يُرفع أذان المغرب فى ميدان العباسية ممتزجا برائحة الحريق والدم، يعلو صوت الشيخ بالدعاء على المجلس العسكرى، ويؤمن المصلون عليه «آمين.. آمين». بالقرب من المصلين، الذين افترشوا الارض، بدأ نقاش بين مجموعة من المتطوعين والأطباء فى المستشفى الميدانى، يشتد تارة ويرتخى تارة أخرى، إلا أن نقطة الاتفاق الوحيدة التى أجمع عليها المتحاورون هى «حرمة الدم المصرى».
بدأت إحدى الطبيبات، التى تزور الميدان بشكل دورى، الحوار: «سمعت الكلمتين بتوع نوارة نجم اللى قالت فيهم انزلوا واقفوا جنب المعتصمين قبل ما يذبحوا كلهم»، كان ذلك منذ اليوم الأول لبدء الاعتصام فى ميدان العباسية.
الكلمتان، كما تقول الطبيبة، «حمسونى أوى إنى أنزل.. ولما نزلت لقيت إن اللى هنا زيى وزيك وكل الناس موجودة مش بس سلفيين»، وتتابع «مكنتش بعرف أنام وكنت قلقانة لأن فى ناس هنا ممكن تموت».
يتدخل أحد المتطوعين فى المستشفى الميدانى فى النقاش «معهلش بس أنا مش مقتنع خالص بالاعتصام ده.. هما إيه اللى جابهم هنا.. مش دول الإخوان والسلفيين اللى سابونا فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء؟».
بنبرة حادة تسألته الطبيبة «لماذا جئت إذن»، فكان رده أنه جاء بناء على اتصال من أطباء زملاء له، سبق وأن تطوعوا بالمستشفى الميدانى فى التحرير.. تهدأ الطبيبة وتلتقط أنفاسها لتقول: «أنا عارفة إن الناس بتقول بينها وبين نفسها مش دول الإخوان والسلفيين اللى باعونا فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء» هى لا تنكر تلك الحقيقة ولكنها تقول: «لما جيت هنا حسيت إن السلفيين حسّوا بغلطهم»، وهو ما دفعها لأن تقول لأحد شيوخ السلفية المعتصمين «يا شيخ إنتم اتأخرتوا وغلطتم فى حقنا.. بس صفحا جميلا».
«صدقينى الإخوان مش مهم عندهم إلا مصلحتهم وهيبعونا فى أول محطة»، يقول المتطوع، لترد عليه الطبيبة بانفعال «يا جماعة أنا مش بدافع عن الإخوان أو السلفيين، لكن هما حسوا بغلطهم وفاقوا.. صحيح ده حصل متأخر بس الأولى إننا نضم على بعض ونمشى اللى بيدبحنا الأول، وبعدها نبقى نقعد ونتكلم».
ينتظرها المتطوع بفارغ الصبر وهو يمصمص شفاهه ليقتنص الفرصة بمجرد صمتها، ويقول: «يعنى انتى عايزة المجلس العسكرى يمشى دلوقتى.. طب ومين هيمسك البلد؟» تتسابق الكلمات على طرف لسانها «نعمل محكمة ثورية للمجلس العسكرى»، تقول وهى تتمتم «بس ده هيبقى محتاج حشد للثوار».
تهدأ وطأة الحوار لتتحدث الطبيبة عن الاعتصام «اعتصامنا كدة مش صح» فمن المفترض من وجهة نظرها أن تدار حلقات نقاش مع المعتصمين، لا أن يتم الاكتفاء بالهتاف فقط.
وفجأة تحل سيرة الشيخ «حازم أبوإسماعيل» لتؤكد الطبيبة «اللى دعا للمسيرة دى مش أبوإسماعيل، ده إبراهيم الشال من حركة ثورة الغضب الثانية»، لا يمهلها المتطوع وقتا للرد «حازم قبل ما يسافر، قال: «أحذّر العسكرى من الدماء التى ستسيل».
يتدخل طبيب آخر فى النقاش «إحنا معترضين على الاعتصام.. بس أى رأى فى أى موضوع مينفعش يبقى فى دم، بغض النظر إن كان المعتصمين على حق أو على باطل»، ترد الطبيبة «فى النهاية السلطة بتدبحنى».
ويدخل مسعف متطوع فى المستشفى الميدانى على خط النقاش «اللى دعا للاعتصام ده كان إبراهيم الشال، وبعد كده انضم ليهم أولاد أبوإسماعيل»، وتابع: «المجلس العسكرى استغل مسيرة أولاد أبوإسماعيل وخلّى الإعلام يركز عليه»، وذلك حتى يظهر أن أنصار حازم لا تهمهم المصلحة العامة، بل شيخهم فقط.
ويؤكد المسعف أن المجلس العسكرى يحاول أن يصوّر للمواطنين أن الحرب الآن بين أولاد أبوإسماعيل وبين أهالى العباسية بغرض نشر الفتنة.. «هذا جزء من اللعبة».. المسعف مقتنع تماما بأن ما يجرى فى العباسية هو جزء من مناورة سياسية يقوم بها المجلس لتأجيل الانتخابات الرئاسية، تقوم ركيزتها على وضع صورة معينة فى ذهن المصريين تهيئ لهم أن المجلس العسكرى على حق.
قناعات المسعف بتلك الأفكار جاءت من أن «المجلس خلّى الإعلام يركز على البنت اللى اتعرت فى أحداث مجلس الوزراء، وخلّا الإخوان يخبّطوا فى السلفيين عشان الناس تنسى شعار الثورة.. عيش حرية عدالة اجتماعية».