لقد استقر العداء لأمريكا فى الوعى الحركى الإسلامى ومنه انتقل إلى الشارع الإسلامى، أو جرت عملية بتأثير متبادل بينهما إذا أردنا الدقة، ولم يختتم القرن العشرين إلا بحالة عداء غير مسبوقة فى العالمين العربى والإسلامى توجت بإعلان قيام تنظيم القاعدة، الذى تحدد مشروعه فى الحرب ضد أمريكا بطول العالم وعرضه (أعلنت الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود عام 1998)، وكان أن افتتحت القاعدة القرن الجديد بهجمات سبتمبر 2001، التى كانت أكبر ضربة تلقتها الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تاريخها وفى عقر دارها. وكان واضحا من ردود الفعل فى العالم الإسلامى أن مشاعر العداء والغضب كانت من القوة والكثافة بحيث غطت تماما على أصوات «إسلامية» أعلنت رفضها المبدئى لمثل هذا النوع من العمليات فضلا عن رفضها لتنصيب القاعدة ممثلا للحركات الإسلامية فى تحديد موقف الإسلاميين من الغرب، ثم جاءت الحروب الأمريكية فى العالمين العربى والإسلامى والتدخل المباشر فى الشئون الداخلية بما فى ذلك تغيير مناهج التعليم والثقافة الدينية لتؤجج حالة العداء والكراهية ولتصل إلى وضع غير مسبوق حتى فى دول ظلت وما زالت تصنف باعتبارها صديقة بل حليفة لأمريكا (كما فى السعودية ومصر). وكان مما يستحق التوقف عنده أنه وأثناء غزو العراق (مارس 2003) كان الغرب بمعناه الاستعمارى المعادى للإسلام والمسلمين قد تحدد باعتباره يعنى أمريكا حصريا دون بقية الدول ليست الغربية فقط بل وبما فيها تلك، التى شاركت فى الغزو تحت قيادة أمريكا ومنها بريطانيا! تبدو المفارقة أنه فى الوقت الذى وصل منحنى العداء العربى والإسلامى لأمريكا قمته وتصاعدت أشد المواجهات «الجهادية» معه فى حرب مفتوحة مركزها العراق وأفغانستان وامتدادها فى أرجاء العالم؛ بدأت تلوح مؤخرا فى الأفق معالم تغير فى نظرة بعض قطاعات من الحركة الإسلامية وموقفها من الولاياتالمتحدة بما يكاد يختلف تماما مع المسار السائد المعادى لها على طول الطريق. نرصد على سبيل المثال قبول الحزب الإسلامى العراقى (الإخوان المسلمين) المشاركة فى العملية السياسية تحت الرعاية الأمريكية مخالفا لموقف أهل السنة وعموم الشارع العربى والإسلامى، ودخول الإخوان المسلمين السوريين فى التحالف المعارض المدعوم أمريكيا لإسقاط النظام السورى، وعدم اعتراض قيادة التنظيم الدولى للإخوان أو تنظيماتهم القطرية على موقف الإخوان العراقيين ثم السوريين، ثم قبول جماعة الإخوان المصرية، وهى الجماعة الأم والأكبر بعلاقات مباشرة كانت ترفضها من قبل مع الإدارة الأمريكية. وربما يكتمل المشهد بالتوقف عند الحديث المتصاعد بنفس متباه داخل الأوساط الإسلامية بأهمية دراسة نموذج حزب العدالة والتنمية التركى، الذى يرتبط بعلاقات وثيقة بالإدارة الأمريكية، والاهتمام الإسلامى بإمكانية تعميمه، وهو ما يبدو أن نظيره المغربى مرشح لتكراره وهو الحزب الذى كرمت بعض المؤسسات الأمريكية رئيسه سعد الدين العثمانى ومنحته جائزة المسلم الديمقراطى! لقد فتح ذلك كله الباب واسعا حول ما إذا كنا بإزاء تغير فى موقف الحركة الإسلامية من أمريكا، وهو ما من شأنه أن يكون له تأثير بالغ الخطر على مستقبل الحركة، التى حملت لواء المواجهة فى العقدين الأخيرين بل ومستقبل المنطقة العربية والتى تقع فى بؤرة الصراع، وفى مرمى نيران الإستراتيجية الأمريكية. وأتصور أنه من الصعوبة بمكان الجزم بتقدير حجم هذا التغير أو مداه على وجه الدقة واليقين، ولكن يمكن القول بأن أى علاقة مستقبلية بين حركات الإسلام السياسى والولاياتالمتحدة ستتحدد وفق ثلاثة مستويات يمكن التمييز بينها، المستوى الأول يتعلق بتعريف العمل السياسى الإسلامى، وما يحتمله من تمييز داخله بين السياسة بالمعنى العام وبينها بالمعنى الحزبى التنافسى، أما المستوى الثانى فهو يتصل بمدى التأثر بالتجزئة والقطرية فى العمل الإسلامى وانعكاس ذلك على الرؤية الأممية الإسلامية، أما المستوى الثالث والأخير فهو يتصل بموقع كل حركة داخل الأمة الإسلامية، وما تفرضه عليها من مسئوليات، ومن ثم فهو يميز بين إسلاميى المركز وإسلاميى الأطراف.