فى المنطقة الواقعة بين محافظتى الجيزة وأكتوبر، تقع حظائر المعتمدية، التى يعتمد سكانها فى الأساس على جمع القمامة وفرزها وإطعامها للخنازير.. هى واحدة من أكبر بؤر تربية الخنازير فى القاهرة الكبرى، لذلك كانت إحدى النقاط التى بدأت من خلالها وزارات الصحة والزراعة والتموين إعدام الخنازير الموجودة فيها وسط حراسة أمنية مشددة. فى الطريق إلى هناك توجد أكثر من 5 أكمنة مرورية، لا تهتم بالرخص أو المخالفات المرورية قدر اهتمامها بهوية الداخل إلى المنطقة والخارج منها، يجلسون فرادى أو جماعات فى زيهم العسكرى، بعضهم ملَّ من ارتداء الكمامة التى وزعتها عليهم لجان الطب البيطرى وتركها مدلاة أسفل لحيته، والبعض الآخر يصر على ارتدائها، الدخول هناك لغير موردى القمامة وسكان القرية أمر غاية فى الصعوبة، سيارات الأمن المركزى تطوق المنطقة، والضباط وأمناء الشرطة سحبوا مقاعد المقاهى إلى حرم الطريق وتناثروا فى كل مكان، إلا أن أحد موردى القمامة استطاع أن يقلنا بسيارته إلى الداخل لنتعرف على تأثير أزمة انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير على سكان هذه المنطقة. استخدام الكمامة والقفازات الطبية يضع عائقاً كبيراً فى تعاملك معهم، من الأفضل أن تتحمل الروائح والذباب كى يتحدثوا عن همومهم بصراحة، سلوى أربعينية غير متزوجة، تعيش مع أفراد أسرتها المكونة من 15 فرداً، كلهم يعملون فى المهنة نفسها، تجلس مع أمها وأخواتها من أجل الفرز، بقايا الطعام يلقونها للخنازير، والعبوات البلاستيكية خصص لها أحد أركان الكوخ المصنع من الصفيح، وعلى كومة لم تفرز بعد يجلس طفل فى عامه الثانى، اسمه ياسر، هو ابن إحدى العاملات فى هذا الكوخ، انتقت نصف تفاحة من بين أكوام القمامة ودستها فى «حلة» مملوءة بماء نظيف ثم ألقمتها للطفل الذى دسها على الفور فى فمه بحركة بديهية وتعلق «أهى حياتنا زى ما انتو شايفين كده.. بناكل وننام ونعيش على الزبالة.. وياريتهم سايبنا فى حالنا، إحنا بعدنا عن الناس وعزلنا نفسنا وبعدين لاقيناهم بيحاصرونا بالشرطة وبيعزلونا أكتر.. هو إحنا طلبنا منكم حاجة؟» وعندما تسألها عن فيروس أنفلونزا الخنازير تقول «قصدك كدبة الحكومة.. دى كل يوم تطلع علينا بكدبة عشان يمشونا من هنا». تعيش سلوى وأسرتها على هذه المهنة التى توارثتها عن الأجداد لا يدخلون المدارس ولا يتعلمون ويتزوجون فيما بينهم، راضون بكل شىء عدا أن تؤخذ منهم خنازيرهم عنوة ويتم ترضيتهم عن الحيوان الناضج بما لا يكفى شراء كيلو من اللحم. محمد الدسوقى، شاب عشرينى، اعتمد والده فى تزويج بناته وفى تعامله مع أى ضائقة مالية تلحق به على بيع بعض خنازيره، الآن لا يساوون شيئاً، وخطيب أخته هو الآخر والذى يعمل مساعداً لأحد متعهدى القمامة يبحث عن مهنة أخرى ولا يجد أصحاب المطاعم رفضوا تشغيله بحسب محمد لأنهم «قرفوا» منه لقضائه أغلب حياته وسط الخنازير «مش ربنا اللى خلقهم».. وأصحاب التاكسى لا يجدون من يضمنه ليسلموه سياراتهم، ولا يجد من يساعده لأنه يعيش فى مجتمع مغلق على نفسه ولا يفضل أحد الاحتكاك بهم. أما يسرية فقد تشجعت عندما رأتنا نحمل كاميراتنا ونجوب وسط الحظائر «طالما انتوا شطار كده وعرفتوا تضحكوا عليهم وتدخلوا هاخلى الناس تتكلم معاكم»، تؤكد أن الشرطة منعت الصحفيين أمس وأمس الأول من دخول المنطقة ومنعت الأهالى من الخروج إليهم والحديث معهم، لها فى خطوة تصفية الخنازير بالذبح أو الإعدام نظرية خاصة: «هما مالقوش حاجة يسرقوها فى البلد غير الخنازير فقالوا ياخدوها بالمرة.. بس أنا زعلانة قوى.. هى البلد فضيت بالسرعة دى» تتكلم بجدية صارمة، تؤمن بنظرية المؤامرة، لا شىء عندها يبرر ذلك، يتدخل زوجها رفعت مؤكداً «لو الحكومة بتعمل الحاجة دى صح بتمنع الصحافة ليه؟ خايفين من إيه؟ هما عايزين يخلصوا مننا وأديهم بيصفوا الخنازير ويصفونا معاهم.. ومش هانسيب الخنازير تخرج من هنا إلا على جثثنا» يقول إنهم يعيشون وسط الخنازير منذ سنين، ولدوا بينها وتربوا معها ولم يمرضوا ولم يتأثروا، «والمرض اللى بيقولوا عنه فى آخر بلاد المسلمين.. هاييجى الزرايب إزاى؟». الحياة هناك متباينة، فالمربون الذين أعدمت خنازيرهم تحولوا إلى فرز القمامة مؤقتاً، ومن ينتظرون الدور يمنون أنفسهم بأن تتراجع الحكومة عن «أذيتهم على الفاضى» وأن يعيدوا لهم حقوقهم التى سلبت منهم «دون وجه حق».