عمل الكاتب الروماني، ميركيا كارتاريسكو لمدة سنتين في برلين، كأستاذ مساعد. وبعد العديد من المحطات يعود الكاتب الروماني لبرلين، لكن هذه المرة من أجل استلام جائزة الأدب الدولية، عن روايته "الجسد" التي ترجمت لعدة لغات. يقول الكاتب الروماني، كارتاريسكو، إنه يحتاج من أجل الخوض في الكتابة إلى "عزلة ميتافيزيقية، يحملها معه أينما حل وراح، مثل بيت الحلزون"، ولكنه لم يجد هذه السكينة والهدوء في بلده الأم رومانيا، بل خلال إقامته في ألمانيا بضاحية مدينة شتوتجارت، جنوب غرب ألمانيا. هناك وجد كارتاريسكو الظروف المناسبة والوقت الكافي من أجل استكمال روايته الثلاثية "Orbitor" أو "الإبهار" التي لقيت إقبالا عالميًا كبيرًا واستحسانًا من النقاد في الأدب. ويقول كارتاريسكو: "إن إقامته قرب شتوتجارت، أعطته شعورًا وكأنه في الجنة".
استغرقت كتابة أجزاء الرواية الثلاثة حوالي 15 سنة لم يفارق فيها كارتاريسكو دفاتره التي كان يدون فيها كل أفكاره وإلهاماته. ويعتبر Orbitor" " أو "الإبهار" أهم عمل روائي للكاتب والشاعر الروماني الذي يبلغ من العمر 56 سنة. ويصور هذا العمل الأدبي أحداث طفولته في مسقط رأسه بوخاريست في رومانيا الشيوعية كمكان ساحر وجذاب.
لجنة دار الثقافة العالمية المشرفة على منح الجائزة تصف رواية "الجسد"، الجزء الثاني من الثلاثية الروائية بأنها "استكشاف ذاتي يوحي بتفكير أدبي متكامل، يوسع الفكر الأدبي ويجمع بين العناصر الصغيرة والكبيرة للوجود". وتضيف اللجنة أيضًا بأن كارتاريسكو نجح في عمله الأدبي، الذي يتجلى في هذه الرواية "الرائعة وهذا العمل الفني المثير الذي يتميز بلغة لامعة ونادرة".
الجائزة الدولية للأدب ستكون أيضًا تشريفًا لمترجمي الرواية إلى اللغة الألمانية غيرهارد كسيكا و فيديناند ليوبولد، اللذين ولدا أيضًا في رومانيا.
الجدير بالذكر أن حفل تسليم الجائزة سيكون في 6 يونيو، وسيشهد إلقاء كلمة الكاتب الهنجاري بيتر إيستيرهازي، الذي سيسلمه الجائزة.
رواية من وحي الخيال و يعتبر الحلم والخيال الأدبي من العناصر الأساسية في رواية "الجسد"، التي يحاول من خلالها الكاتب كشف القناع عن سخافة النظام الشيوعي الديكتاتوري، الذي كان يسود في رومانيا في تلك الحقبة. ومثال على ذلك تجلى في إحدى الفقرات التي تصور أم الروائي وهي تنسج سجادة، فيتهمها جهاز الأمن السري بأنها تخفي رسالات سرية في نسيجها. ولكن كارتاريسكو ينفي أن تكون روايته بمثابة تأريخ لمرحلة معينة من الواقع الشيوعي لرومانيا، بل هي عبارة عن عمل أدبي من وحي الخيال. فهو يعتبر نفسه "شاعرًا وأديبا وليس مؤرخًا".
وكانت أول منشوراته عبارة عن دواوين شعرية من وحي الخيال. ولكن ما يميزه هو الأصالة والجودة الاستثنائية لأسلوبه الروائي واللغوي الذي يطبع كل أعماله، سواء منها المقالات الأدبية والروايات ودواوين الشعر وقصص الأطفال وغيرها من الأعمال الأدبية التي أثرى بها هذه الخزانة الأدبية. وكل هذا يجعل منه شخصية أدبية موهوبة، حتى أصبح الآن الحديث في الأوساط الأدبية عن إمكانية حصوله على جائزة نوبل للأدب.
قوته اللغوية تبهر الناقدين الألمان الكثير من أعمال كارتاريسكو ترجمت للغة الألمانية، وعلى رأسها سلسلة القصص بعنوان " لماذا نحب النساء؟" التي حظيت باستحسان كبير لدى القارئ الألماني. ولكن الجزأين الأولين لثلاثية " Orbitor" أبهرا النقاد الأدبيين الألمان الذين نوهوا "بالقوة اللغوية"، وقدرة كارتاريسكو "على المزج بين الواقع والخيال" بشكل رائع.
بعد إنهائه لدراسة الفلسفة في جامعة بوخارست، عمل كارتاريسكو كأستاذ للغة الرومانية والأدب ثم كأستاذ محاضر في جامعة بوخارست. وعمل أيضًا لمدة سنتين كأستاذ مساعد في جامعة برلين وأمستردام، وجال العديد من المدن الأخرى، ولكن القاسم المشترك بين كل هذه المدن هو: "أينما ذهبت، أمشي نائمًا عبر الطبيعة، فأشعر بالمدينة من خلال الأصوات والروائح، فيدخلون إلى وجداني وعندها أحس بالاهتزاز ثم بالانبهار". هذا ما صرح به كارتاريسكو في خريف 2010 في حوار له مع موقع "دويتش فيله" خلال إقامته في برلين. وها هو الآن يعود لهذه المدينة ليستلم جائزة تؤكد عبقريته الأدبية.