تراجعت نسبة مشاركة المرأة فى قوة العمل المصرية فى 2008 مقارنة بعام 1990 لتصل إلى نحو 24% من إجمالى قوة العمل، وهو وضع لا يشير فقط للتميز الذى تعانيه المرأة وإنما خطورته تكمن فى حجم الإهدار المترتب على هذا تمييز ضدها سواء فى التعليم أو العمل، والذى قدره أحمد السيد النجار، رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى كتابه الأخير الصادر عن المركز، بنحو 7.7 مليار جنيه دولار سنويا. يقول النجار فى بداية كتابه أن تباطؤ النمو الاقتصادى الذى بدأ منذ منتصف السبعينيات فى القرن الماضى، والذى شهد بداية تكديس خريجى الجامعات فى الجهاز الحكومى والجهاز الإنتاجى القائم تزامن مع عودة دعاوى عودة المرأة إلى المنزل.
ويرى الكاتب أن فى أوقات التباطؤ أوالركود والأزمات الاقتصادية بصفة عامة يزداد التحيز ضد الفئات الأقل تمتعا بالحماية، ومن ضمنها المرأة فى سوق العمل بالذات خاصة فى القطاعات التى لا تشملها مظلة الحماية النقابية مثل غالبية مصانع القطاع الخاص التى لا توجد بها لجان نقابية.
ويرى النجار أن التمييز ضد المرأة فى سوق العمل من قبل الدولة أو القطاع الخاص أو كليهما عامل أساسى فى إضعاف حوافز تعليم المرأة لدى الفئات الفقيرة والمتوسطة، أى لدى الغالبية الساحقة من المجتمع، وذلك لأن أحد أهم حوافز تعليم المرأة لدى تلك الفئات، هو تأهيل المرأة للعمل فى وظائف متناسبة مع تعليمها ومساهمتها فى تحميل تكاليف معيشة الأسرة أو تجهيز نفسها للزواج.
ويشرح الكتاب أن المرأة فى بلدان العالم العربى ومنها مصر، تعانى من التمييز ضدها فى سوق العمل، حيث يتم تفضيل الرجال، أو حتى الصبية ذوى الأجر الأقل على النساء فى كثير من الأعمال كما توضع النساء فى الأعمال الأقل أجرا، إما بسببب موضوعى يتعلق بمستوى التعليم، أو مستوى المهارة، أو بسبب غير موضوعى يتعلق بحجز المواقع القيادية للرجال عند تساوى المستوى المهارى والأقدمية بين الرجال والنساء.
الموازنة العامة للدولة تضطهد المرأة
ويشير النجار إلى إن نمط الاستثمارات الممولة من الموازنة العامة للدولة يؤثر بشكل قوى على فرص العمل المتاحة للمرأة، فإذا كانت هذه الاستثمارات موجهة بصورة رئيسية إلى البنية الأساسية بصفة عامة، كما هو الحال فى مصر حاليا، فإن المرأة تتضرر بصورة أكبر من الرجل، لأن هذه الاستثمارات قائمة على عمليات التشييد والبناء، وهى أعمال تحتاج الرجل، وليس المرأة. وحتى الصناعات المغذية لهذه الاستثمارات، والتى ترتبط بصناعات الحديد والأسمنت لا تعمل فيها المرأة أيضا.
ويلفت النجار النظر فى دراسته إلى أن نسبة المرأة من قوة العمل فى مصر تراجعت فى 2008 مقارنة بعام 1990 لتصل إلى نحو 24% من إجمالى قوة العمل، بينما ترتفع هذه النسبة فى دول مثل الجزائر، والصومال وموريتانيا لتصل إلى 31%، 41%، 41.7% فى هذه البلدان على التوالى.
فبينما تراجعت نسبة النساء من قوة العمل المصرية، خلال تلك الفترة، ارتفعت تلك النسبة فى الجزائر من 23.4% إلى 31.2%، كما ارتفعت فى ليبيا من 14.8% إلى 21.9%، وفى اليمن من 18% إلى 20.5%.
ويرصد الكاتب الإضطهاد الذى تعانى منه المرأة فى مصر والكثير من البلدان العربية، حيث إن الكثير منها لا يدرج أعدادا كبيرة منهن ضمن قوة العمل، حتى لو كن مؤهلات للعمل وقادرات عليه، وراغبات فيه.
