رئيس «الشيوخ»: المجلس قدم 17 دراسة أثر تشريعي ساهمت في كشف أوجه القصور بالتشريعات    4 توصيات للجنة العامة ب"النواب" حول اعتراض الرئيس على قانون الإجراءات الجنائية    «الشيوخ» يوافق على استقالة 14 عضوا لرغبتهم الترشح في انتخابات مجلس النواب    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    المستشار ناصر رضا عبدالقادر أمينًا عامًا جديدًا لمجلس الدولة    سباق مبكر على مقاعد النواب فى الأقصر .. السوشيال ميديا تشعل المنافسة    اليورو يواصل التراجع بمنتصف التعاملات اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 أمام الجنيه    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الإسكندرية اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    الرقابة المالية: 773 مليار جنيه قيمة التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة لها بنهاية يوليو 2025    قناة السويس 2025.. عبور 661 سفينة إضافية وتقدم 3 مراكز عالميًا وزيادة الطاقة الاستيعابية ب8 سفن    الجيش الإسرائيلى ينفى دخول سفن "أسطول الصمود" للمياه الإقليمية قبالة غزة    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    4 إصابات جراء هجوم بسكين خارج كنيس يهودى شمال مانشستر    زيلينسكي يحذر أوروبا: روسيا قادرة على انتهاك المجال الجوي «في أي مكان»    فى ذروة موسم الحصاد.. الإغلاق الحكومى يعمق أزمات المزارعين الأمريكيين    من هم شباب حركة جيل زد 212 المغربية.. وما الذي يميزهم؟    الأهلي يطمئن على جاهزية الشحات للمشاركة أمام كهرباء الإسماعيلية    أحمد حمدى يقترب من المشاركة مع الزمالك فى غياب السعيد    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلى مع المدرب الأجنبى    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    الداخلية تطيح بعصابة مخدرات ظهرت فى مقطع على مواقع التواصل الاجتماعى    "سحر باللبن".. مشادة سيدة و"سلفتها" تنتهى بضبطهما بعد تهديدات بأعمال الدجل    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    كشف غموض العثور على جثة رضيع داخل كيس قمامة بأحد شوارع شبرا الخيمة    الثقافة والإسكان تتعاون فى إضاءة البرج الأيقوني..وفرحت مصر – 6 أكتوبر    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    بعد انفصال 4 سنوات.. ليلى عبداللطيف تتوقع عودة ياسمين صبري ل أحمد أبوهشيمة    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    الاستجابة ل3307 استغاثات خلال 3 أشهر.. مدبولي يتابع جهود اللجنة الطبية العليا    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    أسماء الأدوية المسحوبة من السوق.. أبرزها مستحضرات تجميل وخافض حرارة    الكشف والعلاج مجانًا.. جامعة بنها تواصل فعاليات مبادرة «لمسة وفاء» لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة العرب القادمة
نشر في التغيير الإلكترونية يوم 11 - 03 - 2011

من الأسر المصرية بعد نجاح ثورة 25 يناير فى فتح آفاق غير مسبوقة لتحقيق الديمقراطية فى مصر، وفى وقت ينشغل فيه الرأى العام المصرى كما فى العالم العربى على اتساعه بحلم الإصلاح والتقدم، فإن المهمة العاجلة لإصلاح منظومة التعليم، سواء فى مصر أو غيرها من الدول العربية،
هى بالتأكيد جزء لا يتجزأ من تحقيق النهضة العربية المقبلة. العالم المصرى وحائز نوبل الدكتور أحمد زويل يطرح تحليلًا ورؤية متكاملة لما يراه «ثورة العرب القادمة»، مؤكدًا أن إصلاح التعليم على حيويته ليس بالمهمة المستحيلة كما أنه ليس بالمهمة التى تحتاج عقودا لإنجازها.
«الشروق» تنشر فى حلقات ثلاث قراءة زويل لحال التعليم وسبل إحيائه لتعود مصر ويعود معها العالم العربى فى مصاف الأمم الناهضة.

طالعت مؤخرا دراسة مهمة حول جغرافيا المعرفة والسكان فى عالمنا. وأثارت هذه الدراسة التى نشرها جويل كوهين وديفيد بلوم تحت عنوان «توفير التعليم لكل الأطفال.. خطة عمل دولية» إعجابى واهتمامى فى آن واحد.
