خلال أحداث الأسبوع الماضى، جرت مجموعة من الوقائع إذا تم وضعها معا، تقدم لنا صورة قاتمة للمستقبل، وتشير إلى مناخ فاشى استئصالى مقبل ما لم نتحرك بسرعة لإطفاء حريق نرى بدايات شراراته. فى يوم الجمعة، تظاهرت مجموعة صغيرة من المؤيدين لمبارك فى ميدان روكسى وعندما شاهدوا شابا يحمل لافتة تطالب بمحاكمة الرئيس السابق اعتدوا عليه وأصابوه بجرح قطعى فى وجهه. فى نفس اليوم، منع بعض الشباب المتحمس فى ميدان التحرير طواقم التليفزيون الحكومى من التغطية بدعوى أنه ضد الثورة. شباب آخرون فى الميدان حاولوا الاعتداء على ممثل لائتلاف للشباب لأنه ضد الاعتصام والعصيان المدنى. فى منتصف الأسبوع، حاول بعض المعتصمين الاعتداء على الشيخ صفوت حجازى بحجة أنه لا يؤيد الاعتصام، ولم ينقذه من بين أيديهم إلا تجمع بعض مريديه. بعض هؤلاء المريدين أو أمثالهم حاولوا فى نفس الأسبوع الفتك بشخصين فى الميدان لأنهما كانا يتناقشان مع آخرين حول «صحيح البخارى» و«الإسرائيليات»، ولولا تدخلى مع آخرين لربما وقعت جريمة. مثل هذه الوقائع تكررت كثيرا مؤخرا.. والخطورة أن مثقفين كبارا يتعاملون معها باعتبارها عادية بل ويطربون لها. إن آجلا أو عاجلا سوف ينتهى الاعتصام فى التحرير، وسنتفق جميعا على صيغة ما لممارسة الحياة الطبيعية. وأغلب الظن أن أى صيغة مقبلة لابد أن تستوعب كل أطياف الشعب من مسلمين ومسيحيين، ناصريين وإخوان، سلفيين وصوفيين، ، علمانيين ومتطرفين، شيوعيين ورأسماليين. وبما أن أى فريق مهما ظن أن الشعب معه لن يتمكن من إلغاء فريق آخر بالكامل، سواء بالقتل أو دفعه للهجرة لأمريكا وكندا واستراليا، فلا مفر من الاقتناع بضرورة البحث عن صيغة تضمن تعايش الجميع على أسس ديمقراطية وفى إطار دولة القانون. المحزن والمؤسف و«المقرف» أننا يفترض أن أحد أهم أسباب ثورتنا على «مبارك» أنه كان يحتكر الحديث بالنيابة عنا باعتباره وصيا علينا، ويعرف ما نريد، وبالتالى كان يقمعنا فكريا، يحظر الإخوان والسلفيين لأنه يصنفهم متطرفين، ويقيد حرية حركة الليبراليين وأنصار الديمقراطية باعتبارهم عملاء للغرب. والآن نحن نعيد إنتاج نظامه القمعى، ونمارس نفس أساليبه ضد بعضنا البعض، الأمر الذى يكشف أن هذا النظام الساقط قد أصاب جزءا كبيرا منا فى جهاز مناعته الأخلاقى والفكرى، وأن معظمنا نسخ أخرى من مبارك والعادلى وأمثالهما. ما قيمة التغنى بحرية الرأى ونحن نمنع منافسينا وخصومنا من ممارستها، كيف سنبنى ديمقراطية ونحن غير ديمقراطيين. الذى يحدث الآن ينذر بكارثة لأنه يشير إلى سيناريو كابوسى يبدأ بأن كل أنصار الثورة سيقيدون حرية حركة أى فصيل أو صوت يعتقدون أنه ليس معهم. فى المرحلة الثانية سيقوم كل أنصار التيار الدينى بتكفير منافسيهم باعتبارهم خارجين على الملة.. والطرف الأخير سيسعى لإقصائهم بكل السبل لأنهم «ظلاميون». وإذا افترضنا أن التيار الدينى انتصر فى معركته الوجودية ضد خصومه فسوف تبدأ معاركه الداخلية. الإخوان سينظرون لعبدالمنعم أبوالفتوح باعتباره منشقا وخارجا على الإجماع. والسلفيون سيكفرون الصوفيين وسينظر «الجهاديون» إلى الإخوان باعتبارهم معتدلين وسينقسم السلفيون إلى فرق متنوعة. وسيحدث هذا بالطبع بعد أن يكفر المسلم المسيحى، و السنى الشيعى وسيعتبر المسيحى الأرثوذكسى أخاه الإنجيلى مهرطقا وخارجا عن الملة. وفى النهاية سيكفر الأب ابنه والأخ أخاه. وقتها سنجد لافتة تقول: مرحبا بكم فى العصور الوسطى المظلمة أو فى أحسن الأحوال : مرحبا بكم فى إمارة «طالبان» الإسلامية العظمى.