ترامب: أمنح لقائي مع بوتين في ألاسكا تقييم 10 على 10    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهة الزمالك ضد المقاولون.. وظهور برشلونة ومانشستر سيتي    القبض على التيك توكر علاء الساحر لظهوره فى مقاطع فيديو يعتدى على أشخاص    مهرجان العلمين الجديدة.. مروان بابلو يختتم حفله بفقرة الألعاب النارية وسط تفاعل الجمهور    سعر اليورو اليوم السبت 16 أغسطس 2025.. كم سجل أمام الجنيه المصري في البنوك؟    أسعار الفراخ اليوم السبت 16-8-2025 بعد الارتفاع الجديد وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    السيسي يوافق على ربط موازنة الهيئة الوطنية للإعلام لعام 2025-2026    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم في مصر السبت 16-8-2025 بعد الهبوط الكبير    بعد حريق محطة سلوا، عودة الكهرباء إلى أكثر من نصف مساكن إدفو في أسوان (صور)    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    ترامب: تطلع أمريكي روسي لوقف حرب أوكرانيا.. واتفقت مع بوتين على معظم النقاط    المستشار الإعلامي للأونروا: مصر لا تتأخر في تقديم المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة    ترامب بعد لقائه بترامب: أحرزنا تقدما إلا أننا لم نتمكن من التوصل لاتفاق نهائي    هل كتبت انتخابات الشيوخ نهاية الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ صبرة القاسمي يجيب    «امتلك 3 حراس».. تعليق ريبيرو بعد خطأ شوبير في مباراة فاركو    صلاح يقود ليفربول للفوز على بورنموث برباعية في افتتاح الدوري الإنجليزي    أول تعليق من مدرب فاركو بعد الخسارة أمام الأهلي    تنسيق الجامعات 2025، خطوات التقدم للالتحاق ببرامج الساعات المعتمدة بآداب القاهرة    «الجو هيقلب».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: أمطار ونشاط رياح    إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    حلا شيحة تفاجئ جمهورها ب إطلالة محتشمة في أحدث ظهور.. ماذا قالت؟    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    فريق "واما" يشعل حفل "رأس الحكمة" بحضور نجوم الفن ويحتفل بعيد ميلاد تامر حسني (صور)    اليوم، انطلاق تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" ووزير الأوقاف يقرر بثها على 4 قنوات    أنت ميزان حرارة طفلك.. متى تصبح حرارة الرضيع حالة طارئة تستدعي التدخل الطبي الفوري؟    الصحة تخصص خطا ساخنا لمعرفة أماكن توفير تطعيم السعار    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    "رقم مميز للأهلي".. 4 حقائق من اليوم الثاني للجولة الثانية بالدوري المصري    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    ريبييرو: الفوز على فاركو خطوة مهمة لمواصلة انتصارات الأهلي في الدوري    بوتين يفتتح المؤتمر الصحفي في قمة ألاسكا    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    جريئة ومُبهجة.. بالصور أجمل إطلالات النجمات في المصيف    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    صلاح يسجل..ليفربول يهزم بورنموث برباعية في افتتاحية الدوري الإنجليزي    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    القانون يحدد ضوابط العلاوة التشجيعية للموظفين.. إليك التفاصيل    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    ليفربول يدين الهتافات العنصرية ضد مهاجم بورنموث    بعد تصديق الرئيس.. القانون يمد خدمة المعلمين المتقاعدين لمدة 3 سنوات    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    بعد ساعات.. غلق كلي ب كوبري الجلاء في الاتجاهين لمدة 3 ساعات    قرار هام من التريبة والتعليم حول تظلمات الدفعة الثانية ل 30 ألف معلم    وكيل صحة المنوفية يوضح حقيقة سقوط أسانسير مستشفى بركة السبع    أخبار 24 ساعة.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا    تليفزيون اليوم السابع يستعرض أبرز ما يميز النسخة المطورة من تطبيق مصر قرآن كريم.. فيديو    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    خطيب الأزهر يحذر من فرقة المسلمين: الشريعة أتت لتجعل المؤمنين أمة واحدة في مبادئها وعقيدتها وعباداتها    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نيفين مسعد تكتب : رواية إبراهيم عبدالمجيد الجديدة.. فى كل أسبوع يوم جمعة
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 05 - 2009

أول ما يتبادر إلى الذهن من عنوان الرواية الجديدة لإبراهيم عبدالمجيد «فى كل أسبوع يوم جمعة» أنه يتناول نشاطا يتم فى يوم الإجازة الأسبوعية للغالبية الساحقة من المصريين، وهذا فى حد ذاته نصف الحقيقة.