وتقول الدراسة بأنه فى الوقت الذى لا يمكن أن يعجز العالم عن القيام بالمهمة الملحة المتعلقة بتوفير التعليم لكل أطفاله فإن الحقيقة الماثلة أمام أعين الجميع تقول بأن هناك نحو ثلاثمائة مليون من أطفال العالم سيظلون محرومين من حقهم فى التعليم مع حلول العام 2015.
التحدى الكبير
إن تمكين الأجيال القادمة من الحصول على تعليم يمكنهم من الإمساك بناصية المعارف الحديثة والمتطورة هو بالتأكيد تحدٍ كبير، حتى إذا ما تعلق الأمر بالدول المتقدمة.
ومنذ عام تقريبا أطلق الرئيس الأمريكى باراك أوباما مشروعا طموحا تحت عنوان «التعليم الهادف لتطوير القدرة على الابتكار». والهدف من هذا المشروع هو أن يتمكن الطلاب الامريكيون خلال العقد القادم من رفع قدراتهم فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة وعلم الرياضيات وهو المنظومة المتكاملة التى يمكن من خلالها ضمان اتساع قدرة المبتكرين وتطويرها.
وفى إطار هذا المشروع يتم تخصيص 250 مليون دولار لإطلاق وتنفيذ مبادرة تدريب وإعادة تأهيل للمعلمين الامريكيين بحيث يتم إعداد عشرة آلاف من المعلمين الجدد للعلوم والرياضيات ويتم بالتوازى مع ذلك إعادة تدريب مائة ألف من المعلمين الذين يقومون بالفعل بتدريس هذه المواد للطلاب الأمريكيين.
إننى أعلم أن التعليم بمختلف مراحله وهو ما يستحوذ على قرابة تريليون دولار من ميزانية الولايات المتحدة الامريكية هو أولوية أولى لدى الحكومة الأمريكية.
أما بالنسبة للعالم العربى فإن تطوير التعليم هو أمر حاسم لضمان مستقبل افضل للشعوب العربية. إن فشل منظومة التعليم فى العالم العربى هو احد اهم أسباب غضب الشباب فى البلدان العربية ذلك الغضب الذى أصبح جليا ولا يمكن الاستمرار فى محاولة تجاهله، خاصة أن تبعات هذا الفشل لها أبعاد ثقافية واقتصادية وسياسية واضحة.
جيل الفيس بوك
لقد أطلق جيل الفيس بوك شرارة انتفاضات متتالية من أجل تحقيق الديمقراطية فى تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية.
إن التعامل مع أصل المشاكل التى نواجهها هو امر لا غنى عنه إذا ما كنا جادين فى حل هذه المشاكل وتجاوز آثارها.
وبالتأكيد فإن تطوير التعليم فى العالم العربى هو امر مفصلى بالنسبة لاستعادة النهضة العربية.
لقد أصبح من الحتمى أن نتحرك بخطوات أسرع نحو وضع التعليم وتطويره أولوية أولى على اجندات دول المنطقة العربية كلها.
ولا يمكن لشخص جاد أن ينكر أن النجاح والتقدم الذى حققته الولايات المتحدة الامريكية كما حققته دول أوروبية عديدة أو دول آخذة فى التقدم فى آسيا أو أمريكا اللاتينية لم يكن من الوارد تحقيقه وضمان استمراره بدون توفير مستوى جيد من التعليم لأبناء هذه الشعوب.
وبلغة اكثر مباشرة فإن هناك علاقة مباشرة لا يمكن اغفالها بين جودة التعليم ومستوى ارتقاء الشعوب.
وبالتأكيد فإن الحالة المصرية تمثل نموذجا جديرا بالتأمل فيما يخص العلاقة بين القوة الناجمة عن المعرفة وتأثير الحضارة العريقة، تلك الحضارة التى عاشت منذ ألفى عام أو يزيد على ضفاف المتوسط معتمدة على منارة مضيئة للعلم هى مكتبة الاسكندرية القديمة.
