يشعر قطاع من المواطنين فى مصر أن الأحزاب السياسية، قديمها وجديدها، بتنافسها وعملها الجماهيرى واستعداداتها للانتخابات تباعد بين الرأى العام وبين الاهتمام باستكمال أهداف الثورة. فعلى سبيل المثال، عبرت لافتات وهتافات محتجى يوم الجمعة الماضى بميدان التحرير عن محدودية ثقتهم فى قدرة الأحزاب على الانتصار لحقوق شهداء ومصابى الثورة بالضغط من أجل محاكمات عادلة للمتورطين فى قتل المصريين، أو على مطالبة السلطات بإصلاح الأجهزة الأمنية والحيلولة دون عودتها إلى ممارسة العنف المفرط ضد المواطنين، أو على التعامل بالجدية المطلوبة مع أزمات الأجور والفقر والبطالة بهدف التأسيس لمجتمع العدالة الاجتماعية. ومع تأييدى للمطالب العادلة المتعلقة بحقوق أسر شهداء ومصابى الثورة ومحاكمة قتلة المصريين (بالطبع مع الرفض القاطع لخطاب القصاص فى علاقته بالمتورطين فى قتل المصريين ودعوتى لاستبداله بخطاب دولة القانون والمحاكمات العادلة) والتحقيق فى عنف الأجهزة الأمنية والتشديد على ضرورة إصلاحها ومواجهة أزمة غياب العدالة الاجتماعية، إلا أننى أحسب أن الأحزاب تُسأل هنا عن أمور تتجاوز نطاق فعلها السياسى وتحمل ما لا طاقة لها به. فملفات الشهداء والأجهزة الأمنية والعدالة الاجتماعية هى ملفات حكومية بالأساس، والحكومة الحالية ليست حكومة أحزاب. وجل ما تملك الأحزاب فعله فى هذا السياق وهى خارج دوائر الحكم يتمثل فى تبنى المطالب العادلة هذه سياسيا والإسهام فى الضغط الشعبى من أجلها. والمؤكد أن أكثر من حزب، خاصة من بين الأحزاب الجديدة، يلعب هذا الدور بمسئولية والتزام وطنيين واضحين ولا يستحق من ثم أن يزايد عليه بادعاء التفريط فى استكمال أهداف الثورة. من جهة أخرى، تظلم الأحزاب عندما تتهم بأنها تضيع طاقة الوطن بتنافسها الجماهيرى والانتخابى. مصر مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية (وربما محلية) خلال الأشهر القادمة والأحزاب هى الأدوات الرئيسية للمشاركة فى الانتخابات. بل إن تنافس الأحزاب على اجتذاب المواطنين كأعضاء ومناصرين وناخبين يسهم فى بقائهم قريبين من السياسة وقضاياها ويحول دون عودة الأغلبية إلى وضعية عدم الاكتراث بالقضايا السياسية. بصورة مبدئية إذا، لا ضرر فى النشاط الانتخابى للأحزاب ولا فى عملها الجماهيرى فى المدن والمناطق الريفية. إلا أن هناك من النواقص والسلبيات فى فعل الأحزاب ما يبرر محدودية ثقة المواطنين ويدق جرس الإنذار لقياداتها إن أرادت بجدية الإسهام فى استكمال أهداف الثورة وتحقيق التحول الديمقراطى. أغلبية الأحزاب لا تتواصل مع المواطنين انطلاقا من برامج محددة توضح ما يعتزم الحزب القيام به حال النجاح فى الانتخابات البرلمانية وربما المشاركة فى الحكومة. يستبدل حديث البرامج بعموميات المواقف السجالية (مواقف المع والضد) عديمة الفائدة فى حياة سياسية نريدها ديمقراطية. يحد غياب البرامج من ثقة المواطنين ويجعلهم يتساءلون عن الأهداف الحقيقية للأحزاب. كذلك يفقد الأحزاب مصداقيتها ضلوع بعضها فى حسابات انتخابية مبكرة للغاية، جوهرها تقاسم مقاعد برلمان لم يتضح بعد كيف سيتم انتخابه. هنا ينظر لفعل هذه الأحزاب كامتداد للنهج الذى اتبعته الأحزاب القديمة خلال عقود مبارك والذى دفعها دوما للتفكير فى كيفية الحصول على مقاعد فى البرلمان وليس فيما تريد إصلاحه وتغييره عبر هذه المقاعد. تظلم الأحزاب حين يزايد عليها بأنها تضيع الثورة، إلا أنها تنتقد عن حق لغياب برامجها المحددة ولحساباتها الضيقة.