موعد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالشرقية    مصر تنفذ 21 صفقة ضمن برنامج الطروحات الحكومية بقيمة 6 مليارات دولار    كيف سافر أحمد الشرع إلى فرنسا في ظل المنع من السفر؟.. التفاصيل الكاملة    وزير الخارجية الألماني الجديد: على كل من في موسكو أن يعمل حسابا لنا    تشكيل أرسنال الرسمي أمام باريس سان جيرمان في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    غموض موقف مدافع مانشستر يونايتد من لقاء بلباو    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يسدل الستار عن دورته التاسعة بإعلان الجوائز    الشباب يرفعون شعار:«ابعد عن المأذون ومنديله»    الفوضى تسبب لهم التوتر| 4 أبراج فلكية لديها شغف بالنظافة والترتيب    نائب وزير الصحة يترأس اجتماع الأمانة الفنية للمجموعة الوزارية للتنمية البشرية    محافظ أسوان: بدأ تشغيل «التأمين الصحي الشامل» من أول يوليو القادم    تجديد حبس موظف متهم ب«تهكير» حسابات بعض الأشخاص وتهديدهم في الفيوم 15 يوما    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    هزيمة النازية ... وجريمة إسرائيل!!    محمد شردى يجرى جولة بكاميرا "الحياة اليوم" مع عمال النظافة بالقاهرة    انطلاق ملتقى "الثقافة والهوية الوطنية" في العريش    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    حمدي فتحي ينهي موسمه مع الوكرة بالخروج من كأس أمير قطر    الإسماعيلية تتابع الموقف التنفيذي لمنظومة تقنين واسترداد أراضي الدولة    أوس أوس يطلب الدعاء لوالدته بعد دخولها رعاية القلب    آخرهم رنا رئيس.. 6 زيجات في الوسط الفني خلال 4 أشهر من 2025    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    بسبب السحر.. شاب يحاول قتل شقيقته بالقليوبية    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    عضو ب"القومى للمرأة": حظر تشغيل كل من كان عمره أقل من 15 سنة فى المنازل    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    تحت تأثير المخدر.. المشدد 5 سنوات لمتهم قتل وأصاب 3 أشخاص في القليوبية    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    رئيس جامعة القاهرة: هناك ضرورة لصياغة رؤية جديدة لمستقبل مهنة الصيدلي    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    أحمد حاتم عن دوره في "الملحد": "عامله لوجه الله.. والدور مش عن الإلحاد بشكل عام"    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    قرار هام من الحكومة بشأن الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    عاجل- الحكومة: توريد 1.4 مليون طن قمح حتى الآن.. وصرف 3 مليارات بمحصول القطن    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حازم الببلاوى يحكى قصة: أربعة شهور فى قفص الحكومة (4 - 4)
الدولة بدت غير موجودة أو ضائعة تمامًا فى أحداث ماسبيرو
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 01 - 2012

يحكى نائب رئيس الوزراء ووزير المالية السابق د. حازم الببلاوى فى هذه الحلقة فصلا من تجربته القصيرة فى حكومة شرف الثانية موضحا الصعوبات التى واجهتها فى وضع سياساتها المالية فى ظل الاعتبارات العاجلة والملحة التى تمليها الظروف الاقتصادية الاستثنائية، خاصة فيما يتعلق بالمطالبات بزيادة الضرائب لتوفير إيرادات للدولة من جهة وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة أخرى. كما يحكى الببلاوى عن أحداث ماسبيرو وكيفية استجابة الحكومة لها، واستقالته التى رفضها المجلس العسكرى وأثارت ضده حفيظة بعض الوزراء.

