كانت المنظومات الأمنية فى مصر تحتل مركزا مهيمنا فى النظام السياسى. ومنذ رحيل الرئيس مبارك، أضحى إصلاح القطاع الأمنى رهانا مركزيا وموضوع نقاش فى مصر. وقد استند أكليمندوس فى معالجته إلى الأفكار المتعارف عليها وقراءات الصحف والشائعات. وهو يقدم لنا مقاربة غير تقليدية لقطاع الأمن فى مصر. ويقترح بعض النقاط التى يعتقد بإمكانية ملاءمتها لتحفيز عملية إصلاح القطاع الأمنى: على الرغم من ضرورة النقاش المجتمعى، فهو يعتقد بأن أى عملية إصلاح لا يمكن أن تنجح إلا إذا قادها فاعل أو أكثر ممن لهم شرعية قائمة ومعترف بها من قبل أعضاء المؤسسات الأمنية التى هى بحاجة للإصلاح. وبعبارة أخرى، أكثر العاملين احترافا واحتراما فى القطاع. ••• المسألة المركزية المتعلقة بمراقبة نفقات المؤسسات الأمنية تحتاج إلى مسار متدرج لمأسسة الممارسات التقييمية. والخطوة الأولى فى هذا الاتجاه تكون بتكليف لجان مؤلفة من القادة المخضرمين فى هذه المؤسسات لهذه المهمة. بما أن غالبية ضباط الأمن نشأوا وجندوا ومارسوا عملهم فى ظل حالة الطوارئ، فمن الملحّ إعادة الهيبة إلى مبدأ سيادة القانون، ولو لزم الأمر، فى مرحلة أولى، قبول نصوص تشريعية قمعية. إن طبيعة التحديات الأمنية الجديدة تطرح مشكلات قضائية حتى فى الديمقراطيات المتقدمة. على الرغم من أن الأمر ليس بعاجل، فإن مسألة التكوين الاجتماعى للمؤسسات الأمنية أساسية. يجب النظر فى تطبيق سياسة التمييز الإيجابى والتى تسمح للشباب من الطبقات الفقيرة بأن يتم قبولهم فى أكاديمية الجيش أو الشرطة. وهذا الأمر ضرورى من أجل تحسين الممارسات والتخلص من الأحكام المسبقة على المدى الطويل. يجب عدم التقليل من أهمية صف الضباط فى الجيش وأمناء الشرطة فى الأمن. يجب إعادة النظر فى تأهيل وتدريب هذه الفئات المحورية فى المؤسسات الأمنية. ويجب على رؤسائهم اشعارهم بأهمية العمل الذى يقومون به وتصور طرق جديدة للترقى الداخلى. يجب ألا تكلف القوات المسلحة أو المخابرات أو الأمن الوطنى الجديد بمكافحة وقمع الفساد. فمهامهم كثيرة وهذا الموضوع يحتاج إلى تدريب محدد. ••• «كيف يمكن رفع هيمنة المؤسسات الأمنية عن كاهل المجتمع المصرى؟». ليس من الممكن إصلاح نظام أو مؤسسات بدعوتها للانتحار. يمكن لنا ليس (فقط) من خلال إصلاح الأجهزة الأمنية أن نعدل من علاقة القوة فيما بينها من جهة والمجتمع والمؤسسات الحكومية الأخرى من جهة أخرى. بل يجب أيضا العمل على تطوير مؤسسات أخرى قادرة على القيام بنفس المهام، وترشيد عمل مجمل الأجهزة الحكومية، وتأسيس نظام تربوى فعّال. وهذا يحتاج إلى الكثير من الجهد، ومن الوقت.... إن نمو الأجهزة الأمنية ومركزيتها رد على حالة شديدة الخطورة. والتذكير بذلك ليس إنكارا لسوء هذه الأوضاع وتداعياتها السلبية، كذلك فإننا لا ننسى أن المؤسسات قادرة على فرض لغتها وفرض الحاجات التى تعطيها شرعيتها واستمراريتها. جدير بالذكر أن الخطاب الرسمى والمعارض قد تبنى مصطلحات أمنية. فإذا أراد أن يتحدث عن مسألة شديدة الأهمية سيقول إنها قضية أمن قومى. بذلك أصبح مستقبل التربية مسألة أمن قومى، وأصبحت خصخصة القطاع الأمنى مسألة تؤثر سلبا أو إيجابا على الأمن القومى، ناهيك عن القضايا الدينية أو الأوضاع فى سيناء. إن التذكير بالبعد الموضوعى لهذا الأمر لا يعنى إنكار هيمنة الأجهزة الأمنية التى خلقت عددا من الدوائر المفرغة. إن استمرار الأجهزة الأمنية فى سد ثغرات أجهزة الدولة الأخرى من شأنه أن يزيد من حجم هذه الثغرات فالمؤسسات التى تنجح فى أداء مهامها تحصل على مصداقية أكبر بكثير من غيرها من المؤسسات التى ينظر إليها على أنها ليست كفئا. قبل سقوط مبارك كان من الشائك اقتراح أية إصلاحات لأى مؤسسة بينما كانت طريقة عملها الرسمية وغير الرسمية وشبكاتها وهيكل تفاعلاتها فى الداخل ومع محيطها مجهولة. ولما كانت هذه المؤسسات مركزية فى عملية بناء الدولة الوطنية والحفاظ عليها وحفظ السلم المدنى وتنظيم العلاقات والتفاعلات بين المركز والأطراف كان منطقيا أن يخشى المسئولون الإقدام على مجازفات غير ضرورية من شأنها أن تضعف هذه الأجهزة بحجة إصلاحها، لذا فإن إنجاح الانتقال الديمقراطى يقتضى تعزيز هذه المؤسسات وليس تفكيكها. من جهة أخرى شكلت الانتخابات فى مصر مسرحا للمواجهات العنيفة من قبل جميع الفاعلين. المطلوب الآن تنظيم انتخابات حرة. وأن تكون الشرطة حيادية وقوية. ••• فى النهاية يتطلب الوضع إعداد مقترحات لإصلاحات ملموسة فى المؤسسات الأمنية وحشد ثمرات التطور الأكاديمى فى اختصاصات متعددة ولاسيما نظرية الأنساق والسياسات العامة وتقييم هذه السياسات ونظريات العلاقة بين السلطة الوطنية والسلطات المحلية وبصفة عامة مختلف النظريات فى مجال العلوم السياسية والأنثروبولوجيا.