يعيش الزبالون في مدينة القاهرة فوق تلال ضخمة من القمامة .. يلعب الأطفال بالقمامة وفي داخلها! .. أو يعملون على "تصنيفها" لمساعدة ذويهم ماديا من حصيلة بيع بعض ما يجدونه يصلح للبيع كخردة من هذه القمامة ، بينما تتولى النساء مهمة استخراج بقايا الطعام الذي تعفن لكي تأكله الخنازير التي تعيش أيضا معهم وسط أكوام القمامة! هذا المشهد ، هو مشهد "عالم الزبالين" في القاهرة الذي لا يخلو من الروائح الكريهة المنفرة كما وصفه مايكل سلاكمان مراسل جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية في القاهرة. يقول سلاكمان في تقريره إن مئات الآلاف من المصريين يعيشون في قلب هذا المشهد ، وقد جعلوا من قمامة القاهرة مصدرا لرزقهم ، ويخشون من أن تحرمهم الحكومة المصرية منه بعد أن تفجرت أزمة مرض أنفلونزا الخنازير. "ليست وظيفة .. إنها حياة" .. هذا ما قاله عزت نعيم جندي حفيد أحد الزبالين الذي يعيش في داخل المشهد نفسه ويدير إحدى المنظمات الأهلية المعنية بتعليم أبناء الزبالين. جاءت بداية الأزمة مع ظهور مرض أنفلونزا الخنازير وقرار الحكومة المصرية بإعدام حوالي 300 ألف خنزير - في محاولة منها لمنع انتشار الفيروس - وهو الأمر الذي انتقدته المنظمات الدولية خاصة في ظل عدم ظهور أي حالات داخل مصر ، وعلما بأن الخنازير نفسها لا تنقل العدوى ، بحسب ما يقوله محرر نيويورك تايمز. وأكدت السلطات المصرية من جانبها أنها ستتبع أصول الشريعة الإسلامية في عملية الذبح ، وستقوم بتجميد اللحوم في ثلاجات مخصصة بعد ذلك ، لكن تقارير صحفية محلية تابعت قوافل الرعاية البيطرية ، واكتشفوا أن الشاحنات كانت تنقل الخنازير الحية إلى إحدى المناطق وتلقي بها في حفرة عميقة وتردمها. وفي عمليات أخرى كان يتم قتل الحيوانات أو ضربها بآلات حادة وإلقائها في حفرة كبيرة وردمها أيضا. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية ، فإن عمليات الإعدام لم تتوقف ، ومن جانبها ، أكدت الحكومة المصرية أن الهدف من تلك التدابير ليس وقائيا فقط لمواجهة أنفلونزا الخنازير ، إنما هي أيضا محاولة لتطهير مناطق الزبالين بصفة عامة.. وكانت مصر قد استعانت منذ عدة سنوات بشركات خاصة للنظافة ، لكنها لم تفلح ولم يتغير شيء بالنسبة لهؤلاء الزبالين. ويقول صابر عبد العزيز جلال رئيس قسم الأوبئة والأمراض المعدية في كلية الزراعة : "نريد أن نوفر للزبالين حياة صحية ونظيفة ، فهم يعيشون في ظروف قاسية جدا". وتقول نيويورك تايمز في تقريرها عن هذا الموضوع إن الزبالين – وأغلبيتهم مسيحيون – يعتقدون بأن الحكومة المصرية تتحجج بمسألة الأنفلونزا للتخلص من هذا الحيوان المحرم في الشريعة الإسلامية ، ويتفق معهم في ذلك القس سمعان إبراهيم قائلا "قلب الموضوع هو أن الخنازير غير مرغوبة داخل مصر". ولكن القضية أثارت مشكلة أخرى ، إذ كيف سيتم التخلص من أكوام القمامة؟ وماذا سيحل بالقمامة في غياب الخنازير التي كانت تتغذى عليها؟! يقول فارس سمير - 22 عاما – لمراسل نيويورك تايمز : "طالبوني بدفع مبلغ مقابل تخليصي من القمامة المتراكمة بعد أن أخذوا 125 خنزيرا كنت أمتلكهم ، لكن الآن ، عليهم أن ينسوا القمامة ، سأتخلص من تلك القمامة بنفسي في أي مكان"! ويقول الصحفي الأمريكي إنه كعادة كثير من القرارات المصرية التي تخرج بشكل مفاجيء وبدون دراسة ، فإن قرار إعدام الخنازير جاء بدون الأخذ في الاعتبار حياة ومصالح 400 ألف شخص يعيشون في هذا العالم. وأمعن مراسل الصحيفة الأمريكية في وصف النظام الوظيفي داخل الأسر القائمة على جمع القمامة ، حيث قال إنه يسير على النحو التالي : فالأخ الأكبر هو الوحيد الذي يتلقى التعليم المدرسي ، بينما يقوم باقي الإخوة بمساعدة الأهل ، وتعمل السيدات والبنات على فرز القمامة. ويقول باسم مصري – 11 عاما - إن يومه يبدأ في السابعة صباحا ليساعد والده في رحلة جمع القمامة ، ثم يعود إلى البيت في الرابعة عصرا لينام قليلا قبل أن يذهب إلى المدرسة الموجودة في المنطقة ذات الفصول المسائية ، وقال إن طموحه أن يصبح طبيبا في يوم من الأيام! وتعليقا على ذلك ، يبرز كاتب الموضوع التناقض الشديد بين حال الطفل "باسم" الذي يعيش في بؤرة موبوءة وسط تلال القمامة وبين طموحه في أن يصبح طبيبا همه الأول هو الحياة الصحية والبيئة المعقمة. ويضيف : "لكنها حياته وحياة الآلاف ممن حوله ، من الذين تعلموا التعايش مع واقعهم على الرغم من عدم رضاهم عنه". ويقول الزبالون إنهم لا يمانعون من تعديل النظام كما تريد الحكومة ، ولكن في الوقت ذاته لا يريدون دمارا لحياتهم. ويدور جدل الآن بين بعض الفئات المتعاطفة مع الزبالين حول جدوى تعلم فصل محتويات القمامة بحيث يتم نقل ما يصلح منها إلى مزارع خاصة لتربية الخنازير وحل جزء من المشكلة ، ولكن يبدو أن اقتراحا كهذا غير مطروح للتنفيذ. "أهداف الحكومة قد تكون نبيلة ، لكن تناولها للمشكلة مشكلة في حد ذاتها ، الحكومة دائما تفرض قراراتها بغض النظر عما نريد وتجبرنا على الالتزام به" ، كان هذا رأي السيد جندي مدير فصول محو الأمية الموجودة لأطفال المنطقة. ويلخص أحد القساوسة الموجودين في المكان المشكلة في جملة بسيطة جدا "إذا تم نقل القمامة ، سيموت الجميع ، فحياتهم هنا". يذكر أن النظام المعمول به حاليا لجمع القمامة من أحياء القاهرة يعود إلى عام 1940 حين زحفت مجموعة من الفلاحين إلى العاصمة تاركين أراضيهم بحثا عن فرص عمل أخرى في المدينة. وفي القاهرة ذات ال18 مليون نسمة تؤكد المنظمات الممثلة للزبالين أنهم يجمعون حوالي 6 آلاف طن من القمامة يوميا 60% منها عبارة عن بقايا طعام ، فيما تقوم الشركات الخاصة بجمع طنين فقط!