لم تكن أفكارى عن السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة محل تأييد كامل من جميع الزملاء، وقد عارض البعض (قلة) هذه الاتجاهات داخل المجلس، وأحيانا فى اجتماعات عامة تناولتها الصحف. وكانت نقطة البداية، فى نظرى كما سبق أن أشرت، هى أن هذه الحكومة ليست حكومة دائمة، وإنما هى جاءت فى ظروف استثنائية بعد قيام ثورة شعبية، وعليها أن تمهد الطريق لنظام دائم يختاره الشعب. كذلك فإن هذه الظروف الاستثنائية والمؤقتة تنطوى على مخاطر عاجلة ينبغى مواجهتها، وبسرعة؛ حتى لا تتفاقم وتؤثر على مستقبل الاستقرار الاقتصادى والمالى للبلاد. فالبلد أمامه مستقبل كبير وإمكانات هائلة، ولكن هنك حرائق ينبغى العمل على إطفائها أولا، قبل أن نتفرغ لإعادة بناء المستقبل.


معضلة النفقات والإيرادات

كانت أهم الانتقادات التى وجهت إلى معظم الإجراءات الاقتصادية التى عرضتها للمناقشة فى المجلس، تستند إلى أن معظم الإجراءات تتعلق غالبا بجانبى الإنفاق الحكومى وكيفية ترشيده والحد منه أحيانا، فى حين أن جانب الإيرادات خاصة من الموارد المحلية لم يلقَ العناية الكافية، وبوجه خاص، فقد تكرر التساؤل: لماذا لا نرفع الضرائب ونعمد إلى الأخذ، بشكل أكثر جرأة، بمجموعة أكبر من الضرائب التصاعدية، مع زيادة الرسوم الجمركية على الواردات؟ وقد أكد هذه المعانى، أحد وزراء المجموعة الاقتصادية فى اجتماع عام مفتوح عقد فى مقر وزارة المالية فى 25 أكتوبر 2011م، خلال مؤتمر تم إعداده بالتعاون مع صندوق النقد الدولى لتقديم تقرير الصندوق عن «الأوضاع الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط».

وفى ضوء ما قدم من انتقادات، بدأت بالرد بأننى أقدر كل ما أثير، وأنه لا شك فى أن أى سياسة متوازنة عليها فى سبيل ضبط العجز التعرض لجانبى الإنفاق والإيرادات على السواء، وأن التركيز على أحد الجانبين دون الآخر هو إخفاق لفاعلية السياسة المالية. ومع ذلك، فإنه فى الظروف الحالية، ونظرا إلى أهمية عنصر الاستعجال، فإن التغيير فى جانب الإيرادات المحلية يحتاج بطبيعته إلى فترة قبل أن يحقق نتائج ملموسة، فى حين أن التعامل مع الإنفاق يمكن أن يحقق نتائج سريعة ومباشرة. فتغيير نظم الضرائب يتطلب وقتا لتعديل القوانين ثم بداية تنفيذها وتحصيل الإيرادات المتوقعة منها. وهى أمور لا يمكن أن تؤتى ثمارها قبل فترة، ونحن الآن فى حالة أزمة قائمة، وتتطلب توفير موارد مالية حالة وسريعة. أما ضبط الإنفاق فيمكن أن يحقق نتائج مباشرة فى ضبط العجز فى الحال. وهذه هى مشكلتنا الحالية. فزيادة معدلات الضرائب، لن تحقق أى آثار على الموازنة قبل سنة أو سنة ونصف السنة، ونحن نواجه أزمة محتملة خلال أشهر.

كذلك فإن نظام الضرائب هو أحد أهم معالم النظام الاقتصادى القائم، وليس من المصلحة تغييره فى عجلة دون دراسة متأنية تراعى فيها الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية كافة؛ الأمر الذى يحتاج إلى وقت. فالضرائب أخطر من أن تعالج بسرعة أو بخفة. كذلك فإن التعامل مع الضرائب ليس مجرد التعامل مع مصدر للإيرادات، بل إنه مؤشر على اتجاهات السياسة الاقتصادية، ويمكن أن يعطى الرسائل والإشارات الخاطئة عن مستقبل السياسة الاقتصادية للبلاد. فالضرائب أيضا تعطى مؤشرا عن سياسات البلاد تجاه الاستثمار الخاص. ومصر، هى الآن فى أحوج الحاجة، إلى إعطاء المؤشرات السليمة عن تعاملها مع الاستثمار فى المستقبل.

