فى الحادى عشر من هذات الشهر «يناير» يحتفل العلم والعالم بالذكرى التسعين لاكتشاف الإنسولين. الكشف المبهر الذى سجل انتصارا للحياة على أحد أسباب الموت الذى يهدد أمل الأطفال المصابين بداء السكر من النوع الأول فلا يترك لهم من العمر إلا أقل من سنتين، وعلى مضاعفات لمرضى النوع الثانى يأتى العمى على رأس قائمتها التى تشمل الفشل الكلوى وأمراض القلب والشرايين وتأثر الدورة الدموية الطرفية الأمر الذى يهدد ببتر الأطراف. بفضل اكتشاف الإنسولين تساوى الأطفال المرضى بأقرانهم وكان لهم أن يأملوا فى حياة صحية طبيعية وكان لمرضى النوع الثانى من السكر أن يتفادوا المضاعفات ويأملوا فى أيام ملؤها الصحة. اكتشاف كنه هورمون الإنسولين منذ تسعىن عاما جاء طفرة للعلوم استحق عنها مكتشفوه أربعة جوائز لنوبل متعاقبة فما القصة وراء الإنسولين؟
● للأنسولين حكاية
تبدأ قصة الإنسولين بملاحظة ذكية لطالب ألمانى يدرس الطب فى جامعة برلين العريقة عام 1869 تحت الميكرسكوب اكتشف أن خلايا البنكرياس بعضها يختلف عن النوع السائد وكان أن سمى تلك الخلايا باسمه وأشار إلى أنه ربما كان لها دور فى إفراز إنزيمات الهضم. دراسات أكثر تعمقا فى أنحاء كثيرة من العالم قادت إلى معرفة دور تلك الخلايا أو جزر لانجرهانز islets of Langerhans والتى بدورها تنقسم إلى خلايا بيتا المفرزة للإنسولين وخلايا ألفا المفرزة لهرمون الجلوكاجون.
تأكدت العلاقة بين غياب تلك الخلايا والإصابة بمرض السكر عام 1889 حينما أكد أوسكار مينكويسكى البولندى أن «تلف خلايا لانجرهانز يتسبب فى ظهور أعراض ومضاعفات السكر». فبدأت ملامح مرض السكر فى التشكل لكن الحرب العالمية دقت أبواب الخراب فتوقفت معالم البحث العلمى ومعها تجمدت الجهود التى بذلها العلماء.
وضعت الحرب أوزارها واستؤنفت الحياة الطبيعية لتعود المعامل للعمل ويعلن نيكولاى بوليسكى لأول مرة فى تاريخ العلوم عن عزل هورمون الإنسولين فى بوخارست رومانيا عام 1901 وأطلق عليه تسمية بانكرين نسبة للبنكرياس.
توج تلك الجهود العالم الكندى فريدريك بانتنج باكتشافه هورمون الإنسولين وعزله بل واستخلاصه من بنكرياس الأبقار وحقنه فى محاولة لعلاج شاب فى الرابعة عشرة من عمره شارف الموت فى مستشفى تورونتو الجامعى ونجحت تجربته التى امتد عمر الشاب بعدها ثلاثة عشر عاما تالية.
وصف الطبيب الكندى تركيبة الإنسولين الكيميائية وأثره المباشر فى خفض نسبة سكر الجلوكوز فى البول بعد أن عمل لفترة طويلة على الكلاب التى كان يدمر خلايا البنكرياس فيها دون المساس بخلايا لانجرهانز حتى يتيح لها أن تعمل بمفردها ليسجل ملاحظاته عن طبيعة عملها وأثرها.
ظل العلم والعلماء يتابعون اهتمامهم بالإنسولين ففاز البريطانى فريدريك سانجر عام 1958 بنوبل فى الكيمياء إثر وصفه لتركيب بروتين هورمون الإنسولين. وتبعته دورتى هودجكن وروزالين بالو عامى 1964 و1977 لاكتشافات أخرى تضيف معلومات هامة عن طبيعة الهورمون الأمر الذى يتيح تصنيعه بصورة أكثر دقة وفاعلية.
● كيف يعمل الإنسولين؟
تفرز خلايا البيتا من خلايا جزر لانجرهانز الإنسولين فى استجابة توافقيه منها لمستوى السكر فى الدم. إذا تناولت طعاما فإنه يتم هضمه فى المعدة والأمعاء بمعنى أن الطعام تتكسر مكوناته بوسائل الهضم المختلفة ليعود إلى مكوناته الأولية. تتكسر الكربوهيدرات إلى عنصرها الأبسط سكر الجلوكوز الذى يدور فى الدم ويمتص فى أماكن الاحتياج له فى كل أعضاء الجسم، خلاياه وأنسجته.
الجلوكوز هو وحدة الطاقة اللازمة لكل العمليات الحيوية التى يقوم بها الجسم وتحفظ على الإنسان صحته وسلامة بدنه. الطاقة لازمة سواء كانت للبناء أو الهدم فالتوازن بينهما فى عمليات التمثيل الغذائى هو المؤشر الحقيقى الصادق لمنحنى صحة الإنسان.
الإنسولين هو المفتاح الذى يستخدمه الجلوكوزر لدخول الخلايا سواء لأداء مهمة عاجلة أو للبقاء فيها كرصيد يتم سحبه وقت الحاجة لذا فارتفاع منسوب الجلوكوز فى الدم يقابله ارتفاع فى إنتاج الإنسولين والعكس صحيح.
انحسار نسبة الجلوكوز فى الدم يقابلها انخفاض فى نسبة إفراز الإنسولين. لا يقف الأمر عند هذا الحد إنما تبدأ خلايا ألفا فى إفراز هورمون جلوكاجون الذى يعمل على رفع نسبة السكر فى حالة انخفاضها بنسبة كبيرة الأمر الذى يقى الإنسان من أخطار انخفاض السكر إلى درجة قد تعرضه للخطر.
