لم تعرف الحركة الإسلامية فى نشأتها الأولى بعد سقوط الخلافة الإسلامى (سقطت الخلافة عام 1924 وتأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928) حالة العداء الجذرى لأمريكا والوعى بها باعتبارها الخطر الاستراتيجى على الأمة كما استقرت فى الوعى الإسلامى الحركى والشعبى لاحقا وخاصة فى العقود الثلاثة الأخيرة. كان الوعى الإسلامى فى مرحلة النشأة مسكونا بالعداء إما لقوى الاستعمار الغربى التقليدية وفى مقدمتها بريطانيا وفرنسا اللتان كانتا تقتسمان النفوذ والهيمنة على معظم أرجاء الوطن العربى والإسلامى، أو للقوى التى كانت ترى فيها تهديدا لعقيدة الأمة وأخلاقها مثل الصليبية والشيوعية، وقد اتفق ذلك فى شأن القوة التى جمعت بين الخطرين وهى المشروع الصهيونى فى أرض فلسطين. ومن ثم فقد كان مفهوما إلى حد كبير أن الولاياتالمتحدة لم تكن فى قلب العداء الإسلامى لما بات يعرف ب«الغرب»، فهى لم تكن قد دخلت فى مواجهة مباشرة مع الأمة الإسلامية أو احتلت أرضا من أراضيها ومن ثم لم تكن قد خلفت ثأرات فى العالم الإسلامى، بل كثيرا ما كان ينظر إليها كخصم محتمل ومنتظر لقوى الاستعمار التقليدية خاصة حين بدا حضورها فى المنطقة وكأنه على حساب هذه القوى؛ كما فهم البعض الإنذار الأمريكى لقوى العدوان الثلاثى على مصر: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وكان إضافة إلى ما سبق الوعى الإسلامى قد أصيب سريعا بعطب انفصل معه المشروع الصهيونى عن الإرادة الغربيةوالأمريكية خاصة؛ فصارت الحركة الإسلامية تنظر إلى الصهيونية كأصل ومحرك لأمريكا وليس أداة لها، وهو ما كان مسئولا بدوره عن توارى الولاياتالمتحدة عن صدارة مشهد العداء الإسلامى لتحل إسرائيل محلها رغم أنها كانت وستبقى أداة فى يد المشروع الإمبراطورى الأمريكى وارث المشروع الاستعمارى الغربى فى المنطقة. وعلى الرغم من أن الحركة الإسلامية فى نشأتها الثانية قامت على أنقاض المشروع القومى الذى بدأ يتهاوى بعد هزيمة يونيو (عام 1967 ) إلا أنها لم تستطع إلغاءه تماما أو القفز على ما أوجده من تغييرات فى وعى الشارع العربى والإسلامى، فكان أن تمثلت كثيرا من أطروحاته وأعادت إنتاجها بصياغات إسلامية، وكان مما ورثته الحركة الإسلامية عن المشروع القومى ميراث العداء للغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة والذى كان قد تراكم واستقر خاصة إبان المد الناصرى بحيث لم يعد ممكنا حتى للحركة الإسلامية الصاعدة على أنقاض القومية تجاوزه أو النجاة من تأثيره. ومن ثم كانت الأرض ممهدة لأن يتشبع الوعى الإسلامى الحركى الجديد بدءا من السبعينيات بالعداء للولايات المتحدةالأمريكية التى كانت قد بدأت فعليا فى الدخول المباشر فى المنطقة ومن ثم التورط فى قضاياها ومعادلات الصراع فيها. وقد كانت هناك محطات مهمة تزيد يوما بعد يوم من ميراث العداء والكراهية تجاه «الغرب» الذى كانت صورته تتحدد يوما فيوم باعتباره «أمريكا» دونا عن بقية البلدان والقوى الغربية. وكانت البداية المباشرة من حرب أكتوبر/ تشرين 1973 وما تلاها من مفاوضات السلام والتى أبرزت أمريكا كراع رسمى للدولة العبرية ومسئول عن حمايتها حتى ولو اقتضى الأمر بناء جسور إمداد حربية مباشرة تحول دون هزيمتها. ثم تلتها الثورة الإسلامية فى إيران 1979 التى بدت فيها أمريكا داعمة لأنظمة الاستبداد والقهر ضد شعوبها، ثم الاجتياح الإسرائيلى للبنان 1982 ومجازره الوحشية وأبرزها صابرا وشاتيلا، ثم اندلاع انتفاضة أطفال الحجارة فى فلسطين عام 1987 والتى فضحت أمام العالم الهمجية الصهيونية المدعومة أمريكيا....و كانت المحطة الحاسمة حرب الخليج الثانية 1992 وقيادة أمريكا لما عرف بالتحالف الدولى لتحرير الكويت. لقد كانت حرب تحرير الكويت أول مواجهة صريحة ومباشرة وواسعة بين الأمة الإسلامية وبين أمريكا، ومن ثم كانت النقطة الفاصلة التى جعلت أمريكا تنفرد تماما فى الوعى الحركى الإسلامى بمنزلة العدو الأول للأمة الإسلامية ليتأكد بحقها وصف «الشيطان الأكبر» الذى أطلقه عليها زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخومينى، وكان مما ساعد على ذلك انهيار الاتحاد السوفييتى عام 1989 وأفول الشيوعية التى ظلت تحتل طيلة عمر الحركة الإسلامية مرتبة متقدمة عن الغرب فى سلم الأعداء. نشرت فى بداية عام 2008 أثناء الجدل حول الموضوع