وفى حالة مصر، فإن الأمر أكثر حساسية، كما سبق أن أشرت، فالحاجة إلى توفير ضمانات للقطاع الخاص هى أمر مطلوب لمستقبل الاستثمار فى الفترة القصيرة. فمعدل المدخرات المحلية ما زال ضعيفا فى مصر، ولا يكفى لتمويل تنمية اقتصادية مستمرة، ومن هنا فإن مصر، مثل معظم الدول النامية المماثلة، فى حاجة إلى جذب استثمارات أجنبية لتعويض النقص فى المدخرات المحلية. كذلك فإن جذب هذه الاستثمارات الأجنبية رهن بكيفية معاملة الاستثمارات المحلية. وبالعكس فإن انصراف الاستثمارات الأجنبية يشجع العديد من المستثمرين المحليين على تهريب أموالهم للخارج. وهكذا.. فهناك علاقة تبادلية بين توفير جو مناسب للاستثمارات المحلية، والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، ونحن نحتاج إلى الاثنين.

وأخيرا، فقد أثبتت التجربة، فى كثير من الدول، ومنها مصر أيضا، أن رفع معدلات الضريبة ليس سببا فى زيادة حصيلة الضرائب، بل قد يكون سببا فى نقصها، ليس فقط بسبب ضعف الحافز على الاستثمار مع ارتفاع الأعباء الضريبية، وإنما أيضا بسبب تزايد الهروب الضريبى. فمع ارتفاع أسعار الضرائب يزيد الإغراء على التهرب من الضرائب وزيادة نسبة الفساد. ولذلك فإن كثيرا من الدول، من بينها مصر، زادت فيها حصيلة الضرائب مع إنقاص معدلات الضرائب.


الضرائب التصاعدية

أما فيما يتعلق بالضرائب التصاعدية، فإننى أعتقد شخصيّا فى سلامتها من حيث المبدأ، وبشرط أن تطبق فى المجال الطبيعى لها، وهو الضرائب على الدخول الفردية. ولذلك عندما جاءنى وفد من بعض المستثمرين، يطالب برفع سعر الضريبة على الشركات فى الشرائح العليا من 25٪ إلى 30٪، أبديت اهتمامى الكبير بهذا الموضوع، لكنى كنت أعتقد أن المجال الطبيعى للضرائب التصاعدية هو مجال الضريبة العامة على الدخول، وليس فى ضرائب الشركات. فإذا كان الغرض من هذه الضريبة هو تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن الضرائب التصاعدية على الشركات قد تتنافى مع العدالة الاجتماعية. فقد تحقق شركة أرباحا أكثر بكثير من شركة أخرى، وبذلك تصبح معرضة للخضوع لشريحة ضريبية أعلى من الشركة الثانية. ولكن العدالة قد لا تتحقق فى هذه الحالة.

فالشركة عالية الأرباح قد يساهم فيها عشرات الألوف، فى حين أن الشركة الثانية قد يساهم فيها أربعة أو خمسة مساهمين فقط، كذلك فإن الشركة الأولى قد تكون قد بدأت برأسمال كبير، وبالتالى فإن العائد على رأس المال يكون منخفضا، فى حين أن الشركة الثانية قد يكون رأسمالها منخفضا، وهى بذلك تحقق عائدا مرتفعا على رأسمالها. كذلك يسهل التهرب من الضرائب التصاعدية فى حالة الشركات والأشخاص الاعتبارية حيث يكفى، بعد أن تصل أرباحها إلى رقم معين يخضعها للشرائح الأعلى، لكى تنقسم هذه الشركة إلى عدة شركات تابعة؛ واحدة للإنتاج؛ وأخرى للتوزيع، وهكذا حتى تتجنب الشرائح العليا الضريبة.

