الأزهر ينفي تشكيل لجنة فتوى مع الأوقاف    عمرو أديب: قانون الإيجار القديم سيظلم أحد الطرفين وهو المستأجر    مصدر ل «المصري اليوم»: الزمالك تواصل رسميًا مع طارق مصطفى لخلافة بيسيرو.. والمدرب يبدي موافقته    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    الحكومة تصدر بيانا بشأن "البنزين المغشوش" في محطات الوقود    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    تشكيل إنتر ميلان المتوقع أمام برشلونة في موقعة الإياب بدوري أبطال أوروبا    إحالة سيدة احترفت سرقة متعلقات المواطنين بمدينة الشروق إلى المحاكمة    ارتفاع كبير ب400 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (محليًا وعالميًا)    موجة حارة.. بيان مهم ل الأرصاد يكشف طقس اليوم الثلاثاء 6 مايو (احذروا الشبورة)    تامر حسني ومصطفى حجاج يشعلان حفل زفاف رنا رئيس    مش غارة إسرائيلية، أسباب انفجارات واشتعال النيران بمدينة حلب السورية (فيديو)    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    هل يشارك ترامب في جهود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؟    إسرائيل تستعد لغزة ب«عربات جدعون»    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    الحوثيون يتوعدون تل أبيب برد قوي على القصف الإسرائيلي لليمن    تشمل السعودية والإمارات وقطر.. جولة لترامب بدول الخليج منتصف مايو    جوتيريش يحث الهند وباكستان على "التراجع عن حافة الهاوية" ويحذر من التصعيد العسكرى    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    وكيل كولر يتحدث لمصراوي عن: حقيقة التقدم بشكوى ضد الأهلي.. والشرط الجزائي بالعقد    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    أرقام جلوس الثانوية العامة خلال أيام :تقليص عدد اللجان ومنع عقدها فى «مقرات الشغب» بالسنوات السابقة    مصرع طالب في حادث مروري بقنا    اليوم.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    مصر للطيران تلغي رحلاتها اليوم إلي بورتسودان وتوجه نداء لعملائها    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو في الصاغة    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد زويل يكتب عن: ثورة العرب القادمة (3-3)
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 03 - 2011

فى الجزء الثالث من سلسلة المقالات «ثورة العرب القادمة تأملات فى مسألة النهضة العربية.. إصلاح التعليم»، يتناول الدكتور أحمد زويل الصلة بين تطوير التعليم، وهو ما شرحه فى الجزء الثانى، والنهضة للخروج من حال تباعدت فيه السبل بين المجتمعات العربية والتنمية المستحقة لها والمتكافئة مع قدراتها. الجزء الثالث والأخير هو الحديث عن صناعة التمييز العلمى وصولا لسد فجوة المعرفة بين العالم العربى ودول حققت النهضة، وأخرى وصلت لدرجات عالية من التقدم.
تأملات فى مسألة النهضة العربية.. إصلاح التعليم اليوم علينا أن نختار بين أن نكون 350 مليون نسمة من أهل الكهف أو نكون 350 مليون نسمة من أهل الكون التحدى الماثل أمامنا هو تقليل الفجوة الفاصلة بيننا وبين العالم فى الكثير من مجالات المعرفة يجب ألا نقبل بوجود نزاع بين الدين والعلم فى سعينا نحو مستقبل أفضلم
فاهيم فى التنمية
يعد البحث العلمى هو ثالث وآخر مراحل الهرم التعليمى. وفى هذا الصدد يجب البدء بالقول إنه لا يمكن لأى دولة أن تحقق إنجازا حقيقيا فى مجالات البحث العلمى لو لم يكن لديها خطة واضحة يتم تنفيذها بكفاءة من أجل توفير موارد على المدى الطويل لأغراض البحث العلمى. وفى غياب هذه الخطة يصعب تصور وجود أى التزام من قبل المجتمع أو من قبل القطاع الخاص للالتزام بمشاريع وأهداف البحث العلمى والإسهام فى تمويله.
يجب أيضا القول إن الدول النامية يمكن لها أن توجد لنفسها مكانا على الساحة الدولية فى سنوات ليست بالكثيرة على العكس مما يقال من أن الأمر يحتاج إلى جيل أو جيلين.. ومن أمثلة ذلك ما حققته الصين والهند وكوريا الجنبية وماليزيا، وما تحققه الآن كل من الهند وتركيا.
