يقرأ البعض ما بين السطور أو المسكوت عنه فى الكلام على نحو يعطى مبررات للكثيرين كى يتحلوا باليأس من صلاح الأحوال فى مصر. وهذا قطعا ليس هدفى. واسمحوا لى أن أنقل لزملائى ومن هم فى مثل عمرى كلاما أهدف منه إلى التفاؤل البناء. فلا يقتلنا الإحباط فنيئس، ويسحقنا الواقع بمشكلاته فنفقد القدرة على الخيال. هذا حديث شخصى قررت أن أكتب فيه كاستجابة مباشرة للعديد ممن قرأوا واقعنا وضغوط اللحظة فظنوا أننا بصدد نهاية مأساوية لدولة ذات ماض عريق. وهذا ما أرفضه تماما. فنحن يمكن أن نصاب بالإحباط أو الضيق ولكننا لا ينبغى أن نصاب باليأس لأسباب عديدة. فعلى المستوى الفردى، ينبغى أن نعى أن اليأس قرين الضعف، والضعف دليل الجهل. ولا أنا أو حضراتكم بجهلاء ولا ضعفاء ولا يائسين بل نحن لاهثون نحو حياة أفضل لنا ولغيرنا قدر استطاعتنا. وأتذكر أننى حينما قررت أن أعلم ابنى كلمات تساعده على فهم الحياة ومراوغتها، جعلته يحفظ مقولة نابليون: «إذا كنت لا تعرف، تعلم. وإذا كان ما تريد أن تفعله صعبا، حاول. وإذا كان ما تريد أن تفعله مستحيلا، حاول مرة أخرى». وعلينا أن نفكر فى هذا المعنى ونطبقه على المستويين الشخصى والعام. ثانيا، نحن نثق تماما فى كلام الله، وحين يقول الله «ولا تيئسوا من روح الله، إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون» فنحن نصدق ربنا، ونقول: «سمعنا وأطعنا يا الله» ثم ننفر للعمل والجهد وقلوبنا عامرة بيقين أن الله ما وعدنا إلا ليصدقنا وعده، المهم أن نعمل حتى نستحق عطاءه ونعمه. ونحن هنا نرتدى عقل وقلب سيدنا نوح الذى طلب إليه ربه أن يصنع سفينة فى قلب الصحراء. هل ممكن لعاقل أن يصدق أن عليه أن يصنع سفينة فى قلب الصحراء؟ نعم المؤمن الواثق فى نصر ربه ثقته فى الغيب، يعمل مطمئنا فى دأب عسى الله أن يجعل فى جهده ما يفيد. المؤمن الواثق يقيم نفسه حيث أقامه الله.
فمن يعمل لهذا البلد، مخلصا، عليه أن يستمر فى العطاء بنفس منطق من يبنى سفينة فى الصحراء، وبنفس منطق الرسول الكريم حينما أمرنا أن نزرع ما فى أيدينا من فسيلة حتى لو كانت القيامة بعد ساعة. فهل سيستفيد أحد من الفسيلة، لو كانت القيامة بعد ساعة من زرعها؟ الإجابة نعم، أنت يا من زرعتها لقد وفيت أمر ربك لك بأن تعمل وتكدح ابتغاء وجه ربك الأعلى.
ثالثا، التاريخ يقول لنا إن بنية المجتمعات تتغير بسرعة شديدة مع تولى القيادة السليمة لها. ما الفرق بين مصر ما قبل 1805 ومصر ما بعد 1805؟ إن شخصا تولى حكم مصر فى عام 1805، فأعاد تنظيم شئون الدولة، وغير شكل النظام الاقتصادى، وأرسل البعثات للخارج، وأجاد الاستفادة من طاقات المصريين فتحولت مصر مع عام 1813 إلى دولة نامية بحق حتى وصلت إلى قمتها بعد ذلك بعشر سنوات. ما الفرق بين مصر ما قبل 1805 ومصر ما بعد 1805؟ شخص واحد فى المكان الصحيح، إنه محمد على. وأيا ما كان تقييمنا له ولما صنعه، فهو لا شك علامة فارقة فى تاريخنا والمنطقة. والأمر لم يكن بعيدا عن أسماء عظماء آخرين فى مجالات أخرى، لولا رؤيتهم وشجاعتهم ودأبهم وحسن إدراكهم لواقعهم لما نجحوا ولما أنجحوا المجتمعات التى عاشوا فيها. إن هؤلاء مثل حبات المطر التى تنزل على الأرض الجرداء فتخرج منها زرعا ما ظننا أن بذوره كانت موجودة قط حتى قال أهل اليأس فيها: «أنى يحيى هذه الله بعد موتها».
ادعوا للبلد، واجتهدوا فى نصرته، فالمستقبل نصنعه بأيدينا ولا يفرضه أحد علينا.