ولكل ذلك فقد رأيت أن المجال الطبيعى للضريبة التصاعدية هو الضريبة العامة للدخل للأشخاص الطبيعيين، وطلبت من مصلحة الضرائب إعادة النظر فى قانون الضرائب للنظر فى مدى إمكانية العودة إلى الضريبة العامة للإيراد العام دون أن نتعرض لمشكلة دستورية؛ حيث صدر حكم من القضاء بأن الضريبة العامة للإيراد والتى كانت مفروضة بقانون صدر فى عام 1949م غير دستورية؛ لأنها تتضمن نوعا من ازدواج الضريبة على الوعاء نفسه، مرة باعتبارها ضريبة نوعية (أرباحا تجارية، أو كسب عمل.. إلخ) ومرة باعتبارها ضريبة عامة على الإيراد. وكان الأمر ما زال قيد الدراسة. فقضايا الضرائب لا تعامل بسرعة أو خفة.

ومع ذلك فقد تضمن برنامج وزارة المالية للإصلاح المالى زيادة الضرائب على السجائر والدخان. والطريف أن الزميل الوزير المعارض، رأى زيادة هذه الضريبة على السجائر تنطوى على إضرار بالفقراء لأنهم أكثر المستهلكين لهذه السلع، على الرغم من أن هذا الاستهلاك يضر بصحتهم، وبالتالى بمستوى الرفاهية العامة. فنحن بذلك بغرض استمالة الجماهير نساعدهم على الاستمرار فى عادات تضر بصحتهم وحياتهم، وبالتالى بالرفاه العام فى المجتمع.

وبرغم كل ما تقدم، فإن وزارة المالية قد أعطت موضوع الضرائب أهمية، فقد أعادت الوزارة النظر فى قانون الضريبة العقارية، كما بدأت فى دراسة الضريبة التصاعدية على الدخل العام، كذلك فإن الوزارة تعتقد أن مجالات التحصيل ومحاربة التهرب الضريبى قد تكون أكثر فاعلية فى زيادة حصيلة الإيرادات من مجرد زيادة معدلات الضرائب والرسوم. وليس هناك أسهل من الكلام المرسل، خاصة إذا تغلف بشعار العدالة الاجتماعية.


أحداث ما سبيرو

حرصت فى تسجيل تجربتى حتى الآن هنا على الجوانب الاقتصادية والمالية والتى أعتقد أنها المسئولية الأساسية التى عهدت إلىّ عند دخولى الوزارة. ولكن الحقيقة أن الاقتصاد لم يكن هو كل شىء. فالمرحلة كانت تموج بالأحداث السياسية لشعب انتفض بعد سبات طويل للمطالبة بحقوقه وحرياته. ولكل ذلك سوف يكون من الإجحاف أن تقتصر هذه الصفحات على استعراض القضايا الاقتصادية والمالية وحدها. ولا شك أن أحداث ماسبيرو كانت من أهم المعالم التى ميزت هذه الفترة.

كان يوم الأحد 9 أكتوبر يوما عاديّا، وكانت بعثة صندوق النقد الدولى قد وصلت إلى مصر فى الأسبوع الأسبق لإجراء مشاورات عادية، وقد عقدت اجتماعا فى صباح ذلك اليوم مع عدد من معاونى الوزير السادة: ممتاز السعيد، وهانى قدرى، وعاطف ملش، ومحمود حسين، وسامى خلاف، وكان الغرض من هذا الاجتماع تحديد مواقفنا إزاء الصندوق، وإعداد البيانات المطلوبة للبعثة. وبعد ذلك كان هناك اجتماع تمهيدى فى مجلس الوزراء للنظر فى توفير مناخ الاستقرار للمرحلة المقبلة تمهيدا للانتخابات، ويعقبه اجتماع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمناقشة الموضوع نفسه، ومراجعة إجراءات الإعداد للانتخابات المقبلة.