بالإضافة إلى هذا، يجب القول إنه من الخطأ أن ينظر إلى البحث العلمى ومجالات تطبيقاته على أنه رفاهية لا تملكها الدول النامية، لأن ذلك القول ثبت خطأه، حيث تمكنت العديد من الدول النامية بل والفقيرة أحيانا من تخطى الحاجز الفاصل بينها وبين نظيراتها المتقدمة بمزيد من الاستثمار الوافر فى مجالات البحث العلمى والتنمية.
وأخيرا، إنه لن يمكن الاستفادة من البحث العلمى فى تحقيق التنمية لو لم يتم الاستثمار فى نشر وتطوير منظومة التعليم التى تشمل العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والهندسة.
البيئة المواتية
إن البحث العلمى الهادف للوصول إلى نتائج جيدة يتطلب بالضرورة أن يقوم الباحثون بالعمل فى بيئة مواتية للبحث ومشجعة على التنسيق بين الدارسين لمختلف المجالات العلمية ولا يمكن الوصول إلى هذا السياق عن طريق إجراء ترتيبات إدارية تبدو مشجعة للبحث العلمى ولكنها فى الحقيقة لا تؤدى الغرض منه، لأن البحث العلمى لا يحقق نتائجه إذا ما تم التعامل معه بمناهج بيروقراطية. كما أن الاهتمام بإنشاء مبان كبيرة تخصص لأغراض البحث العلمى لا يكفى وحده فى غياب العلماء والطلاب القادرين على تحقيق الأغراض المأمولة.
ولا يجب أبدا إلهاء اهتمام الطلاب وأعضاء هيئات التدريس عن أغراض البحث العلمى بإشغالهم فى أمور مثل ربط الترقيات بأعداد، وليس بجودة، الأبحاث، وما إلى ذلك من الأمور الإدارية، كما لا يجب محاولة تحويل القيادات العلمية القادرة على الدفع بالبحث العلمى لأدوات سياسية لأن ذلك ببساطة يعنى أنه لن يكون لدى أحد الوقت ولا الطاقة اللازمة للانشغال بالبحث والمعرفة.
وفى الوقت نفسه، فإن توفير الموارد الخاصة بالبحث هو أمر أساسى، لأن العقول المبتكرة لا تستطيع تحقيق الإنجازات فى غياب الأدوات والموارد اللازمة. إن الدول التى تهتم بتوفير متطلبات وموارد البحث العلمى هى ذاتها الدول التى ستحظى بالعديد من براءات الاختراع للاكتشافات العلمية الجديدة.
البحث عن آفاق جديدة للمعرفة هو نقطة الانطلاق لتحقيق نجاحات فى التنمية، كما أن توفير مراكز للتميز هو بالتأكيد الساحة التى يستطيع من خلالها الشباب من العلماء تقديم ابتكارات حديثة.
مراكز التميز
إن تجربتى الشخصية تقول إن الانجذاب إلى العلم يرتبط بالأساس بمتعة الاكتشاف التى بدأت فى حالتى عندما كنت طالبا فى المدرسة أحاول فك شفرة احتراق المادة. وفى هذه السن المبكرة، فإن رؤية تحول احتراق الخشب لغازات يمكن إشعالها بأعواد الثقاب كان بمثابة اكتشاف شكل فيما بعد المستقبل العلمى.
وعندما انظر حولى وأحاول الإجابة عن السؤال المرتبط بالأسباب الكامنة وراء كون جامعة كالتك حيث أمضيت العقود الثلاثة الأخيرة من العمل عريقة تخرج فيها 35 من الحائزين على جائزة نوبل فى العلوم والطب، فإننى أجد نفسى أمام إجابة واضحة للغاية وهى أن جامعة كالتك تؤمن فعلا بأن البحث العلمى يجب أن يكون متعة العلماء الجادين، وأن توفير الموارد والأجواء المناسبة للعلماء هو أساس الإنجاز فى البحث العلمى وذلك كله يتم بعيدا عن الأجواء البيروقراطية أو السياقات السياسية.