فحتى ما قبل ختام الرواية بقليل يترك المؤلف القارئ تحت انطباع أن النشاط المقصود هو ضم عضو جديد للموقع الإلكترونى الذى أنشأته الشابة روضة رياض وقررت أن يكون يوم الجمعة هو اليوم الذى تفصل فيه فى طلبات العضوية.
فقط قرب النهاية يكتشف القارئ أن الكليك click على زر كونفيرم confirm أو إجنور ignore ليس هو النشاط الأسبوعى الوحيد لروضة رياض، فالعضو الجديد قد يكون صيدا ثمينا يدفع حياته ثمنا لعضويته فى هذا الموقع. على أية حال لن أحاول قراءة الرواية من آخرها ففيها من البشر والتفاصيل والعلاقات ما يستحق أن نتأمله ببطء واهتمام.
(1) دلالة المكان فى الرواية المصرية
كُتب كثير من كلاسيكيات الأدب العربى المعاصر داخل أمكنة مغلقة شكلت أطرا للتفاعل بين شخصيات، منها الأصيل ومنها الوافد على تلك الأمكنة. فلقد دارت أحداث «ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» لنجيب محفوظ فى داخل عوامة على النيل وبنسيون.
وذلك فى زمن كانت فيه العوامات تمثل ملمحا رئيسيا من ملامح القاهرة قبل أن تزحف عليها عوالم التغيير وتتحول بها إلى أثر بعد عين، كما كانت فيه ظاهرة البنسيونات التى يديرها أجانب يونانيون على الأرجح.
ظاهرة منتشرة لا سيما مع قلة انتشار الفنادق، اليوم لم يعد أحد يستخدم مصطلح بنسيون المأخوذ عن الفرنسية وأخلت الفيللات العريقة فى الزمالك وجاردن سيتى ومصر الجديدة مكانها لفنادق عملاقة يبنيها من يستطيع أن يشترى الأرض وما عليها.
وكان مسرح الأحداث فى رواية «الناس اللى فوق» لنعمان عاشور، وفى «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسوانى بناية، وفى «سكة السلامة» لسعدالدين وهبة أوتوبيسا، وفى «شرف» لصنع الله إبراهيم سجنا، وفى «تاكسى» لخالد الخميسى سيارة أجرة.
ومثل تلك الأمكنة المغلقة تحتاج فى نسج العلاقات بين مرتاديها إلى حنكة خاصة يتحايل بها الأديب على إملال الكادر الواحد. وانظر مثلا كيف تنقل بنا صاحب جائزة نوبل بين عوالم: عامر وجدى الوفدى القديم، وسرحان البحيرى انتهازى الثورة.
وزهرة سلامة الفلاحة رقيقة الحال، وحسن علام وطلبة مرزوق الإقطاعيين، ومنصور باهى المذيع الشيوعى، وماريانا ضحية ثورتى 1919 و1952. ومع كل شخصية من هذه الشخصيات كنا ننفتح على خبرة جديدة وذكريات غير الذكريات مع أن مكان الحدث واحد: بنسيون ميرامار.
أما رواية فى «كل أسبوع يوم جمعة» لإبراهيم عبدالمجيد فإن أحداثها تدور داخل موقع إلكترونى يهدف إلى أن يتخلص المنضمون إليه من الأرق والتوتر والعقد عندما يكتبون عن أنفسهم، ويتشاركون مع الآخرين فى حمل همومهم، فنجح الموقع نصف نجاح.
فقد استراح المشارك خميس جمعة الذى سافر ابناه للخارج فوجد فى الموقع من يتكلم معه ويبعث له برسائل يحولها لغيره أو يفرودها من forward لا يمحوها أو يدلتها من delete. لكن المشارك تامر كونيكشن لم يسترح فقد دخل الموقع وهو يشعر بالازدواجية أو أنه يقف فى مكانين، وبعد فترة تعقدت مشكلته وصار يشعر أنه يقف فى ثلاثة أمكنة.
اختيار إبراهيم عبدالمجيد موقعا إلكترونيا للفضفضة مسرحا للأحداث يعكس التغير الكبير فى أشكال التواصل فيما بين المصريين على مدى الخمس عشرة سنة الأخيرة.