وكان المعروف أن هناك مسيرة من الشباب المسيحى الذين سوف يتوجهون إلى ميدان ماسبيرو؛ للتعبير عن شكواهم لما تتعرض له بعض الكنائس من اعتداءات، وغيرها من مظاهر الفتنة الطائفية.

ومرت كل هذه الاجتماعات فى سهولة ويسر، ولم يكن هناك شىء يثير الاهتمام بصفة خاصة. ومع عودتى إلى المنزل ومشاهدتى أخبار التليفزيون شعرت بصدمة مما رأيته. صورة جندى يصرخ بأن قبطيّا أصاب زميله، ومذيعة التليفزيون فى حالة هستيرية تطالب بالدفاع عن جنود الجيش، ومذيع آخر فى هلع لدخول أحد المسلحين إلى الاستوديو. وهكذا كان هناك هياج كامل فى الشارع، وفوضى فى الإعلام، والدولة تبدو غير موجودة أو ضائعة تماما.

وفى اليوم التالى الاثنين 10 أكتوبر، وبعد أن اتضح حجم المأساة وعدد الضحايا والمصابين، عقد اجتماع لمجلس الوزراء لمناقشة هذا الموضوع. وتوافد الوزراء على الحضور قبل الاجتماع والذى كان مقررا له الانعقاد فى الساعة الحادية عشرة، وكان الوجوم ظاهرا على الوجوه، والإحساس بالألم غالبا على الجميع، والتساؤل الدائم عند التقاء أى اثنين من الوزراء: «إلى أين نحن ذاهبون؟!».

بدأ الاجتماع والجميع فى حالة أقرب إلى الذهول. وافتتح رئيس الوزراء الحديث بالإشارة إلى أحداث الأمس، وكيف أن الوضع خطير، ولابد للمجلس أن يتخذ موقفا، وفتح باب المناقشة. فارتفعت الأيادى لطلب الكلمة. وكان المتحدث الأول، على ما أذكر، هو وزير الصحة الدكتور عمرو حلمى، والذى قال إن الموقف بالغ الخطورة، وإنه من الطبيعى أن تستقيل الحكومة فى مثل هذه الظروف، ثم أعطيت الكلمة لى، فقلت إنى أؤيد تماما ما ذهب إليه وزير الصحة، وإنه ليس أمام الوزارة سوى الاستقالة ليس، بالضرورة لخطأ ارتكبته، وإنما اعترافا بالمسئولية واعتذارا للشعب. فالمسئولية الأولى لأى حكومة هى توفير الأمن للمواطنين. فإذا لم يتحقق هذا الأمن، فإن مسئولية الحكومة تقوم، ولابد لها من الاستقالة. وفى هذه اللحظة، رفع أكثر من سبعة أو ثمانية أعضاء من المجلس أيديهم بالموافقة على الاستقالة، بينهم رئيس الوزراء نفسه.

وهنا ارتفع رأى آخر، يرى أنه مع الألم الشديد الذى أحدثته وقائع الأمس، فإن الاستقالة فى هذه المرحلة الدقيقة، قد لا تكون الحل الأمثل؛ فنحن نعد لانتخابات مقبلة ومهمة، وبالتالى فإن المسئولية تتطلب عدم ترك السفينة فى هذه اللحظة الحاسمة. وبدأت الأيادى المؤيدة للاستقالة تتراجع، واتجه المجلس بشكل تدريجى إلى التأكيد على أهمية وخطورة المرحلة التى نمر بها، وأن الوقت هو وقت تحمل المسئولية. وبرغم عدم أخذ تصويت على الموضوع، فقد بدا أن الاتجاه الغالب يميل إلى وجهة النظر الأخيرة وعدم تقديم الاستقالة.