ويدلل الكاتب على هذا النموذج بما فعلته الحكومة المصرية فى عهد عاطف عبيد عام 2001 ففى ذلك العام تم الإعلان عن توافر 170 ألف وظيفة حكومية، وتقدم أكثر من 4.5 مليون عاطل وعاطلة لشغل الوظائف، وعند تصنيف اللجنة العليا للتشغيل برئاسة عبيد اعتبرت تلك اللجنة أن 660 ألف سيدة من المتقدمات لشغل الوظائف من خريجات النظام التعليمى لا يعتبرن عاطلات باعتبارهن تزوجن ويعشن حياة مستقرة.
النساء أقل دخلا من الرجال
ويقول النجار إن الوضع السيئ للمرأة يظهر فى سوق العمل بصورة أكثر وضوحا من أنها تحتل الوظائف الأقل دخلا، إما لأسباب تتعلق بمستوى التعليم والتدريب والتأهيل، أو لأسباب تتعلق بالتحيز الذكورى للرجل فى شغل الوظائف القيادية والمميزة العالية للدخل.
ويوضح الكاتب الفارق بين الدخل الذى تحصل عليه المرأة من عملها، ودخل الرجل الذى يفوقها فى أغلب البلدان العربية، وفقا لبيانات تقرير التنمية البشرية الصادر فى 2009، حيث يصل متوسط دخل المرأة فى مصر سنويا إلى 2286 دولارا، بينما يرتفع إلى 8401 دولار للرجل.
المرأة العاملة فى مصر أقل من مثيلاتها فى باقى الدول
ويؤكد الكاتب انخفاض نسبة مشاركة النساء من قوة العمل عن معدلاتها العالمية التى تصل إلى 40.4%، وتقل أيضا عن نسبة مشاركتها فى الدول الغنية والتى تصل إلى 43.3%، وتنخفض عن معدل الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، والتى تعد مصر واحدة منها، وبالأخذ فى الاعتبار نسبة المشاركة فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فإن ذلك يعنى زيادة عدد القوى العاملة من النساء إلى 10.47 مليون امرأة، بدلا من العدد الحالى والذى يبلغ 6.29 مليون عاملة، أى أن هناك نحو 4.18 مليون امرأة فى سن العمل لا تدخل سوق العمل، أو لا تحتسب ضمن قوة العمل لاعتبارات تتعلق بعدم التعليم، ومحدودية التعليم الذى حصلت عليه المرأة، وأيضا للتمييز ضد المرأة فى سوق العمل.
التكلفة المهدرة لعدم مشاركة المرأة لا تقل عن 42 مليار جنيه
يقول النجار إن متوسط الدخل الشهرى فى القطاع الخاص يصل إلى 987 جنيها، أى ما يعادل 11.16 ألف جنيه فى العام، ويصل هذا المتوسط فى الحكومة والقطاع العام إلى 1320 جنيها شهريا أى نحو 16 ألف جنيه سنويا.
ويضيف الكاتب أنه بالأخذ فى الاعتبار قيمة الأجر المتوسط (يأخذ فى الاعتبار الأجر المتوسط، والوزن النسبى للعاملين فى الجهاز الحكومى والقطاع العام، وقطاع الأعمال (المقدر عددهم فى 2008 ب6.4 مليون عامل، أى 28.1% من عدد المشتغلين)، وباحتساب الأجر المتوسط والنسبى للعاملين فى القطاع الخاص والمقدر ب16.4 مليون عامل أى 71.9% من عدد المشتغلين فإن الأجر المتوسط للعامل فى مصر يصبح 12540 جنيها فى العام.
يقول النجار إنه إذا تم احتساب الأجر المتوسط المحتمل للنساء المستبعدات من سوق العمل،والبالغ عددهم 4.18 مليون امرأة، فإن القيمة تبلغ 52.4 مليار جنيه فى العام، وهى خسارة مباشرة لهؤلاء النساء، وعائلاتهم، وخسارة لمصر من عدم توظيف أهم عناصر الإنتاج المتوافرة لديها، وهو قوة العمل.
ويشير الكاتب إلى أن التكلفة المهدرة من عدم توظف المرأة تصل إلى 42.3 مليار جنيه، إذا أخذنا فى الاعتبار نسبة البطالة، والتى تصل إلى 19.3% من قوة العمل النسائية (خلال الفترة من 2005 2008)، حيث إن عدد النساء المفترض أن يلتحقن بالعمل سيصل إلى 3.3 مليون إمرأة.
ويقدر النجار التكلفة المهدرة للتمييز ضد المرأة ب7.7 مليار جنيه دولار سنويا، وذلك وفقا لتقديرات البنك الدولى عام 2007، والذى قدر الدخل المكتسب للمرأة فى مصر ب2286 دولارا.