رغم أن الحفاظ على مستويات الطاقة اللازمة للعمليات الحيوية المختلفة فى الجسم تعد أهم ما يدعم الإنسولين من وظائف إلا أنه فى الواقع يسهم بقدر كبير فى عمليات أخرى عظيمة الأهمية لحياة الإنسان منها:
يحفز الإنسولين هجرة الجلوكوز للكبد حيث يختزن فيه رصيدا سهلا استخدامه فى حالة الحاجة إليه يتحول الجلوكوز لجليكوجين يمكن تحوله مرة أخرى لسكر جلوكز حاضر دائما.
للإنسولين خاصية تسهيل دخول السكر للخلايا الأمر الذى معه تنخفض نسبته فى الدم وللخلايا خواص تزيد من حساسيتها للإنسولين الأمر الذى يسهل مهمته. الإنسولين يسهم إلى حد كبير فى تنظيم ودعم عمليات التمثيل الغذائى ليس فيما يتعلق بأمر السكريات وحدها حيث يتحكم فى استهلاك السكر فى العضلات وخلايا الأنسجة الدهنية بل يدعم إنتاج البروتينات فى الخلايا ومنها ما يستخدم لإنتاج جميع الإنزيمات التى لا غنى عنها لكل العمليات الحيوية بلا استثناء .
هورمون الإنسولين يحفز عمليات استقرار الخلايا الدهنية السابحة فى الدم فى الأنسجة الدهنية الأمر الذى يزيد معه كم الدهون الثلاثية وإنتاجها.
يسهم الإنسولين فى دعم عمليات إنتاج البروتينات داخل الخلايا.
للإنسولين تأثيرات عديدة مختلفة منها دعم تدفق الدم فى الشرايين وتنظيم نسب ومعدلات البوتاسيوم فى الدم وله آثار عدة تنحسر مع انحسار نسبته عند الإصابة بمرض السكر فتقترن بمضاعفات أمراض الشرايين والسمنة وغيرها.
● متى يجب اللجوء للإنسولين؟
الإنسولين أنواع تختلف باختلاف تحضيره ومفعوله الذى يتراوح بين السريع والبطىء. لكن فى النهاية قرار البدء فى العلاج بالإنسولين يحتاج لرؤية واضحة لحالة المريض عامة وإذا كان يستخدم بصورة تعويضية أو علاجية كما يلى:
فشل البنكرياس تماما فى إفراز الإنسولين غالبا ما يكون فى النوع الأول الذى يظهر مبكرا فى حياة الإنسان وفيه يستخدم الإنسولين متى امتد العمر بالمرضى وله نتائج مرضية تماما إذا ما تفهم المريض حالته وكان طبيب نفسه.
فى حالات المضاعفات الحادة التى قد تواجه مريض السكر كالغيبوبة أيا كان سببها ومنها الغيبوبة التى تصاحب تكون الأجسام الكيتونية أو ارتفاع السكر إلى نسب خطيرة.
أثناء الحمل.. فتناول الأقراص بلا استثناء له خطورة على الحامل وجنينها.
أثناء فترات المرض الحادة كجلطة الشريان التاجى أو المخ أو العمليات الجراحية.
مع مضعفات السكر الخطيرة كأثره على العين أو الكلى.
عند تأثر الكبد أو تليفه فالأقراص تؤدى لتفاقم الحالة فى تلك الظروف.
● اسأل طبيبك قبل أن تبدأ العلاج بالإنسولين
العلاج بالإنسولين له قوانينه وليس صحيحا أن من يبدأ العلاج بالإنسولين يجب أن يستمر عليه طيلة حياته إنما كل حالة لها ملابساتها الخاصة.
الفهم لطبيعة عمل الإنسولين هو حجر الزاوية فى العلاج به لذا يجب أن تسأل طبيبك عن كل ما يخطر ببالك قبل البدء فى تناول الإنسولين.
لماذا يجب أن أعالج بحقن الإنسولين بدلا من الأقراص؟
لماذا اخترت لى هذا النوع تحديدا من أنواع الإنسولين؟
أعد شرح طريقة تحديد جرعة الإنسولين مرة أخرى من فضلك.
هل أتناول الإنسولين قبل أم بعد الطعام؟
هل إذا تناولت وجبة خفيفة «ثمرة فاكهة مثلا» تعد وجبة بالنسبة للإنسولين؟
هل هناك مضاعفات محتملة للحقن بالإنسولين؟
إذا حدثت تلك المضاعفات كيف يمكننى التصرف؟
كيف يمكننى أن أتفادى حدوث المضاعفات؟
هل لأى مرض آخر أثر على العلاج بالإنسولين؟
إذا قررت السفر فهل من استعدادات خاصة تنصح بها؟
كيف أتأكد من ثبات نسبة السكر فى الدم مع اختلاف جرعات الإنسولين وفقا لحالتى؟
سلاح ذو حدين
الإنسولين سلاح ذو حدين هو بلا شك العلاج الأمثل عند فشل البنكرياس فى أداء وظيفته لذا يجب أن يبدأ العلاج به دون تردد حينما يقودنا مؤشر السكر فى الدم إليه.. تبقى الجرعة الدقيقة التى تؤدى لثبات نسبة الجلوكوز فى الدم بلا زيادة أو نقصان هى العامل الأهم الذى يجب الانتباه إليه بانتظام لتأتى بعدها طريقة الحفاظ عليه من التلف ومراعاة أن يتم تناوله دائما مع الطعام.