لا تسيئوا إلى حزن الجد والأب والعائلة على الفقيد بهذا النفاق الممجوج.. ولا تسيئوا إلى روح الحفيد الطاهرة بتحويل موته إلى مناسبة لممارسة الرياء والانتهازية. بداية أسجل أنى على مستوى الشخصى حزنت ودمعت عيناى وكأن الراحل واحد من أهلى.. تماما كما أحزن وأبكى على أى طفل شهيد فى غزة أو العراق أو تحت صخرة الدويقة.. كان مشهد علاء، وهو يستجمع قواه أثناء حمل النعش كافيا لكى يهز جبل، وكانت حالة جمال وهو يغالب دموعه كفيلة بأن تنفجر بداخل المشاهدين آبار الضعف الإنسانى الرهيب. دمعت العيون وتقطعت القلوب ألما لأن طفلا جميلا لم يتجاوز عمره الثانية عشرة اختطفه الموت فجأة من أحلامه ببكرة الجميل، الذى تمنى أن يكون فيه طيارا أو حتى لاعب كرة أو أى ما ذهبت به إليه الطموحات، فأن يحط طائر الموت على سطح أى دار فى مصر ويختطف أعذب ما فيها، فهذا سبب يكفى جدا لكى ينخلع قلبك، سواء كان هذا الطفل حفيد رئيس أو خفير، فالموت واحد وكذلك الحزن لا يعرف الانحيازات الطبقية أو هكذا يفترض وفقا للفطرة السليمة. إذن.. لا غرابة فى أن يحزن من حزن ويبكى من بكى خصوصا أن الموت انتزع الفقيد انتزاعا، وهو المحاط بكل الإمكانات والأسلحة اللازمة لمواجهة المرض، فى الداخل والخارج، وهو ما يضاعف وطأة الألم والإحساس بالفقد على أهله ومحبيه. لكن الغريب أن يتطوع بعض الكتبة لتحويل هذه الحالة من الحزن الشفيف إلى مناسبة للتربح السياسى الرخيص كأن يقطع أحدهم شوطا كبيرا فى الجهل والنفاق معا وينتهى إلى اعتبار الأمر «استفتاء شعبيا جديدا على الرئيس مبارك»، وهذه طريقة فى النفاق أعتقد جازما أن الرئيس لا يريدها ولم يطلبها، فالرجل اكتفى بنعى كأى أسرة مصرية نشر فى الأهرام طلب فيه من المعزين عدم نشر أى تعازى بالصحف، كما أتصور أن هذا النوع من الاستدلال الرخيص يمثل إهانة بالغة لمشاعر أسرة الرئيس ويحول حزنها إلى فرصة للاستثمار فى بورصة السياسة، وأزعم أن السلطة والحكم والشعبية السياسية فى هذه المحنة الرهيبة لا تساوى عند الرئيس وأسرته لحظة واحدة يقضونها مع الحفيد الراحل.. وأدرك أن حياة من نحب وسلامتهم أغلى وأهم كثيرا من أى منصب أو سلطان. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.. وأنزل سكينته على أهله وذويه.. وليرحمنا الله من حماقة تجار الموت وسماسرة الأحزان.. آمين.