الصعود الكبير لتيارات الإسلام السياسى الذى يصل لحد الاستعراض يكاد يكون أبرز ملامح المشهد السياسى بعد الثورة، لقد فتح سقوط نظام مبارك بابا واسعا على تيارات دينية مختلفة كان بعضها مهمّشا أو مقموعا وكان البعض الآخر يفضل البقاء بعيدا عن واجهة المشهد لأسباب مختلفة معظمها يتعلق بمصلحته. وثمة مشكلات كثيرة يطرحها هذا الصعود تحتاج لنقاشات موسعة، لكن ربما تكون نقطة البدء التى لابد منها هى محاولة تحديد ما هو الإسلام السياسى وما الذى يختلف به عن الإسلام بالمعنى التاريخى المتصل والمستقر فى الاجتماع الإسلامى، وما حدود علاقته اتصالا وانفصالا بالإسلام كما استقر ووصل إلينا فى التجربة التاريخية لدى التيار الغالب فى الأمة وتحديدا أهل السنة والجماعة: الوسط المركزى للأمة الإسلامية. تتفاوت محاولات تعريف الإسلام السياسى وتحديد موقعه فى مسار الإسلام بين من يراه استجابة لتحديات الحداثة الغربية أو حتى محاولة تجديدية تستعيد روح الإسلام متصلا بواقع جديد، وبين من يراه رد فعل على ما بدا تهديدا لهوية المجتمعات الإسلامية بعد صدمة الاتصال بالغرب، ومن يعتبره رد فعل على أزمة تأسيس الدولة الحديثة فى عالمنا الإسلامى وأزمة فشلها لاحقا.. وبين من يراه نكوصا وارتدادا أو حتى توظيفا سياسيا للدين. ويثور التساؤل دوما حول الفارق بين الإسلام السياسى وإسلام التيار الغالب بين المسلمين، وكيف يمكن معرفة حدود الافتراق بينهما ومن ثم فهم موقع هذا التيار فى المسار التاريخى للإسلام. وأول ما يتسم به الإسلام السياسى إعادته طرح سؤال الإسلام من جديد على مجتمعات وشعوب تعرف نفسها بأنها مسلمة بل ولها تاريخ طويل ومستقر فى الإسلام، إن الهوية الدينية لهذه المجتمعات والتى كانت قد حسمتها ربما قبل قرون تعود مع الإسلام السياسى لتكون محل تساؤل بل وتشكيك، وهو التشكيك الذى يتم أحيانا بطريق غير مباشرة تتمثل فى الدعوة لبناء أو إعادة بناء المجتمع الإسلامى أو الدولة الإسلامية دون الحديث عن هويته الحالية وما إذا كانت لم تعد إسلامية، أو بطريق مباشرة أحيانا أخرى تشكك فى صحة إسلام هذه المجتمعات وتطرح السؤال صريحا: هل نحن مسلمون؟ سؤال صار عنوانا لأشهر كتب محمد قطب شقيق سيد قطب! إن الإسلام السياسى يمثل انقطاعا فى التجربة التاريخية الإسلامية التى تنظر للمجتمعات المسلمة تاريخيا باعتبارها إسلامية حتى ولو شاب النقص بعض تصوراتها وممارساتها، فالإسلام رهن بإعلان الشهادة وحسب، وليس لأحد بعد الشهادة أن يتحرى حول حقيقة إسلام فرد فضلا عن مجتمع بأكمله، إلا لأمر شخصى يخصه وله فيه مصلحة مباشرة.