وقد حان الوقت لمصر، كما لغيرها من الدول العربية، أن تبادر بتبنى هذا النهج، وأن تعمل على تأسيس وإطلاق مراكز للتميز، وأن تقوم بتوفير الموارد اللازمة للبحث العلمى وتطبيقاته. ولا يجب أبدا أن يكون الاهتمام ببناء مثل هذه المراكز أقل درجة للحكومات العربية من المدن الإعلامية المهولة التى تم إنشاؤها فى كثير من العواصم والمدن العربية. فى الوقت نفسه، يجب أن يكون لهذه المراكز القدر اللازم من الاستقلالية بما يسمح لها ببناء هياكلها الأكاديمية والإدارية تبعا لحاجاتها ومتطلبات العمل بها. كما أنه من الضرورى فى الإطار نفسه أن يتم إيجاد طريقة مناسبة لتوفير المنح التعليمية لمن يستحقها ولتوفير الهيبة الأكاديمية والاحترام اللازم للأساتذة العاملين فى مثل هذه المراكز.
بالتوازى مع إنشاء هذه المراكز، يجب أن تعمل الحكومات على زيادة البعثات التعليمية للخارج التى توفرها لشباب الباحثين، على أن تكون هناك البيئة المستقرة عند العودة إلى الوطن لاستئناف ما تلقوه من أساليب ومعارف خلال تلك البعثات بعيدا عن معوقات البيروقراطية وإلا تحولت تلك البعثات إلى إضاعة للمجهود والموارد المالية.
فجوة المعرفة
إن التحدى الماثل أمامنا فى العالم العربى يتعلق بتقليل الفجوة الفاصلة بيننا وبين العالم فى الكثير من مجالات المعرفة.
إننى أتذكر عندما كنت طالبا للدراسات العليا فى أمريكا فى الستينيات حيث كان الاتحاد السوفييتى قد سبق فى الوصول بالقمر الصناعى «sputnik» بالدوران حول الأرض، بينما كانت أمريكا لديها مشروع لغزو الفضاء الخارجى، بدأت أولى خطواته بوصول رائد الفضاء نيل آرمسترونج وسيره على سطح القمر فى 1969. واليوم، فإن أمريكا تقوم بإرسال مركبات فضائية وربما أيضا رواد فضاء إلى سطح المريخ وليس فقط القمر. إن العلماء يبحثون عن حيوات على سطح كواكب أخرى غير كوكب الأرض بغرض الوصول إلى موارد جديدة ومتجددة بل وربما، كما هو الحال بالنسبة لبعض الحكومات، التمكن من السيطرة على ما يدور على كوكب الأرض من خلال الفضاء الخارجى.
فى المجال الطبى، فإن الأبحاث والاكتشافات وصلت لدرجة من التطور أنها أصبحت تجرى على الجينات والخلايا بما يفتح آفاقا جديدة لتطوير عقاقير تساهم فى الشفاء من أمراض مستعصية.
إن العلماء أصبحوا قادرين على اجتزاء خلايا من الجلد البشرى كامل النمو وتحويلها إلى خلايا جذعية لاستنشاء أنسجة جديدة للقلب والعيون وأجزاء أخرى من الجسد البشرى. ومثل هذا النوع من التقدم الطبى كان بالتأكيد أمرا غير متصور من عشرين عاما مضت.
وفى العالم الميكرسكوبى لتطبيقات النانو تكنولوجى، فإن العلماء أصبحوا قادرين للمرة الأولى فى تاريخ البشرية من التعامل مع المادة من منظور رباعى الأبعاد، بما يمكنهم من الرؤية والتحكم فى المكان والزمان فى مسافة أقل من واحد على البليون من المتر وبسرعات زمنية فى أقل من واحد على مليون من البليون من الثانية. ومن شأن هذه التقنية الحديثة التى عملت على تطويرها مع فريق البحث العلمى فى جامعة كالتك ان تفتح آفاقا غير مسبوقة فى مجالات التطبيقات العلمية للمادة وفى مجالات العلوم الطبية والحيوية.
وما هذه إلا مجرد نماذج من أمثلة عديدة أخرى لتوضيح الفرق بين الدول التى تمتلك المعرفة وتلك التى لا تمتلكها.