إذ يمكن القول إن غرف الشات أو الدردشة فى البيوت وكافيهات الإنترنت حلت محل مقاهى ريش والماوردى وحتى الفيشاوى، اللهم إلا فى ليالى رمضان. فقد كان العوام يرتادون تلك المقاهى للعب الطاولة والدومينو.
والفرجة على المارة وتبادل الشكوى من الأبناء والزوجات. كما كان يرتادها المثقفون أو أنصاف المثقفين للثرثرة فى بعض ما يدخل فى نطاق الشأن العام. اليوم لا يكاد يخلو مقهى من وصلة للإنترنت بوابة العبور إلى الشات.
ومع أن مقاهى زمان كانت تفتح أبوابها لكل جيل، إلا أن المترددين عليها من أصحاب المعاشات كانوا أكثر. أما فى غرف الشات فقد صار الحال بالمقلوب، فأكثر روادها من الشباب ممن يشعرون بألفة تامة مع الكمبيوتر بل ولا يتصورون حياتهم من دونه.
لذلك فإن النماذج البشرية التى يقدمها لنا إبراهيم عبدالمجيد فى روايته الممتعة هى نماذج من نوع خاص، فأكثر قليلا من نصفها ينتمى إلى جيل السبعينيات والبعض منها ينتمى إلى جيل أو جيلين أسبق، ومع ذلك فإنهم جميعا يتفاعلون بكثافة مع المشاركين فى الموقع.
ويستخدمون المفردات «الإلكترونية» التى تعكس بوضوح النقلة النوعية التى شهدتها تعابيرنا اللغوية فى العقدين الأخيرين، ومن ذلك مفردات شات وكليك وكونفيرم وفورود ودليت وسيند وماوس وكى بورد.
(2) قصة وراء كل باب
شيئا فشيئا ينحت إبراهيم عبدالمجيد ملامح شخصياته الرئيسية التسع عشرة ثم يبدأ فى نسج شبكة عنكبوتية من العلاقات والتفاعلات فيما بينها. جميع تلك الشخصيات رسم بعناية فائقة ربما باستثناء شخصية أحمد بن على بن أحمد مدرس اللغة العربية الذى يلقى درسا أسبوعيا كل جمعة فى أحد المساجد.
بدت لى شخصية هذا الداعية الثلاثينى غير مقنعة، ولعلها أقرب إلى صورة الإسلاميين السذج الذين تجسدهم الدراما المصرية على الشاشتين الفضية والذهبية. فخطابه سطحى يهاجم الانفلات الأخلاقى لرواد الموقع، ثم لا يلبث أن يندمج معهم ويتبادل النكات.
ربما أراد المؤلف أن يشير من خلال تلك الشخصية إلى القشرة الدينية التى تغلف سلوك المصريين دون تعمق، ومع ذلك فإنها كانت تحتاج لرتوش أكثر، تقربنا من واقعها وتفسر لنا كيف يتعاطى هذا الداعية مع فكرة الشات، وكيف يتصور أن خطابه الضحل قادر على هداية المشتركين.
كان لكل واحد من المنضمين إلى موقع روضة رياض مبرره الخاص للإقبال عليه، فهناك مبرر تلميع المهنة الذى حرك الرائد لبيب بارع وجعله يستدر عطف الآخرين بالحديث عن رجل الشرطة الذى لا يذوق كباقى خلق الله طعم الإجازة، وتظل أعصابه مشدودة كوتر كلما كلف بتأمين موكب مسئول. كما جعله يبرر عنف الضباط بالاحتكاك بالمجرمين وبأنه من مستلزمات المهنة.
وكان مبرر الشخص الذى يكنى نفسه «بلا شىء» هو البحث فى الموقع عن شخص مهم يدله على أى مسئول يساعده فى الوصول إلى ابنيه التوءم اللذين أبحرا لإيطاليا ومنذ غادرا مصر لا حس ولا خبر.
وكمثل «لا شىء» كانت رنا الحزينة التى دخلت الموقع بحثا عن أحد يرشدها إلى سليمان شقيق زوجها، ذلك الشاب المنغولى الذى يقطن معها فى البناية نفسها، الذى اختلطت مشاعرها نحوه فلم تعد تعرف هل تحبه أم تشفق عليه.
أما الباحثون عن صيد ثمين من بين رواد الموقع فهم بالجملة. فهناك أستاذ العلوم السياسية الدكتور إبراهيم إبراهيم ذلك الكهل الأعزب الذى يطارد النساء داخل كليته وخارجها، ولهذا دخل الموقع.