فقلت إنى أبديت رأيى، والمجلس صاحب الحق فى اتخاذ ما يراه لنفسه. وانفض الاجتماع. وعدت إلى منزلى وأنا فى حالة نفسية سيئة للغاية، وأشعر أننى غير قادر على الاستمرار فى ظل هذه الأوضاع الجديدة. فقد عجزت الحكومة عن توفير الهدف الأول لأى مجتمع منظم، وهو توفير الأمن للمواطن. وكان لابد من اتخاذ قرار حاسم. إن ما حدث لهو أمر جسيم، ولا يمكن أن يمر مرور الكرام، لابد أن يكون له ثمن، وأن الحكومة مدينة للشعب بالاعتذار.

وفى اليوم التالى، ذهبت مبكرا إلى مكتبى فى الوزارة، وسحبت ورقة وكتبت عليها استقالتى، وطلبت من مديرة مكتبى أن تطبع بنفسها هذه الاستقالة على الآلة الكاتبة، وألا تطلع عليها أحد، مع وضعها فى ظرف مغلق. وبعد ذلك استدعيت عددا من معاونىّ فى الوزارة: نائب الوزير وعدد من مستشارى الوزير، وأبلغتهم بنيتى فى الاستقالة للأسباب المقدمة. فكان أن اعترض الغالبية من الحاضرين، فى حين وافق عدد قليل منهم على أن هذا هو ربما التصرف الأكثر مسئولية. وطلبت بعد ذلك من مديرة مكتبى أن ترسل الخطاب مغلقا، وتطلب تسليمه إلى الدكتور سامى سعد زغلول أمين عام مجلس الوزراء فى يده. وتركت الوزارة وعدت إلى المنزل، وطلبت انصراف السائق والسيارة.

وبعد ذلك بقليل، يبدو أن الأمر بدأ يتسرب، فتلقيتُ عددا من الاتصالات من وكالات الأنباء والصحف العالمية، هل صحيح أن وزير المالية قد استقال، وهل هذه الاستقالة ترجع إلى خطورة الوضع الاقتصادى؟ فأكدت أن الاستقالة ليست لأسباب اقتصادية على الإطلاق، وإنما هى موقف سياسى للاعتذار للشعب عن عدم توفير حد الأمان له. وأدركت أن التليفونات لن تتوقف، فقمت بإغلاق تليفوناتى المحمولة، وشعرت براحة كبيرة، وأننى استعدت حريتى.

وبعد الظهيرة، حوالى الساعة الثانية، تلقت زوجتى مكالمة على تليفونها المحمول من مديرة مكتبى فى الوزارة، تخبرها بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يبحث عن أرقام تليفوناتى. وأنهم بصدد إرسال أحد لمنزلى، وأنه من المصلحة فتح التليفون المحمول. وبعد فتح التليفون تلقيت اتصالا من الوزيرة فايزة أبوالنجا، التى أشارت إلى أن المشير اتصل بها وهو غاضب، وأبدت نفسها نوعا من العتاب على الاستقالة، بعد أن تم التوافق فى مجلس الوزراء على أهمية استمرار الحكومة. وبعدها بدقائق اتصل بى المشير طنطاوى مبديا اعتراضه الشديد، وأن الوقت غير مناسب، والدولة فى حاجة إلى خدماتى. وأبديت له المبررات نفسها، فطلب منى، إذا كان من الممكن الحضور لمقابلته فى وزارة الدفاع، فقلت له: بالطبع ممكن.

وبدأت فى ارتداء ملابسى استعدادا للذهاب لمقابلة المشير، وأنا أدرك أن اللحظات المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلىّ.


