«الصلاة جزء من النشاط الإسلامى، فوق كل أرض يعمرها الإسلام والمسجد هو السمة الأولى للحضارة الاسلامية فى كل قرية وكل مدينة، وعندما ينجح المؤمنون فى إقامة مجتمعهم فإن أول عمل يفكرون فيه ويبادرون إليه هو إقام الصلاة استجابة للآية الكريمة «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ»، الحج:41. يقول الشيخ الغزالى فى كتابه قد حاول البعض أن يدخل فى الإسلام متخففا من الصلاة فأبى الرسول وهو يقول «لا خير فى دين بلا صلاة»، «وقد أوصى الإسلام بالانطلاق إلى المسجد خمس مرات كل يوم، ويظهر أن أعداء الاسلام على عهد الوحى غاظهم هذا المنظر المهيب المتكرر فأخذوا ينفسون عن ضغائنهم بالغمز واللمز وربما تضاحكوا وعقدا المجالس عند سماع الأذان، وهنا نزل الوحى بأن يطالب المؤمنين بأن يقاطعوا هؤلاء العابثين»، قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، المائدة: 57.
يقول الشيخ الراحل «إن النبى (صلى الله عليه وسلم)، كره أن يقابل الإسلام بهذا المجون وأن تنال شعائره بهذا العبث، فقال «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا يصلى بالناس، ثم انطلق معى رجال معهم حزب من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم».
«الحديث لا يعنى أن تجميع الناس للصلاة يتم بالتهديد، فذلك مستحيل، لأن جمهرة المؤمنين ابتغاء لوجه الله يهرعون للمسجد كلما سمعوا النداء، ولكن من حق المؤمنين عند إقام الصلاة فى الجماعات العامة ألا تنظم جماعات أخرى للعبث، وألا تنعقد مجالس لجد أو هزل وألا تقام أسواق للشغب وقد لاحظ الناس عند عقد اجتماعات الهدنة بين المصريين واليهود أن اليهود كانوا بتحرون أيام الجمعة للمفاوضات وكأنهم يريدون عمدا انتهاك وقت الجمعة وإضاعة شعائرها.
وتابع أن تهديد الساخرين والماجنين بالحرق ترك أثاره عليهم ولم يؤثر قط على النبى الكريم أن وقع شىء من ذلك، وبالتالى فلا مجال للاستحقاق والقول بأن الإسلام يأمر بإحراق المتخلفين عن الصلاة.
وأشار الشيخ فى كتابه إلى أن المسجد كان يستقبل الأمة كلها وإن اقصاء النساء عنه لم يعرف فى سلف الأمة بل كانت روحانية المسجد وثقافته تسريان على امتداد الشوارع وداخل البيوت، واذا كانت الجماعة للصلوات الخمس سنة مؤكدة، فإن حضور الجمعة فرض عين على كل مسلم قادر، تقول الآية الكريمة، «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِى لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» الجمعة:9.
والجمعة فى الإسلام هى شعيرة ترجح أعظم أجهزة الدعاية التى وصل إليها العالم، وإذا كان المسلمون الآن ألف مليون نسمة، فمفروض أن تلقى بينهم خطب بين المليون والمليونين كل أسبوع، حيث يقول رجل موجه يتحدث باسم الله إلى عباده يقول ما لديه، والمصلون صامتون يصغون لما يقال، ولا يتشاغل عنه أحد ولا ينصرف من مكانه حتى يسمع الخطبة كلها ويؤدى الصلاة.
وأكد الشيخ الراحل «أكره أن تكون الخطبة تحرشا شخصيا أو تهجما سياسيا أو تعليقا مقصورا على الأحداث العابرة، فإن المساجد لم تبن لشىء من هذا وتشريع الخطبة كما جاء فى القرآن الكريم: «فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»، الجمعة:9، وتطويل الخطبة غير سائغ ولا مشروع، وكانت أكثر خطب الرسول من القرآن الكريم، لذلك لم تحفظ عنه خطب من كلامه عليه الصلاة والسلام إلا فيما ندر.