والغرض من هذا، هو إيضاح مدى سطحية التفكير القائل بأن البحث العلمى هو مجرد رفاهية لا تقدر عليها كل المجتمعات. إن البحث هو الباب الذى يطرق الانسان للتوصل إلى معارف لم تكن تدور بخلده وليس فقط للتوصل إلى أن يعرف أكثر عما حصّله بالفعل من معارف.
المعرفة والتقدم
تقوم الحضارات وترتقى على أساس المعرفة، وتسقط عندما تتداعى أسباب هذه المعرفة، وتخبو إلى نقطة الاختفاء. ولقد بلغت الحضارة العربية والثقافة الإسلامية مستواها الأرفع عندما آمن قادة الأمة بأهمية العلم وقيمة المعرفة، وسعوا فى سبيل ضمان حقوق الإنسان وحرية العقل وحقه فى التفكير، فكان فى ذلك طريقا نحو تحقيق التقدم.
ولا توجد صعوبة كبيرة فى الحفاظ على المعرفة ونقلها، ولكن الصعوبة تكمن فى صناعة المعارف الجديدة، وهو الأمر الذى يتطلب أيضا استثمارا للمال والجهد دون توقع للربح على المدى القصير، مع إدراك أن ذلك من شأنه أن يكون مربحا وبشدة على المدى الطويل.
ولعل فى مثالين فقط من العديد من أمثلة الاختراع العلمى مثل استخدامات الليزر والترانزستور ما يوضح كيف يمكن للاكتشافات العلمية أن تكون مربحة على المدى الطويل، فهذان الاكتشافان حققا نقلة مذهلة فى مجالات الخدمات ومد الأسواق بحجم هائل من المنتجات.
إلى جانب ذلك ينبغى علينا أن ندرك أن المعرفة هى وسيلة من وسائل إثراء الثقافة والارتفاع بشأن المجتمع عن طريق ترجيح أسباب العقلانية والتعامل مع الحقائق المجردة بعيدا عن أسباب الكراهية والبغضاء والممارسات العنصرية.
وفى العصور الحديثة تراجعت بل وانعدمت أحيانا إسهامات العرب فى إيجاد المعارف الحديثة وتطويرها، وعلى ذلك فإن المجتمعات العربية أصبحت فى مواجهة تحديات كبيرة بعضها ينال من قدرة المجتمعات العربية على تحقيق أسباب التوسع الاقتصادى والحفاظ على الهوية الثقافية. والمشكلة الرئيسية هنا هى ذلك التردى الذى أصاب العملية التعليمية.
ولتكن الأمور واضحة للجميع، فبدون التعليم الجيد لن يتمكن أحد من تحقيق التقدم مع الأخذ فى الاعتبار أن التقدم لا يقاس بالقدرة على شراء واستهلاك الابتكارات المنتجة فى الخارج.
الرؤية السياسية
تحتاج المجتمعات العربية للتحرك نحو بناء نهضة جديدة تقوم على ركيزة التعليم الحديث والسعى نحو تبنى العلم وانتهاج البحث وسيلة لتحقيق التنمية التى تحتاج إلى تطبيقات التكنولوجيا كما تحتاج للتفاعل المجتمعى. وقد يظن البعض أن هذا الأمر مستحيل، ولكنه ليس كذلك. إن المجتمعات العربية لديها بالفعل القدرة والإمكانات على بناء نهضة جديدة.
وإننى على ثقة من قدرة مصر على تحقيق النجاح بالرغم من كل التعقيدات والمشكلات التى تحيط بالتعليم والبحث العلمى فيها وبالرغم كذلك من المشكلات المتعلقة بالحكم فى مصر.
لقد أصبحت كل من تركيا وإيران قوتين بازغتين فى عالم الشرق الأوسط وإذا لم تتمكن مصر من اللحاق بهما، فإن قوة وتأثير العالم العربى فى المنطقة ستتراجع بالتأكيد.
كما أن العديد من الدول الإسلامية، مثل تركيا وماليزيا وقطر، تمكنت من تحقيق نقلة نوعية فى تطوير التعليم، وهو ما أسهم بالتأكيد فى تحسين الصورة النمطية لدى عالم اليوم عن الدين الإسلامى والثقافة الإسلامية. ولكن الحقيقة التى لا جدال فيها أن الوصول إلى التنمية هو أمر له متطلبات عديدة ينبغى الوفاء بها كاملة.