وهناك زاهر على مدرس اللغة العربية أول مشترك فى الموقع وأول ضحاياه أيضا، فقد كان أول من قُتل من أعضاء الجروب. ساقه إلى حتفه ولعه بالنساء، يخطب ودهن بأسماكه التى يصيدها من أعالى البحار ويوصلها إلى منازلهن الواحدة منهن تلو الأخرى.
وهناك لميا المشتاقة مصممة الديكور التى تتجول فى الموقع بحثا عن رجل أى رجل، و«نهى وبس» تلك المضيفة الجوية السحاقية التى ترتاد الموقع لعلها تقع على امرأة تمارس معها شذوذها فتنجح فى اصطياد إحدى عضوات الجروب وتلازمها كظلها.
وانضم صابر عيد وتامر كونيكشن للموقع لغرض الفضفضة، الأول محاسب والثانى مهندس اتصالات، والاثنان تعارفا قبل التقائهما فى غرفة الشات عندما جمعت بينهما أمسية ذاقا فيها بطش الشرطة، فاستطاع الأول أن يتوازن بعد حين، أما الثانى فظل مصمما أن يأخذ حقه من الشرطة.
وكان أحمد بن على بن أحمد وأحلام عبدالله آخر المنضمين إلى الموقع، وكان لكل منهما رسالة يحب نشرها. وقد سبق أن تعرفنا على أحمد الداعية الذى يريد أن يكسب ثوابا بهداية الخلق، أما أحلام الشيوعية والمحاسبة بوزارة الرى فقد كانت تروج للوهم كما يفعل معظم الأيديولوجيين.
كانت أحلام تتحايل على بؤس واقعها فترى الفول لحمة وترى الخبيث طيبا، وكانت تعيش. والاثنان أحمد وأحلام يختلفان عن شخصية مختار كحيل رغم أن ثلاثتهم كانوا يحاولون التمعن فى أسباب النشوء والارتقاء لكن من زوايا مختلفة.
فمختار كحيل لم يكن يملك إجابات لقضايا الفقر أو الخير والشر، لكنه كان يشعل رءوس مرتادى الموقع بأسئلة فلسفية وميتافيزيقية وهو على عكس أحمد وأحلام لم يكن لينطلق من يقينيات، فبالنسبة له كان الأصل هو الشك.
وبالطبع كانت الثرثرة سببا من أسباب الالتحاق بغرفة الشات فشات معناها الدردشة، ولا يعقل أن يدخل الغرفة من يعاف الكلام. وقد سبق أن تكلمنا عن خميس جمعة الرجل المسكين والد التوءم المفقود، والآن يمكن أن نضيف سعاد سعيد فتاة الكافيتريا التى تشتاق إلى كلام غير كلام الزبائن الذين لا تكلمهم إلا مضطرة.
هذا العدد الكبير من الشخصيات الرئيسية فى رواية «فى كل أسبوع يوم جمعة» يمسك إبراهيم عبدالمجيد أطرافه بإحكام، ثم يبدأ فى التشبيك بين عناصره عبر علاقات فيها زواج وقتل وغضب وتعاطف وشذوذ.
وتزوج باسم السكرى المحامى تحت التمرين من سعاد سعيد، وقُتل زاهر على يد روضة وبدأت تستعد لقتل الدكتور إبراهيم إبراهيم، وتعاطف الجروب مع خميس جمعة فخفف من شعوره بالوحدة.
كما تعاطف مع سعاد سعيد عندما شك فى تورطها فى قتل أحد زبائنها واصطدم تامر كونيكشن مع لبيب بارع وصابر عيد، ووجدت «نهى وبس» السحاقية ضالتها الملعونة فى مريم.
(3) الموقع مرآة المجتمع
اتخذ إبراهيم عبدالمجيد من الموقع الإلكترونى مرآة تعكس سوءات المجتمع المصرى وتناقضاته، فمن خلال شخصيات روايته أثار عبدالمجيد عددا من أبرز القضايا المجتمعية وأوسعها انتشارا.
قضية مثل قضية استغلال المنصب عالجها المؤلف من خلال حكاية أم صابر عيد التى راحت تبتز ابن عم أبيها عضو مجلس الشورى وتلح عليه بطلباتها التى لا تنتهى، فحصلت منه على ثلاثة كروت لجهات حكومية مختلفة حتى توظف ابنيها، وفى ذهنها أن تبيع الكروت لمن يدفع أكثر ببساطة لأنها لا تؤمن بالعمل فى الحكومة.
