فى الجولة الأولى، فاز بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، على الرئيس باراك أوباما. وهو ليس أمرا جيدا بالنسبة للمصالح الأمريكية ولا للأمن الإسرائيلى فى الأمد الطويل. فلم ينجح الإفراط فى تبادل المجاملات فى إخفاء التوترات البادية حول إيران والمشكلة الإسرائيلية الفلسطينية وكيفية الربط بين القضيتين. ويبدو أنه فى نهاية الأمر، دفع هذا التوتر أوباما للتراجع. فقد رضخ الرئيس أمام ضغط إسرائيل لصالح وضع جدول زمنى بشأن أى محادثات إيرانية، قائلا إنه من الممكن التوصل إلى «إعادة تأكيد» بحلول نهاية العام (ضغطت إسرائيل لوضع مهلة تنتهى فى أكتوبر). وتحدث أوباما عن إمكانية فرض «عقوبات دولية أكثر قوة» على إيران، ما قضى على عرضه المبكر غير المسبوق، الذى تضمن اعتراف تأخر كثيرا: «هذه العملية لن تحقق نجاحا عبر التهديدات». وسمح أوباما أيضا بأن يثنى نتنياهو عن «تركه جميع الخيارات على الطاولة». وهى الصياغة المعتادة للإشارة إلى احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية على إيران فى حين أنه لم يقل شيئا من هذا القبيل. ومع ذلك، استخدم الرئيس تلك العبارة المبتذلة فى مقابلة أجرتها معه «نيوزويك» هذا الشهر، وهو خطأ آخر، إذا وضعنا فى الاعتبار العواقب غير المتصورة لفتح جبهة حرب أمريكية ثالثة مع العالم الإسلامى. وفى المقابل، ما الذى حصل عليه أوباما؟.. لم يحصل من نتنياهو حتى على اعتراف بأن الهدف المفترض من المفاوضات، هو دولة فلسطينية، وليس شكلا من أشكال التجاهل الأبدى. وكانت النتيجة واحدا لصالح نتنياهو، وهو، وفق تعبير مسئول أمريكى سابق يعرف نتنياهو جيدا بأنه «نوع من الرجال لا يتفاوض إلا فى الوقت الذى سيذهب فيه إلى الحمام». لقد حان الوقت لنكون واقعيين، خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار الاختبار النووى الذى جرى فى كوريا الشمالية. ويعتبر هذا الاختبار تذكيرا لنا بأنه بينما الأسوأ قد وقع فى جزيرة كيم يونج إيل المعزولة، فهو لم يقع بعد فى إيران، ومازال يمكن تفاديه إذا جرى انتهاج سياسات فعالة ومبتكرة. غير أن ذلك سيتطلب من أوباما إبداء عزيمة إستراتيجية بدلا من الثرثرة لتحسين صورته. وهناك ثلاثة أمور واضحة، أولها: إذا سمح أوباما أن تصبح أجندة إسرائيل بالنسبة لإيران، أجندة أمريكية، يكون قد قضى على تميُّزه. ولا أعلم ما إذا كانت إسرائيل تخادع بشأن قصف إيران أم لا، ولا أحد يعرف ولكن هناك شيئا واضحا، هو: أن عدائية نتنياهو لا تلين، مثلها مثل رغبته فى صرف الانتباه عن دولة فلسطين التى يجرى إجهاضها وتدمير مشروعها. وقال نتنياهو، الأسبوع الماضى: إن مهمته هى «القضاء» على التهديد الإيرانى، معلنا «إما نحن أو لا أحد». وعندما تحوِّل إسرائيل الآن مؤشر الخطر نحو إيران، فهذا يتعارض مع معلومات استخبارية أمريكية توصلت إلى أن إيران لم تقرر إنتاج قنبلة، كما أن أمامها ما يتراوح بين عامين وخمسة أعوام قبل أن تمتلك القدرة على ذلك. فمن الضرورى أن يتمسك أوباما بإطار عمل أمريكى يتيح الوقت