حسب المعلومات المنشورة فى خصوص الجمعية العمومية الطارئة لقضاة محكمة استئناف القاهرة التى انعقدت فى 20 مارس الراهن، فإنه يتضح أن تنحى المستشار عبدالمعز إبراهيم عن أعمال وظيفته الإدارية كرئيس لتلك المحكمة لم يكن تفضلا منه، وإنما حدث نتيجة مناقشات ومواجهات حادة بينه وبين عدد من قضاة المحكمة تزعم تدخله وأعضاء مكتبه الفنى من أجل السماح بسفر المتهمين الأجانب فى القضية المعروفة إعلاميا باسم قضية التمويل الأجنبى، (وقيل إن هناك محاولات أخرى حصلت بقصد، لاغى) وإعاقة السير الطبيعى لعدد من القضايا التى تخص أعوان نظام مبارك. وبسبب فشل المستشار عبدالمعز فى مواجهة بعض الحقائق، فقد أقر بتنازله من على المنصة القضائية عن التفويض الممنوح له بوصفه الرئيس الإدارى للمحكمة، وتم ذلك على مرأى ومسمع من قضاة الجمعية وفى حضور السيد المستشار رئيس محكمة النقض، هذا التنازل هو الذى أدى فى حقيقة الحال لفض المناقشات (والتوقف عن مواصلة توجيه الاتهامات) بين قوسين لاغى، بحسبان أن قضاة الجمعية ارتضوا مضمون ما انطوى عليه ذلك التنازل غير المسبوق كجزاء مقبول وترضية معقولة لإنهاء الموضوع برمته بالنظر لدواعٍ تتصل بهيبة القضاء وقرب انتهاء عمل المستشار عبدالمعز لبلوغه سن التقاعد، ورغم ذلك سارع عبد المعز وأنكر قوله وتصرفه ثم عاد وتذرع بأسباب شكلية وعوائق إجرائية ثم توعد بمحاسبة الرعية بوصفه - كما وصف نفسه - «قاضى مصر الأول». وتسارعت الأحداث فأحكم إغلاق مكتبه وفتح الباب على مصراعيه لبوادر فتنة «فتنة عبد المعز»، وغادر على عجل إلى بلاد المكسيك لمهمة وطنية كبرى، متسلحا بخبرته القضائية والانتخابية.
(2)
فى الشريعة كما فى القانون، فإن الإقرار كعمل قانونى يكون صحيحا ويتعين الأخذ به كحجة على صاحبه ولو لم يكن له سبب، وأن الإقرار الشفوى يستوى والإقرار المكتوب. كما كرست الأديان والمبادئ العامة فى القانون قاعدة الصدق فى الأقوال والتصرفات «من سعى فى نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه» لذلك تحرص المحاكم على عدم قبول إدعاء كل من يحاول نقض أقواله أو تصرفاته أو سلوكياته إضرارا بالغير، فالساقط لا يعود ولا يرد. مبدأ عدم التناقض هذl معروف ومعمول به بصورة واضحة على المستوى الدولى أيا كان النظام القانونى المتبع وذلك من أجل صون الثقة المشروعة فى المعاملات والحقوق الخاصة والعامة وهو متفرع عن القاعدة الأخلاقية التى تقضى بحسن النية فى المعاملات والتصرفات. وفى الشريعة والقانون أيضا فقد تأكد حق الرعية فى محاسبة ولاتها ومن تنعقد لهم ناصية الأمر من دون وجل من سطوتهم.
(3)
الجوهرى فى الأمر أن أقوال المستشار عبدالمعز المزعجة وسلوكياته الضبابية فى كل ما حصل بشأن قضية التمويل الأجنبى وغيرها، لابد أن تلقى بظلالها على نتائج الانتخابات البرلمانية التى أُجريت مؤخرا لأنه كان يرأس الكيان المسئول عن تلك الانتخابات والمشرف عليها والمتحدث باسمها ومن ثم فهو الحارس الأمين على إرادة الوطن، أو هكذا ينبغى. وعلى كل حال هناك شرط عام أولى فيما يشغل الوظيفة كل وظيفة هو أن يكون الشخص محمود السيرة حسن السمعة، وعليه أن يلتزم الصدق فى كل ما يصدر عنه من أقوال وتصرفات فى المجال الذى يشغله، وفى بعض الأحوال يشكل الخروج على ذلك الواجب العام ما يستوجب مساءلة شخص المخطئ، فالإخلال بواجب الصدق فى نطاق العمل القضائى أو حتى العمل العام المتصل بمصالح جوهرية لأبناء الوطن وحقوقه الأساسية التى لا يجوز التفريط فيها، يعد أمرا لا يليق بكرامة وهيبة الجهة التى ينتمى إليها ويشكل جرما جسيما يفقد صاحبه حتما صلاحية البقاء فى عمله وقد يجرد أعماله صاحبة الصلة بالمخالفة من كل قيمة. استمرار وجود المستشار عبدالمعز ضمن أعضاء لجنة انتخابات الرئاسة المقبلة غير متصور وغير لائق وغير شرعى، فخاصية الوضوح واليقين والاستقامة فى الشأن الانتخابى غايتها ضمان الحرية الفردية فى مواجهة التحكم والاستبداد الذى لا يعترف بأى حق غير حق القوة التى لا قيد لها من ضمير، ما يحصل على ساحة الوطن يعد أمرا مثيرا للخزى ويشعرنا بأن قوانا العقلية آخذة فى النقصان.