كما حصلت من قريبها على كارت لتسفيرها لأداء فريضة الحج وما كانت تنوى أن تحج.
وهناك قضية الرشوة التى هى فى حد ذاتها تنويع على قضية استغلال المنصب، وقد قدم لها المؤلف نموذجين اثنين، الأول نموذج عضو الحزب الوطنى الذى كان يوزع الرشى الانتخابية على الناخبين فى دائرة إمبابة من خلال عشرة شبان، يعد الواحد منهم بألف جنيه ووظيفة مضمونة.
والثانى نموذج كبار البلد الذين كانوا يرتشون لكن بشياكة، فكانوا لا يدفعون من فواتير السيراميك الذى يشترونه إلا ما يمثل عُشر القيمة ومقابل ذلك كانوا يسهلون لتاجر السيراميك أموره حتى إذا فكر ذات يوم أن يتقاضى فاتورة الحساب كاملة صودرت له شحنة كان فى انتظارها بدعوى أنها غير مطابقة للمواصفات.
وقضية التدين الشكلى بغير مضمون الذى سيطر على فهم الغالبية الساحقة من المصريين والذى يرده كثير من المحللين إلى تأثير مال النفط ورياح الجزيرة، هذا النوع من التدين ضرب له عبدالمجيد أكثر من مثل.
مثل الشرطى الذى يحرس بنك مصر وعيناه تمران على سور القرآن آية آية يقرأها ولا يفهم، وإلا ما طلب من بعض الشبان إتاوة مقدراها خمسون جنيها بغير حق ثمنا لإخلاء سبيلهم.
حتى إذا احتج عليهم أحدهم وقال له إنك تقرأ فكيف ترتشى، رد عليه فى اقتناع «البلد كلها بتقرأ قرآن، وبعدين مهو عشان خاطر ربنا أنا حاسيبكو بخسمين جنيه»!! ومثل الشابين اللذين كانا لا يزنيان إلا بعد الإفطار فى رمضان لأنهما يصومان كما يصوم الجميع وفى الصوم لا رفث ولا طعام.
ويتهكم الدكتور إبراهيم إبراهيم على مثل هذه الظاهرة، ويقول فى فرنسا يقرأ الدعاة الجزائريون القرآن بعربية فرنسية ويخطبون بالطريقة نفسها «إنا خلقناكم من la terre أى التراب وإليها نعيدكم Une autre fois أى مرة أخرى»، فهل يقرأ المصريون القرآن بعربية خليجية؟
وبدورها كانت قضية الهجرة غير الشرعية كمتنفس لخريجين بلا عمل واحدة من قضايا الموقع/ المجتمع من خلال مأساة التوءم الغارق فى الطريق إلى إيطاليا. وفى حدود معينة يمكن اعتبار ظاهرة تفشى العنف فى العقدين الأخيرين بمثابة شكل آخر من أشكال التنفيس عن حال الإحباط العام الذى يلف عموم المصريين.
وهنا نتوقف أمام إحصاء روضة رياض 38 جريمة فى بر مصر على مدار 24 ساعة فقط، ولو دققنا النظر فى أعمال التقبيل والتمثيل بجثث الضحايا فسينتابنا جذع من تلك الدموية المفرطة التى عادة ما تردها السلطات إلى خلل نفسى لحظى، فهل صرنا جميعا مختلين؟
وأخيرا هناك قضية الطلاق فى المسيحية، فسامية جمال هى الشخصية المسيحية فى الرواية، ودائما فى روايات إبراهيم عبدالمجيد شخصيات مسيحية، وقد تزوجت سامية من شخص عنين حتى فكرت للحظة أن تغير ملتها لتحصل على الطلاق، فكتبت رسالة إلى أحمد بن على بن أحمد تسأله كيف السبيل للدخول فى الإسلام؟.
لكنها لم تبعث بها. وحسنا فعلت أنها لم تبعث بها لأن زوجها قرر فى شجاعة نادرة أن يعترف للكنيسة ويعطى زوجته حريتها. كما أنها راودت الدكتور إبراهيم إبراهيم عن نفسه ولم تتماد، وحسنا فعلت حين لم تتماد لأن الدكتور إبراهيم لا أكثر منه هوائية وتقلبا.
(4) المونغول فى الموقع: أى رسالة لعبدالمجيد؟
يثير الحضور المكثف لشخصية المونغول فى الموقع الإلكترونى أكثر من علامة استفهام حول وظيفته فى الرواية.
