كان من الطبيعى أن تشرح له وتعدد أسبابا وجيهة ليقتنع بها حينما باغتك سائلا: "لماذا قمتم بالثورة؟".. و لأنه لا يليق أن تكون إجابتك نفس إجابة عادل إمام فى مسرحية الزعيم حين أجاب على هذا السؤال بأنه لا يعرف السبب الحقيقى لقيام الثورة "لأنه كان ف الحمام ساعتها!", لذا كان من الواجب ياصديقى أن تعتصر كل ما تعلمته على مدارعمرك لتُخرج له إجابات منطقية تسد رمق السائل. نعم ربما قلت َله.. لقد قمنا بالثورة من أجل القضاء على الفساد ورؤوسه ونظامه وحزبه.. أو ربما قلت له لقد قمنا بالثورة من أجل استرداد هذا الوطن وحتى يتمكن "وائل غنيم" من كتابة الاستيتس الشهيرة على صفحته ليلة التنحى "حمدالله ع السلامة يامصر". وربما أيضا قد أقنعته بأننا قمنا بالثورة لأن الظلم قد جاوز المدى وأهلك الحرث والنسل واستبد الطغاة لدرجة لا يمكن تحملهم أو تحملنا معها!.. ربما أيضا ياصديقى قد تفتقت عنك فكرةٌ ألمعية وأجبته بأننا قد قمنا بالثورة من أجلك أنت أيها السائل من أجل حقوقك.. كرامتك.. من أجل أن تمشى فى الشارع ليلاً بلا خوفٍ يزحف نحوك من أزرق الشرطة المظلم بكل تفاصيله من "بوكس وظباط ومخبرين وشِعار تنظر إليه فتخاف لسبب غير معروف!!". أو ربما أجبته بإجابات الساسة والفلاسفة التى تفهمها والتى لا تفهمها حتى تظهر أمامه شخصا قويا ذا حُجَّة دامغة.. لكنْ ياصديقى العزيز لا أخفيكَ سرًّا بأنَّ كل ما قلته رغم صحته وصوابه وإن شئت "هبصم عليه بالعشرة"، إلا أنه يظل بارداً لا يمنحنى ما يكفى من دفء الثورة ووقودها.. يظل روتينيا بلاستيكيا لا يشبع نهمى فى البكاء أوالفرح.. يظل هامشيا رغم أهميته فى أنه لم يرض ِ ما تبقى منى من روح ٍ بائسة أنهكها طول الانتظار. لذلك ربما رأيتُ أسباباً أخرى تقوم بنفس المهمة التى أردتَ أن تحققها وتخرجك أيضا من مأزق إجابة عادل إمام الشهيرة, لذلك فاسمحلى أن أذكر ثلاثة أو أربعةً منها.. إننا لم نقم بالثورة من أجل إسقاط نظام فاسدٍ وحسب, بل من أجل بناء نظام يحترم حق الأطفال فى رضاعة هادئة وابتسامة غير مضطربة خائفة من المجهول. من أجل بناء نظام يحترم مواطنيه ويقدر شهداءهم ويمسح بعدله دموع ملايين الأمهات اللاتى يرتمين كلَّ مساء ٍ فى حضن الذكريات ليهربن من برد الوطن!!.. نعم ربما ترانى كلاسيكيا أو مُنظِّرا "فرحان بكلامه" لكن ببساطة هذا هو الواقع عندى.. ما أعرفه أننا قمنا بالثورة من أجل ألا ينام طفلٌ مُقعَدٌ ذات ليلة قلقاً من أنَّ أحد والديه أو كليهما لن يستطيعا أن يقتاداه إلى الحمام لقضاء حاجته فى الليل لا لشئ إلا لأنَّ حجافلاً بشرية داهمت المنزل قبيل الفجروألقت القبض على من فيه بدعوى أنهم "مثقفون"!!. نعم أنا رومانسى لأنى أؤمن أننا قمنا بالثورة للقضاء على الفقر قاتله الله ولئلا تعذبنى تلك المرأة التى تغرز ألمها فى قلبى كل يوم حين أراها وهى تعاند الفقر بأعواد من النعناع الأخضر تبيعها لتشترى لرضيعها علبة اللبن بعد أنْ خجل ضرعها من وليدها حين لم يجد ما يقدمه له!! . أؤمن أيضا ياصديقى أننا قمنا بالثورة من أجل أم الشهيد التى تحتضن صورته كل مساءٍ ثم تبكى بشدة ثم تفرح فجأة لسبب لا تعلمه ثم تربط رأسها بمنديل وتستقوى بصورة شهيدها وتنام فى النهاية مطمئنةً فى غرفته المظلمة!!. أراكَ ياصديقى قد اكتفيت بمشاهد اليوم وتأثرتَ بها وبدأتَ "تقاوح" دموعك.. نعم ببساطة ياسيدى وبدون فلسفة أو سفسفطة أو إسقاط ... لقد قمنا بالثورة من أجل كل هذا وغيره .. قمنا بالثورة .. من أجل الحياة!!.