في مثل هذا اليوم من العام الماضي قرأ عمر سليمان قرار تنحي مبارك وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، وذلك بعد ثلاثين عاما من الحكم الذي لم يرضِ طموحات شعب صنع أول حضارة في التاريخ. الحادي عشر من فبراير، إنه اليوم الذي لن ينساه التاريخ ما ذُكر المصريون، بعد أن قاموا بثورة – ما زالت جذوتها مشتعلة بعد عام من اندلاعها – أبهرت العالم وغيرت مجرى التاريخ، وأطاحت بحاكم جثم على صدور هذا الشعب، وراح ضحيتها آلاف الشهداء من خيرة الشباب وخيرة النساء وحتى كبار السن.
هذه الدماء التي أُريقت على مدار عام يبدو أنها لا تزال حارّة حتى يومنا هذا، وهو ما يتجلى بوضوح في استمرار الأهداف التي نادى بها الشهداء وما زال حلمهم بمصر الجديدة القوية العزيزة متجسدًا، طالب الشباب بتطهير مصر من الفاسدين ومحاكمتهم محاكمة ثوريّة ناجزة، طالبوا بحياة كريمة للكادحين من هذا الشعب، طالبوا برفع القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد أبناء الوطن الشرفاء، إنه الحلم "عيش - حرية - كرامة إنسانية".
كان من أجمل الشعارات التي انطلقت مع بداية الثورة "الجيش والشعب إيد واحدة"، هذا المعنى الذي أبهر العالم بحق ورأينا بعض الدول الكبرى تتمنى أن يكون لديها هذا التلاحم وتلك الحميمية بين الجيش والشعب، ولكن ما الذي تغير بعد عام من بداية الثورة ليسقط هذا الشعار ويتحول إلى "يسقط يسقط حكم العسكر"؟
يبدو أن التباطؤ في تحقيق الأهداف التي انطلقت الثورة وسالت الدماء من أجلها هو السبب، وكذلك إطالة المدة التي حددها المكلفون بإدارة البلاد في بياناتهم الأولى، وكذلك التورط في سفك الدماء بعد الثورة في ماسبيرو ومسرح البالون ومحمد محمود والقصر العيني، فضلا عن تراخي الحالة الأمنية وشيوع الانفلات الذي يعتبره البعض متعمدًا، يبدو أن ذلك كله هو السبب في سقوط شعار "الجيش والشعب إيد واحدة" وتحوله إلى "يسقط يسقط حكم العسكر"، وللأسف كانت الإجابة دائما تحمل طرفًا ثالثا المسئولية دون الكشف عنه.
لم يجد الشباب الذين بدأوا الثورة ودعوا لها في البداية وسيلة سلمية للتعبير عن سخطهم وعدم رضاهم من تردي الأوضاع الحالية واستمرار سقوط أبرياء وآخرها في بورسعيد، سوى الدعوة لإضراب عام وعصيان مدني في ذكرى التنحي، علها تكون رسالة بعدم الرضا عما تحقق بعد عام من الثورة.
إلا أن المكلفين بإدارة البلاد مؤقتا بعد مبارك اتهموا "متآمرين" بمحاولة هدم الدولة المصرية، محذرين من أن هؤلاء سيجلبون على مصر "الفوضى والخراب"، ووعدوا بتسليم السلطة بعد انتخابات الرئاسة في يونيو، وأكدوا أنهم لن يخضعوا للتهديدات أو ينحنوا أمام الضغوط للتسريع بعملية انتقال السلطة، إلا أن جماعات المعارضة ما زالت تطالب بتسليم فوري للسلطة.
وعلى جانب آخر نجد جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية بفضل الثورة، لم تدعم إضراب السبت، ولم تؤيد الدعوة إليه.
رأينا بالأمس مسيرات انطلقت في أنحاء متفرقة من محافظتي القاهرة والجيزة للمشاركة في "جمعة الرحيل" التي دعت إليها بعض الأحزاب والحركات والائتلافات الثورية، إلا أن البعض عارض هذه المسيرات السلمية المتوجهة إلى وزارة الدفاع بالعباسية مقر المجلس العسكري، للمطالبة باستكمال أهداف الثورة.
طالب المتظاهرون بتحديد جدول زمني للانتخابات الرئاسية وتسريع نقل السلطة للمدنيين، فيما قامت القوات المسلحة بتشديد الإجراءات الأمنية بمحيط الوزارة بنشر عدد من المدرعات وإقامة حواجز من الأسلاك الشائكة وانتشار أمني مكثف.
وفي ميدان التحرير "رمز انتصار الثورة" توافد الآلاف، فيما انطلقت مسيرات من عدة مساجد بعد صلاة الجمعة من بينها مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، ومسجد الفتح برمسيس.
وفي الإسكندرية قام نحو ثلاثة آلاف من مؤيدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر بتكوين درع بشري أمام قصر "رأس التين" بالإسكندرية، وذلك بعد وصول نحو ألف متظاهر من المعارضين للمجلس العسكري للاحتجاج، ووقعت بعض المناوشات بالأيدي بين الجانبين، إلا أن كثرة عدد مؤيدي المجلس العسكري أجبرت المعارضين على التفرق في أماكن مختلفة بالمنطقة.
كانت قوى وتيارات وأحزاب سياسية قد دعت لخروج هذه التظاهرات، وتضم تلك القوى حركة 6 إبريل وتحالف القوى الثورية والاشتراكيون الثوريون واتحاد شباب الثورة وشباب حزب المصريين الأحرار والحزب الشيوعي وحزب التحالف الشعبي.
وفي السويس بدأ حوالي 1200 عامل في ميناء العين السخنة – بمدينة السويس – إضرابًا مفتوحًا عن العمل منذ مساء الخميس ولمدة ثلاثة أيام، وذلك احتجاجا على عدم تنفيذ مطالبهم من قبل شركة موانئ دبي العالمية التي تدير الميناء، وكان العمال قد قاموا بتحرك مماثل منذ عدة أشهر للضغط على شركة دبي لتلبية مطالبهم.
وفي الجامعات المصرية كان طلاب من ست وثلاثين جامعة عامة وخاصة قد أعلنوا مشاركتهم في الإضراب عن الدراسة يوم السبت من بينها جامعات القاهرة وعين شمس والأسكندرية والمنصورة والجامعة الأمريكية والألمانية والفرنسية.
ويطالب المنظمون لهذا الإضراب العام بسحب الثقة من حكومة كمال الجنزوري وتشكيل حكومة إنقاذ ووفاق وطني تقوم بهيكلة وزارة الداخلية، و"تطهير" مبنى الإذاعة والتليفزيون المعروف باسم ماسبيرو، وإقالة النائب العام، واستقلال القضاء، واستعادة الأموال التي يقولون إنها سُرقت في عهد الرئيس السابق بالإضافة إلى وضع حد أقصى وأدنى للأجور بشكل فوري.
في الوقت نفسه، دعت أحزاب "الحرية والعدالة"، الذارع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، و"الوفد" و"النور" السلفي إلى رفض هذا الإضراب العام معتبرين أنه "يهدم البلاد ويضر الاقتصاد المصري"، ورفض كل من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ومفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة الدعوات للإضراب، فيما قال البابا شنودة الثالث بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية خلال عظته الأسبوعية يوم الأربعاء الماضي: "العصيان المدني لا يقبله الدين ولا تقبله الدولة".