ولا يمكن ضمان تحقيق تغييرات مهمة وتقدم حقيقى فى العالم العربى فى غياب الرؤية السياسية السديدة والإرادة السياسية على أعلى مستوى فى دول العالم العربى. فى الماضى كان ممكنا كما نعلم نحن فى العالم العربى أن يغلق الحاكم الأبواب على دولته ولكن ذلك لم يعد الحال، ولن يكون ممكنا أبدا بعد اليوم. وعلى من لا يدرك ذلك أن ينظر حوله ليرى حرص كل منزل، فقيرا كان أم ميسورا، أن يكون لديه طبق يلتقط إرسال الأقمار الصناعية فيتابع قنوات إقليمية وعالمية ليتعرف عما يحدث فى العالم حوله وبحيث أصبح العالم بأسره مفتوحا أمام أولادنا، وعن طريق الفيس بوك ورسائل الموبايل أصبح من الممكن قيام ثورات لإسقاط أنظمة ديكتاتورية.
المستقبل.. العلم والإيمان
وفى سعينا نحو مستقبل أفضل، يجب ألا نقبل بأن يكون هناك نزاع بين العلم والدين. إن الهدف من التعليم هو بناء القدرات والخبرات الذهنية والبدنية والنفسية للشخص، وعلى هذا، فإن التعليم يهدف لتجاوز رغبة الأشخاص فى ممارسة التعنت الفكرى، كما أن أصل كلمة التعليم لغويا كامن فى كلمة علم والعلم هنا يراد به المعرفة. إن التعليم هو الوسيلة التى تنقل بها المجتمعات ما لديها من خبرات ومهارات وقيم من جيل إلى آخر وهو بالتالى النسيج الذى تحاك به الحضارات.
ويتميز الإنسان عن غيره من الكائنات بقدراته العقلية وعلينا بالتأكيد أن نستفيد من هذه الميزة وأن ندرك أن حياة الإنسان تحتاج للعلم كما تحتاج للإيمان. ولقد كانت لمصر تجربة ناجحة فى استلهام الإيمان واستخدام العلم لبناء حضارتها القديمة وهى بالتأكيد قادرة على فعل ذلك مرة ثانية. منذ عقود قليلة قال طه حسين، واحد من أهم الأدباء المصريين المعاصرين، إن العلم كالماء والهواء ففى العلم إذن تكمن الحياة.
واليوم، فلدى العرب فرصة لاستعادة مكانة لائقة لهم فى التاريخ، وتجاوز أسباب التخلف الذى أسقطهم فريسة للاستعمار الغربى وإن كان هذا الاستعمار هو فى ذاته جزء من المشكلة التى واجهت العرب بتداعياتها فيما بعد.
لقد حرصت القوة الاستعمارية دوما على أن تمارس السيطرة الثقافية إلى درجة يمكن وصفها باضطهاد وازدراء ثقافات الآخر، ولكننا لا ينبغى أن نبقى أنفسنا أسرى تاريخ الاستعمار الذى انقضى أو نترك أنفسنا لنقع فريسة لنظريات الفكر التآمرى. علينا أن نبدأ بالعمل ونقطة البداية يجب أن تكون ساحاتنا الداخلية والمشاكل التى تعتمل بها، فبدون إيجاد حلول لهذه المشكلات لا أمل لدينا فى غد مشرق.
إن «الحرية والمعرفة والإيمان» هى المحددات الثلاثة لعمل مؤسسة أحمد زويل للمعرفة والتقدم الكائنة بالقاهرة. وبهذه المحددات الثلاثة يمكن لنا إعادة بناء النهضة الحديثة لعالمنا العربى لتشرق علينا إضاءات فجر جديد وعصر جديد هو عصر العلم.
واليوم، فعلينا أن نختار بين أن نكون 350 مليون نسمة من أهل الكهف أو نكون 350 مليون نسمة من أهل الكون.
هذه المقالة مستوحاة من كلمة ألقاها كاتبها فى نادى دبى للصحافة وفى دار أوبرا القاهرة فى عام 2010، وتم نشرها باللغة الإنجليزية فى مجلة «Cairo Review» الصادرة عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.