المشير رفض الاستقالة

أخذت سيارتى الخاصة وقدتها إلى مقر وزارة الدفاع، حيث وجدت فى انتظارى كل من المشير طنطاوى والفريق عنان، وجلسنا فى أحد صالونات الوزارة. وكما توقعت، بدأ المشير بالتأكيد على أنه صدم من تقديم استقالتى؛ فليس هذا وقت الاستقالات. فالوضع الاقتصادى حرج والبلد فى حاجة إلى خدمات أبنائه، وأننى مثل الجندى فى المعركة لا يجوز له أن يتراجع؛ ولذلك فإنه يطلب منى سحب هذه الاستقالة. وأجبته بأننى لن أسحب استقالتى، وأن هذه الاستقالة لا شأن لها بالأوضاع الاقتصادية للبلد، وإنما هى تتعلق بموقف وضع الحكومة فى مأزق أمام الشارع. فنحن فى وضع اقتصادى دقيق، والمطلوب هو أن يتحمل الناس بعض أشكال التضحيات، ولا يمكن أن يقبل الناس تلك التضحيات إذا لم تكن الحكومة محل ثقة واحترام. وعندما ينفلت الأمن ويموت الناس وأيّا كانت الأسباب فإن الحكومة تكون قد قصرت فى مسئوليتها الأساسية فى توفير الأمن لأبنائها، وعليها أن تقدم استقالتها.

وهنا طلب منى المشير سحب الاستقالة. فقلت له: إن هذا غير وارد، وإننى لن أسحب الاستقالة، فقال المشير: إن الاستقالة مرفوضة. فقلت له: هذا حقك. واستمر الحوار لفترة قصيرة. ولا أخفى أننى شعرت بضغط شديد، وأننى فى شبه أزمة، فعلى الرغم من أننى أريد أن أتخذ موقفا سياسيّا، فإننى أيضا وعلى وجه اليقين، لا أريد أن تترتب على ذلك تأثيرات سلبية على الاقتصاد، خاصة وقد كنا بصدد الدخول على بعض التفاهمات مع بعض المؤسسات المالية الدولية، (صندوق النقد الدولى). فقلت لهما: إننى سوف أفكر، فأصر المشير والفريق على ضرورة عودتى للعمل، وأن استقالتى مرفوضة. وذكرت لهما أننى فى حيرة شديدة. وبطبيعة الأحوال، فقد دارت فى نفسى أحاسيس متناقضة ومتعارضة. فمن ناحية، هناك ضرورة الإصرار على موقفى، ومن ناحية أخرى، فإنه ينبغى ألَّا تأخذ الكبرياء الشخصية حد الإضرار بمصلحة الدولة. فهناك من ناحية، أن الموقف السياسى قد تحقق بالفعل ووصلت الرسالة إلى الشارع، وبالتالى فلا داعى للمبالغة، ولكن هناك من ناحية أخرى، ضرورة التمسك بموقفى وعدم الإذعان للضغوط النفسية. وأخيرا قلت لهما: إننى لن أسحب الاستقالة، وإذا تم الإصرار على رفضها، فإننى بوصفى مسئولا سوف أقوم بواجبى إلى أن يتم قبولها. وهنا قال الاثنان: استقالتك مرفوضة.

وفى هذه الأثناء، اتصلت بى السيدة منى الشاذلى طالبة إجراء لقاء تليفزيونى فى الليلة نفسها على قناة دريم، فوافقت فى الحال، ثم اتصلت بى السيدة ريم ماجد من قناة أون تى للغرض نفسه، فذكرت لها أننى قبلت قبل دقائق عرضا من منى. وكان لقاءى مع قناة دريم صادقا فظهرت فيه حيرتى وقلقى، وأن قرار عودتى واستئناف عملى لم يكونا سهلين ولا مريحين. وأثق أن البرنامج صادف قبولا كبيرا من المشاهدين؛ وربما لأنهم أحسوا بصدقى وحيرتى فى الوقت نفسه.