اللازم لتجاوز 30 عاما من الجمود فى العلاقات مع طهران. وربما كان على أوباما أن يتذكّر بأنه لو أن أحدا، قبل خمس سنوات، سأل عما إذا كان يوجد على مؤشر الخطر الإسرائيلى دولة اسمها إيران ذات ستة آلاف جهاز للطرد المركزى، وأكثر من طن من اليورانيوم منخفض التخصيب، ومستوى يستعصى على الكبح من المعرفة التقنية النووية لكانت الإجابة «صحيح.. تماما». لكن العالم لم يصل إلى نهايته، رغم جميع محاولات نتنياهو الخطيرة المحملة بالأساطير لتشبيه إيران بالعماليق، أعداء اليهود فى التوراة، والذين قيل للإسرائيليين إن عليهم أن يقتلوهم جميعا «رجالا ونساء، أطفالا ورضعا، بقرا وغنما، جمالا وحميرا». والحقيقة الأساسية الثانية هى أن لعبة العقوبات تكشفت عن مهزلة فارغة. فلن تكون هناك «عقوبات معرقلة»، وفق تعبير هيلارى كلينتون لأن لدى الصين وروسيا مصالحهما الخاصة فى إيران. فلم تقدم بكين سوى صياغات لفظية لتخفيف العقوبات، بينما أصبحت ثانى شريك تجارى لإيران خلال السنوات الأخيرة؛ فالمنتجات الصينية تغرق طهران. وعلى الجانب الآخر، تتولى موسكو تدريب المهندسين الإيرانيين، بينما تحسب المدى الذى يمكن أن تستخدم فيه إيران لتقليص الهيمنة الأمريكية على العالم. فهناك سباق على إيران، باحتياطاتها الضخمة من البترول والغاز، وستكون الصين وروسيا فى صدارة ومركز هذا السباق. ولن ينجح فى تحقيق تأثير ملموس، إلا حصار أمريكى، غير أن ذلك يعتبر عملا من أعمال الحرب. والعقوبات المشددة تساوى عودة إلى سياسات عهد بوش العقيمة. والتى لن تكون لها فاعلية تزيد على فاعليتها فى حالة كوريا الشمالية. والحقيقة الثالثة، هى أن على أوباما أن يتحول عما أطلق عليه نادر موسوى زاده من المعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية أخيرا: «الخلط بين التجديد الخطابى والاستمرار السياسى»، إلى تفكير جديد بشأن إيران بعيدا عن تكرار أسلوب العصا والجزرة. ويجب البدء بمخاوف إيران الفعلية قوة متوسطة الحجم تواجه القوة العالمية العظمى ويكاد يكون من الضرورى طرح خيار حقيقى باعتباره نهاية المباراة تحتفظ فيه إيران ببرنامج رائد محدود لتخصيب اليورانيوم، يخضع للتفتيش المباغت، بينما تتخلى عن خطابها غير المقبول، وإثارتها للمتاعب، حتى تصبح جزءا ضمن ترتيب أمنى إقليمى جديد. وقد تحدث نتنياهو كثيرا عن «التهديد الوجودى» الذى تمثله إيران. بينما تواجه الولاياتالمتحدة تهديدا يوميا مزعجا: سوف يموت المزيد من الشباب الأمريكيين، رجالا ونساء، فى العراق وأفغانستان خلال عدة سنوات مقبلة ما لم يتم التوصل إلى حل مشكلات الشرق الأوسط، والتى من ضمنها بالتأكيد المسألة الإيرانية. وعلى أوباما تذكير إسرائيل بذلك. عليه أيضا أن يبلغ نتنياهو أن التهديد الوجودى الحقيقى لإسرائيل، ليس العماليق وإنما الغطرسة: فأى هجوم على إيران، سوف يجعل الدولة اليهودية فى حرب مع الفرس بالإضافة إلى العرب، ويقوض قلب التحالف الأمريكى، ويضع طهران بأقصى سرعة على طريق إنتاج قنبلة نووية، يدعمها فى ذلك نحو مليار ومائتى مليون مسلم.