طالما كانت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى رمزا للاستقلال القضائى ومنبعا لا ينضب للأحكام التاريخية ضد نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى أوج قوته منذ أوائل التسعينيات من القرن المنصرم وحتى اندلاع ثورة 25 يناير، حيث كانت أول جهة قضائية تبطل قرارات إحالة الإخوان للقضاء العسكرى وتمكن المنظمات الحقوقية من مراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتبطل صفقة تصدير الغاز لإسرائيل وتلغى الحرس الجامعى، كما ساهمت فى دق المسمار الأخير فى نعش النظام السابق بأحكام بطلان انتخابات مجلسى الشعب والشورى 2010. واكتسبت الدائرة الأولى بالمحكمة هذه الرمزية والقوة انطلاقا من اختصاصها المنعقد برقابة القرارات الإدارية المقيدة للحقوق والحريات وجميع المنازعات ذات الطابع السياسى، بالإضافة إلى تتابع عدد من شيوخ قضاة مجلس الدولة على رئاستها مثل المستشارين طارق البشرى ومحمد أمين المهدى ومحمد الحسينى ود. محمد عطية وعادل فرغلى وكمال اللمعى.
وعلى مدار الأسابيع الأربعة الأخيرة أصدرت هذه الدائرة 3 أحكام مثيرة للجدل كانت بمثابة قنابل قضائية، اختلف عليها القانونيون والقضاة ورجال السياسة على حد سواء، بل وأثارت غضب ومعارضة عدد من شيوخ القضاة الذين سبق وترأسوا نفس الدائرة.. هذه الأحكام هى بالترتيب بطلان الجمعية التأسيسية، وإلزام الداخلية بمنح شهادة للمرشح الرئاسى المستبعد حازم أبوإسماعيل تفيد بعدم حمل والدته جنسية أجنبية، وأخيرا الحكم الأول من نوعه الصادر ببطلان قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإحالة قانون العزل إلى المحكمة الدستورية العليا.
وتنحى المستشار على فكرى، ثانى أقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، عن رئاسة المحكمة فى القضايا الثلاث، فتولاها بالنيابة عنه عضو اليمين المستشار عبدالسلام النجار ومعه المستشاران سامى درويش وعبدالعزيز السيد، الذين صاغوا الأحكام الثلاثة التى اختلف عليها الفقهاء.
ففى حكم بطلان الجمعية التأسيسية فسرت المحكمة المادة 60 من الإعلان الدستورى بطريقة تخالف تفسير المستشار طارق البشرى، رئيس اللجنة التى صاغت هذه المادة، وقالت إنه يجب على الأعضاء المنتخبين بمجلسى الشعب والشورى تشكيل الجمعية التأسيسية بالكامل من خارج البرلمان، رغم أن البشرى نفسه أكد 3 مرات ل«الشروق» قبل وبعد الحكم أن النواب من حقهم تشكيل الجمعية من خارج أو من داخل البرلمان، لأن لفظ «انتخاب» المذكور فى المادة الدستورية يشمل الأمرين معا ولا يقتصر على الخارج فقط أو الداخل فقط.
وفى حكم جنسية والدة حازم، كان الرأى القضائى الأغلب تعليقا على القضية أن الجنسية المصرية تثبت بالقانون المصرى والجنسية الأجنبية تثبت بقانون البلد الأجنبى.
وأخيرا مثّل الحكم الصادر أمس الأول بشأن إحالة قانون العزل إلى المحكمة الدستورية صدمة لرجال القانون لما فيه من تحدٍ غير مسبوق للمادة 28 من الإعلان الدستورى التى تحصن قرارات اللجنة العليا من الطعن، وتمييزا لم يكن متوقعا بين قرار اللجنة العليا بإحالة القانون وقرارها بإعادة المرشح أحمد شفيق لسباق الرئاسة، رغم أن الثانى مترتب على الأول مباشرة وفق نص حيثيات القرار.
الأمر الذى دفع المستشار أحمد شمس الدين خفاجى، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة عضو اللجنة العليا، لأن يصف الوضع المترتب على هذا الحكم ب«أصعب موقف قضائى يعاصره منذ التحاقه بالعمل القضائى منذ 50 عاما».