلكو الوجبات السريعة، ويحفظه أغلب من يتعاملون مع سلاسل المطاعم الكبرى المنتشرة فى كل مكان، يشاهد الناس الكومبو فى إعلانات التليفزيون، ويستقبلونه على الأوراق الملونة فاخرة الطباعة التى توضع بين صفحات الجرائد، ويطالعونه بحجم أكبر فى اللافتات الضخمة المضيئة وسط الشوارع والميادين.

يبدو المصطلح كما لو كان اختراعًا استهلاكيًا حديثًا، يمكن ضمه إلى المفردات الكثيرة التى تتردد دون أن نعرف لها أصلًا أو معنى، مع هذا فالكومبو كلمة قديمة فى حد ذاتها، استُخدِمَت فى أكثر من موضع ومقام؛ تشير المعاجم إلى أنها كانت تُطلَق على الفرق الفنية الصغيرة التى تقدم موسيقى الجاز بوجه خاص، كما أنها تُستَعمَل للدلالة على خليط من الأشياء غير المتجانسة، أو من الأشخاص المختلفين عن بعضهم البعض، وأحيانا أخرى تشير الكلمة إلى من يحملون ميلا جنسيًا مزدوجًا.

فكرة الكومبو فى الوجبات السريعة هى جمع كل الأصناف التى يمكن اعتبارها مثيرة للشهية، والتى تَعِدُ من يبتاعها ليس فقط بسد الجوع، بل بالشبع الأكيد: لحم مغطى بالجبن والتوابل والمخللات وشرائح الخضراوات وأشكال من الدهون الدافئة داخل خبز لين، بالإضافة إلى البطاطس المقلية، والمشروب الغازى، والسلاطة الممزوجة بمواد نصف سائلة، يزيد على كل هذا فى بعض الوجبات صنف من أصناف الحلوى. تجمع وجبة الكومبو عناصر متنوعة وجاذبة مقابل سعر أقل مما لو تم شراء كل عنصر على حدة، فكرة تداعب رغبة الناس فى الحصول على كل شىء بمقابل ضئيل وأحيانًا دون احتياج، والهدف بالطبع هو رفع درجة الإغراء وإنعاش المبيعات وتحقيق أرقام قياسية.

صممت أشهر المطاعم العالمية تلك الوجبات الجامعة، واستدعت وصف الكومبو ليعبر عنها، وروجت به لها، كما لو كانت هى منتهى الأمل للآكلين، الوجبة المثالية التى يتمناها كل فرد. حين يرفع العامل المسئول عن خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل سماعة الهاتف متلقيًا طلبات الزبائن، فإنه يبادر بعرض الكومبو عليهم دون أن يطلبوه أو يستفسروا عنه، وكأنه يرشدهم عن اكتشاف هام أو يقدم لهم معروفًا، ويذكرهم بما هو أفضل لهم، ويدعمهم بمعلومة تصب فى مصلحتهم: أكل وشرب أكثر وثمن أقل.

بعيدا عن المذاق المركب والحجم المغرى، تتسبب تلك الوجبات فى إفساد عملية الهضم، فهى تجمع سعرات عالية ودهونا كثيرة وسكريات سريعة الامتصاص، وهى أيضًا تُضعِف من مناعة الجسم، كما أنها مسئولة عن إلحاق السمنة بملايين الأشخاص على مستوى العالم، ويطلق عليها بشكل عام «جانك فوود» junk food وهو ما يعنى حرفيًا الطعام القمامة أو الطعام الخالى من القيمة الذى لا يريده أحد، والتعبير ذاته يُستَخدَم لأى شىء قديم مهمل لا نفع له ولا فائدة، والحقيقة أنه غير مفيد فعلا لكن إقبال الناس عليه فى أنحاء العالم يتزايد يومًا بعد يوم، وتشير بعض الإحصاءات والدراسات الأمريكية الأخيرة إلى أن نسبة كبيرة من متناولى الوجبات السريعة فى الولايات المتحدة يشعرون بالسوء حيال اعتمادهم عليها، ورغم ذلك يعترفون بعدم القدرة على التخلى عنها. أظن أننا لا نختلف عن هؤلاء كثيرًا، فلدينا سلاسل المطاعم العالمية المعروفة التى لا تغلق أبوابها على مدى الأربع والعشرين ساعة وهى دائمًا مكتظة بالزائرين.

دون مقدمات كثيرة ولأن كل المقالات والانطباعات ما برحت مسجونة، تحوم داخل إطار الثورة، فقد خطر لى أننا نتعامل مع ثورتنا وهى بعد فى بدايتها كما نتعامل مع وجبة الكومبو التى تقدمها لنا السلطة يوميًا: «ثورة كومبو» كما ال «تشيكن كومبو»، تعلن السلطة عنها وتروج لها، وتحثنا على الإقبال عليها رغم غثاثة ما تحويه؛ مكونات متناقضة لا أول لها ولا آخر، يحار الكثيرون فى التعامل معها، فبعضها يبدو حلو المذاق وبعضها مالح والبعض الآخر وهو أغلبها شديد المرارة؛ فى الوجبة حديث لا ينقطع عن الديمقراطية والنزاهة والانتخابات والبرلمان والدستور، وفى الوقت ذاته شهداء جدد ودماء واعتقالات ومحاكمات عسكرية وتعذيب وعنف مؤسسى هادر ومخز وتزييف إعلامى مفجع دون حدود. فى الوجبة أيضًا أمن وانضباط وسيادة قانون ودعاوى للعمل والنهوض وتحفيز على دوران عجلة الإنتاج، إلى جوار قوانين مستجدة مقيدة للحريات وحكومة ثورة برئاسة عتيقة وشباب لا يُرى سوى على قنوات التلفزيون دون أن يغادرها إلى أى موقع آخر سوى السجون. لا تخلو تلك الوجبة كذلك من دعوات للبناء بينما القلاع القديمة لاتزال فى أماكنها، مغروسة فى الأرض تُدَقُّ لتثبيتها الأوتاد.

الوجبة الكومبو هى باختصار نموذج للوجبة التى لا مناص من رفضها لأنها تتسبب فى إرباك الجسد، وبالمثل تفعل الثورة الكومبو ذات الثمن الرخيص، التى تبيعنا السلطة إياها، لا يمكن هضمها، ولا يمكن استخلاص احتياجات الناس منها. رفعت الثورة الفرنسية شعار الحرية والإخاء والمساواة وقدمت بحورا من دماء الفاسدين، بينما رفعنا شعارات الخبز والحرية والكرامة وقدمنا عينة من دماءنا نحن المقهورين على مدى سنوات، الثمن مختلف وشكل الوجبة كذلك.

إذا كانت السلطة قد تركت لنا قطعة ثورة، ومِلء قبضة يد من المخللات، ومشروبا باردا جدًا، فما نحتاجه الآن هو الفصل بين المكونات، وإلقاء الهامشى منها والاحتفاظ بالأصيل، ربما نقرر أن ننال الحرية أولًا بأى ثمن كان، ثم نصنع بها ما نشاء؛ نزرع منها خبزًا للجميع، ونفردها على الأرض لتطرح كبرياء وعدالة ومساواة. ما نحتاجه هو أن تكون ثورتنا القادمة حتمًا أكثر تركيزًا ووضوحًا، دون مشهيات وإضافات تافهة ودون دهون زائدة. هدف واحد، طعم واحد، رائحة نقية.. نصر كامل غال لا تلوثه شائبة، لا يقبل المساومات ولا التفتيت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.