فهل يرمز عبدالمجيد بهذا الحضور إلى التشوه الذى أصاب الشخصية المصرية وجعلها تحمل بعض الخصائص الموضوعية لشخصية المونغول كالإنفصال عن الواقع والتحرك بإيعاز من الآخرين والحدة فى الغضب وذلك من دون اتخاذ الخصائص الشكلية لشخصية المونغول بالضرورة؟ أم أن وجود المونغول يخدم الحبكة الدرامية ويغنى الأبعاد الإنسانية لشخصيات الرواية؟
الأرجح أن الإجابة تكمن فى المزج بين الرمزية وبين مقتضيات العمل الأدبى، لأن شخصية المونغول أو تنويعات عليها سبق تناولها فى العديد من الأعمال الأدبية والدرامية، لكن الجديد عند المؤلف هو الإلحاح على هذه الشخصية وتعدد الأدوار التى تقوم بها.
فالمونغول فى رواية «فى كل أسبوع يوم جمعة» يظهر فى شخصية سليمان، ذلك الشاب الوديع الذى لا يحس به أحد ولا يهتم به أحد إلا رنا زوجة أخيه. فعندما يثور على البقال الذى يغالطه فى حساب البسكويت لا يجد سليمان إلا رنا تأخذه بين ذراعيها.
وعندما تربطه أمه من قدميه بسلسلة فى غلطة نادرة من أم، تتسلل إليه رنا وتحاول أن تفك وثاقه. وعندما يهرب سليمان من البيت يطيش صواب رنا جزعا عليه، وعندما تراه مصادفة يلوح للمارة والسيارات تستميت فى استعادته فلا يعود.
كما يتجسد المونغول فى شخصية عماد ابن سيادة اللواء الذى استغل منصبه وفقر روضة رياض وجمع بين ابن الزمالك وابنة منشية ناصر تحت سقف بيت واحد، ولم يكن يدرى إلى أى مصير اقتاد بفعلته ابنه المونغول. تحول عماد إلى ألعوبة فى يد روضة رياض، تصفى من خلاله حساباتها مع كل الرجال الذين أحبتهم وغدروا بها.
فقد جمعت روضة رياض بين شهوتى الجنس والقتل، فكانت تضاجع ضحاياها وتشير إلى المونغول ليقتلهم، ولهذا أقدمت على تأسيس الموقع الإلكترونى لتبحث فيه عن ضحايا تقبلهم يوم الجمعة وتلتقيهم وتقتلهم يوم الجمعة أيضا.
ويتجسد المونغول ثالثا فى شخصية زبون الكافيتريا التى تعمل فيها سعاد سعيد، والذى كان يلفت نظرها لأنه كان لا يكف عن شرب البيرة والبكاء فى كل مرة يذهب فيها إلى الكافتيريا، وهو على أى حال سلوك غريب فعلا، فما الذى يدفع المونغول إلى أن يعب من البيرة عبا وأى شىء يريد أن يهرب من ذكراه؟.
وأخيرا يتجسد المونغول فى شخصية الزبون الذى تغرر به فتاة الكافيتريا ليست بالضرورة وهى سعاد سعيد فتستدرجه إلى فيللا بسيدى كرير تقضى معه فيها أسبوعا كاملا ثم تقتله وتستولى على مائة ألف دولار كانت بحوزته.
لماذا أسبوع كامل؟ ولماذا يتحرك المونغول بمائة ألف دولار؟.. هى قصة على هامش الرواية لا تضيف إليها شيئا، اللهم إلا المزيد من التأكيد على حضور شخصية المونغول.
الإبحار فى عوالم إبراهيم عبدالمجيد متعة، وفى روايته الجديدة «فى كل أسبوع يوم جمعة» هو يمارس لونا مختلفا من الكتابة فيغترف من مفردات الشبكة العنكبوتية، ويجمع داخل موقع واحد بين متناقضات لا أكثر منها ولا أغرب، ويتمكن حتى ما قبل نهاية روايته من إخفاء السبب الحقيقى عن القارئ وراء تكوين الجروب.
سيجد دعاة الشهرة فى روايته إن هم قرأوها مادة للثرثرة خصوصا من خلال شخصيات سامية جمال ومختار كحيل و«نهى وبس»، وهذا أمر اعتدنا عليه وألفناه، أما من عداهم فسيجد نفسه فى أمينة أو صابر أو خالد أو آخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.