انزعاج فى مجلس الوزراء

استأنفت عملى، وكان أول لقاء لى بعد ذلك مع الوزراء تجربة أخرى، لم أكن قد فكرت فيها مسبقا. ففى يوم الأربعاء 12 أكتوبر، كان هناك اجتماع فى مجلس الوزراء. ودخلت مكتب رئيس الوزراء الذى رحب بى بأدبه المعروف، وإن كان يبدو أن فى الأمر شيئا، وكان معه الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء. وبعد السلام والتحية، وجه لى الدكتور السلمى عتابا؛ لأننى استقلت دون تنسيق مع بقية أعضاء المجلس، وأن هناك اتفاقا بأن يكون تصرف الوزراء جماعيّا، وأننى بذلك سببت حرجا للوزارة والوزراء. فرددت عليه قائلا: إنه ليس صحيحا أنه كان هناك اتفاق على تصرف جماعى، والصحيح أنه عرضت على المجلس عدة آراء، وقد دافعت عن ضرورة استقالة الوزراء، ووافق عدد من الوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء على الاستقالة، ثم عرض رأيا آخر بضرورة الاستمرار وتحمل المسئولية، ومال إلى هذا الرأى الثانى غالبية المجلس. وقد رأيت أنه ما دام أن هذا هو رأى الغالبية، فلابد من احترام هذا الاتجاه ما دام ظللت عضوا فى المجلس. وأما إذا رأيت أن هذا الرأى يتعارض مع ما أعتقد أنه الموقف السليم، فإنه من حقى أن أترك المجلس كلية وأقدم استقالتى.

وانتقلنا بعد ذلك لعقد اجتماع آخر مع بعض من الوزراء، وكان من الطبيعى أن ألتقى فيه عددا آخر من الوزراء، وظهر واضحا أن هناك شيئا غير مريح فى النفس مع بعض العتاب المكتوم إن لم يكن من اللوم الصريح. وبعد أن اكتمل نصاب الاجتماع، وبدأ الحديث، تعددت الإشارات غير المباشرة إلى صعوبة وضع الحكومة بعد الاستقالة، إلى أن طلب أحد الزملاء من الوزراء الحديث بالقول منفعلا وإن كان الحديث تلميحا دون ذكر أسماء : إن ما حدث غير مقبول، وإن به خروجا على إجماع الوزراء، وإنه يطالب مجلس الوزراء باتخاذ إجراء حازم إزاء ما تم، وإلا فإنه سوف يقدم استقالته من الوزارة.

وبعد أن استمعت إلى عدة كلمات، طلبت الكلمة، ووجهت كلمتى إلى المتحدث، قائلا: إننى كنت أحب أن يكون حديثه صريحا، ولا يقتصر على التلميح، وأكدت أننى لست فى وضع لتبرير موقفى لأى من كان، وأننى تصرفت بوحى من ضميرى، وأن التزامى برأى الأغلبية فى المجلس لا يقيدنى إلا فى حالة بقائى ضمن المجموعة. وبطبيعة الأحوال، لم يتخذ المجلس أى إجراء، كما لم يقدم الوزير استقالته!

وعلى الرغم من أن الجو العام للوزراء لم يكن مرحبا بما فعلته، فإن ذلك لم يمنع من بعض الاستثناءات، ومنها على سبيل المثال وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى، الذى استقبلنى بعد ذلك فى أول لقاء بحرارة قائلا: «أنت عملت اللى أنا كنت عاوز أعمله». كذلك فإن الصديق منير فخرى عبدالنور قال ضاحكا: «لقد عريتنا».

الأجزاء السابقة :

كتاب نائب رئيس الوزراء السابق د.حازم الببلاوى .. أربعة شهور فى قفص الحكومة (1 – 4) .. حكاية وزير مالية مصرى فى مهمة إنقاذ عاجلة وقصيرة


د. حازم الببلاوى يحكى قصة: أربعة شهور فى قفص الحكومة (2 – 4) .. كيف أحيينا فكرة الاقتراض من صندوق النقد؟


ملخص مذكرة الببلاوى والعقدة لعصام شرف


د. حازم الببلاوى يحكى قصة أربعة شهور فى قفص الحكومة (3 - 4) دعم الطاقة.. الحكمة مطلوبة .. والإصرار والتصميم أيضًا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.