بعد النجاحات الدولية التي حققها في النزاع الليبي، يجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه على الجبهة الداخلية أمام عودة قضية بيتانكور المحرجة مع اتهامات بتمويل سياسي غير مشروع والتجسس على صحفي. وهذه القضية المتشعبة جدا كانت جزءا من خلاف عائلي بين المليارديرة ليليان بيتانكور وريثة شركة مستحضرات التجميل لوريال، وابنتها. وتحولت هذه القضية بسرعة إلى فضيحة سياسية مالية تختلط فيها شبهات بالمحاباة والتمويل غير القانوني، الأمر الذي كلف اريك ويرث، وزير العمل المقرب من ساركوزي، منصبه في نهاية 2010. ويعود بروز هذه القضية خلال هذا الأسبوع إلى صدور كتاب ذي مضمون مثير وضعه صحفيان يعملان في صحيفة لوموند، قبل 8 أشهر من انتخابات رئاسية يرجح فوز المعارضة اليسارية فيها. وفي هذا الكتاب تتهم القاضية ايزابيل بريفو-ديبريه السلطة بأنها مارست ضغوطا على شهود كانوا قد رأوا ساركوزي يقبض مبالغ مالية نقدية من عائلة بيتانكور لتمويل حملته الانتخابية في 2007. والقاضية التي كانت مكلفة في ما مضى النظر في أحد مسارات هذه القضية، تؤكد أن الممرضة السابقة للمليارديرة "قالت لكاتبة المحكمة بعد جلسة الاستماع إليها: شاهدت تسليم أموال نقدية لساركوزي، لكن لا يمكنني قول ذلك في محضر". والتمويل السياسي في فرنسا يخضع لنظام صارم جدا منذ التسعينيات. فالهبات المقدمة إلى أحزاب أو شخصيات أمر ممكن، لكنها محدودة بشكل صارم. والشائعات حول مبالغ نقدية تنتقل في مظاريف بين مانحين أثرياء ورجال السياسة أمر يتكرر حصوله. والممرضة التي كانت في خدمة ليليان بيتانكور بين سبتمبر 2006 ويوليو 2007، نفت تصريحات القاضية. لكنها قالت إنها تلقت "تهديدات بالقتل" تهدف إلى ردعها عن الإدلاء بشهادتها في قضية بيتانكور. ونددت الرئاسة الفرنسية من جهتها باتهامات "لا أساس لها، كاذبة ومشينة". ويتضمن هذا الملف مصالح سياسية واقتصادية هائلة. وأعربت ابنتها الوحيدة عن قلقها من مبالغ سخية جدا منحتها والدتها للمقربين منها، ولا سيما للمصور والكاتب فرانسوا-ماري بانييه، وجاءت على شكل دفعات مقابل أعمال فنية أو بوليصات تامين على الحياة. وتقدمت بشكوى ضد استغلال ضعفها. وتمت لاحقا تسوية الخلاف داخل العائلة في نهاية 2010. لكن التحقيقات التي أجريت حول القضية أظهرت الروابط القائمة بين بيتانكور وقسم من الطبقة السياسية. وفي 12 يوليو 2010، نفى نيكولا ساركوزي أيضا أن يكون قبض أموالا من الوريثة الثرية. قال بشأن هذه الاتهامات "هذا عار". لكن القضية أحرجت السلطة إلى حد أنها عملت على فرض رقابة على الاتصالات الهاتفية لصحفي في صحيفة لوموند كان يكتب تحقيقا حول عائلة بيتانكور، وعلى الاتصالات الهاتفية لمصدره، وهو موظف كبير في وزارة العدل. وهذا لا يقل عن وضع أجهزة مكافحة التجسس في الخدمة لتسهم في الحصول على بيانات الاتصالات الهاتفية للصحافي جيرار دافيه. وإثر شكوى تقدمت بها الصحيفة، حصلت قاضية تحقيق على الادلة المتعلقة بتدخلات رجال شرطة مكافحة التجسس، كما كشفت لوموند الخميس. واقر وزير الداخلية كلود غيان بحصول "عمليات رصد لاتصالات هاتفية، وهذا مختلف تماما عن عمليات تنصت"، لكنه قال انها تهدف الى تحديد هوية المصدر لا مراقبة الصحافي. ونددت منظمة "مراسلون بلا حدود" بهذه الممارسات.