إذا كنا نتوخى من خطاب الرئيس أوباما التطابق مع كل ما نريد، فإن هذا لم يحصل. وإذا كان ما يتوقعه البعض من استحالة أى تغيير فإن هذا أيضا غير صحيح. الذى حصل أن حوارا جديا قد صار فى حيز الإمكان بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى. استخدم أوباما فى خطابه لغة تميزت بأنها إبطال للغة التعامل التى سادت بين الإدارات السابقة وعلى الأخص إدارة الرئيس بوش مع قضايا عالمنا العربى والإسلامى. وحاول أوباما فى خطابه ترييح المسلمين فى العالم من شمولية لوثة الإرهاب التى حاولت إدارة بوش وتشينى لصقها بالمسلمين. ففصل فى خطابه بين ممارسة العنف كتيار منفصل وباقى الشعوب فى العالم الإسلامى. ومع ذلك أعترض على الخطاب لأنه ربط أولوية بعض القضايا القومية للعرب بشكل عام مع العالم الإسلامى، فى حين أن هناك تمايزات أساسية فى القناعات والمسئوليات المباشرة بين الدول العربية والإسلامية. فإنه فى حين يتضامن معنا العالم الإسلامى تبقى هناك مسئولية جوهرية عربية مباشرة وهى القضية الفلسطينية، فأوباما طالب بالاعتراف العربى بحق الوجود الإسرائيلى فى حين أن هذا الحق بالنسبة للعرب والموقف القومى منه، ليس حقا بل هو قضية وجود. يمكن أن يطالب الرئيس أوباما بالاعتراف بإسرائيل ضمن حدود 67 وحق العودة ولكن لا يجوز أن يحصل الموضوع فيما يتعلق بتجميد المستوطنات بل باقتلاعها لأن المستوطنات هى خرق لاتفاقات جنيف الرابعة وهى دليل على أن إسرائيل لا تعترف مطلقا بكونها محتلة للأراضى الفلسطينى. هذا النكران لكونها محتلة يفسر مقولة إسرائيل أنها مستعدة القيام بتنازلات مؤلمة بمعنى أن إسرائيل تعتبر أنها تتنازل عن ما تملك وليس عما تحتل. وتأييده لحل الدولتين لم يأخذ بعين الاعتبار بما فيه الكفاية متى تستقيم معادلة المطالبة بالدولتين. فيما يتعلق بالعراق فأعتقد أنه يتناغم إلى حد كبير مع رفض شرعية الغزو والمطالبة بالتسريع بالانسحاب. كذلك أعتقد أنه كان هناك أمر إيجابى فى مطالبته بنزع شامل للسلاح الذرى ولكن كان ولابد أن يشمل هذا بشكل أوضح عدم امتثال إسرائيل مقارنة بالإصرار على نزع إمكانية امتلاك السلاح النووى لإيران. المهم هنا أن نمط الحوار مع العالم الإسلامى قد أخرج الخطاب الأمريكى من ربط الإسلام بالإرهاب وإن كان بشكل غير مباشر كما كان يفعل بوش وتشينى والمحافظين الجدد بالولاياتالمتحدة ولعل تفسيره للحداثة قد أكد التنوع بسرعة داخل إطارها بدلا من التقيد بسطحية مفهوم الحداثة من خلال إقراره بحق المرأة فى أن ترتدى الحجاب أو لا وأن تمارس حريتها كاملة مع عدم وجوب تقليد آلى لكل ما يوجد فى الغرب. إن أهم ما ورد فى هذا الخطاب هو أنه أوحى أن الحضارة الأمريكية السائدة لم تعد محصورة فقط بكونها مرتكزة على الحضارة اليهودية المسيحية بل أصبحت تشمل البعد الإسلامى وغيره. هذا الخطاب إنما يمهد لحوار جاد شريطة أن يكون للعرب موقف متماسك وخطاب واضح وأن نقول للإدارة والشعب الأمريكى ما نضمر وألا تكون هناك ازدواجية بين ما نقول وما نضمر بل تعبير عن التزام واضح بالحقوق القومية وبحقوق الشعوب فى الحرية والتنمية والعدالة. الميزة الأساسية أن الرئيس أوباما فى خطابه التاريخى بجامعة القاهرة قام بمحاولة جدية «للإقلاع نحو عهد جديد.