حضارات وعلماء
إن فكرة الحضارة فى ذاتها هى فكرة نابعة عن المعرفة.
وعلى ضفاف نهر النيل تمكنوا المصريون القدماء من تقديم مفاهيم جديدة فى علوم البناء والطب والفلك والكيمياء وكان لذلك تأثيره الأكيد على الحياة فى مصر القديمة وحضارتها العريقة كما وأن تأثيراته امتدت لحضارات أخرى مجاورة وتالية.
وإذا ما كان لى أن اتحدث عن مجال تخصصى العلمى على وجه التحديد فلابد أن اذكر أن القدماء المصريين كانوا هم من تمكن منذ أكثر من ستة آلاف عام من تعريف الزمن وادخال التقويم الزمنى المعتمد ولأول مرة على حركة الأرض حول الشمس.
ومؤخرا تمكن علماء فرنسيون من تقديم اكتشاف جديد ومذهل حيث أكدوا أن أبحاثهم تشير إلى أن مستحضرات التجميل المستخدمة فى عصر نفرتيتى كانت تحتوى على مواد طبيعية يتم تركيبها بغرض الحفاظ على صحة العيون وشفائها من الالتهابات والامراض المعدية.
وما زالت هذه الحضارة
القديمة للمصريين تقدم للغرب المتقدم اليوم الكثير والكثير من المعلومات والاكتشافات العلمية المثيرة للاهتمام.
ومنذ بداية الألفية سجلت الحضارة العربية الكثير من الإنجازات العلمية.
العام الماضى نشرت كتابا بالاشتراك مع سير جون توماس، من جامعة كمبريدج، حول الرؤية رباعية الأبعاد للميكروسكوب.
وفى هذا الكتاب أشرت للإسهامات المهمة فى مجال الرؤية والبصريات للعالم العربى الحسن بن الهيثم الذى عاش فى الفترة ما بين 965 و1040، متنقلا بين العراق ومصر. لقد طور ابن الهيثم نظريات، حول الإبصار والتقاط شبكية العين للصورة الواقعة تحت الضوء، استفاد منها علماء أمثال نيوتن، وفنانون أمثال دافنشى بل إن الاستفادة من هذه النظريات امتدت لتدخل فى أعمال مصورين فوتوغرافيين فى العصر الحديث.
وكانت تجربة ابن الهيثم المعروفة باسم «الحجرة المظلمة» هى الاساس الذى بنى عليه فيما بعد فن التصوير الفوتوغرافى حيث تعتمد هذه التجربة التى بينت أن الضوء له مسار مستقيم وعليه تتكون الصورة لأى مجسم عندما يمر الضوء خلال ثقب صندوق مظلم وبذلك أدخل ابن الهيثم فكرة الكاميرا الفوتوغرافية.
إن الاعمال التى قدمها ابن الهيثم وابن رشد، ذلك الفيلسوف الملم بالكثير من العلوم، وابن سينا، أبرز أطباء عصره على الاطلاق، والخوارزمى، عالم الرياضيات الذى استحدث مفاهيم جديدة فى علم الرياضيات ارتبطت باسمه، وغيرهم من علماء عصر النهضة العربية منذ قرون، تمكنوا من أن يجعلوا من عالمهم وعواصمهم فى بغداد والقاهرة وقرطبة منارات للعلم والمعرفة.
نهضة محمد على
وفى العصر الحديث ارتبط اسم مصر ايضا بمشاريع طموحة لتحقيق نهضة فى التعليم والثقافة والصناعة، وبالتأكيد فإن الرؤية التى تبناها محمد على لتحديث مصر كان لها دور مهم فى هذا الصدد.
لقد تمكن محمد على من تحويل مصر إلى مركز إقليمى للنهضة الاقتصادية والعسكرية معتمدا فى ذلك على تطوير وتحديث المجتمع المصرى ومستعينا بإرسال بعثات من الطلاب المصريين لتلقى العلم والمعرفة فى أوروبا.
وفى عصر محمد على تمكن رفاعة الطهطاوى ورفاق له، كانوا قد تلقوا العلم فى الغرب، من الاسهام فى تحقيق نهضة تعليمية واسعة فى مصر مستعينين فى ذلك بما ترجموه عن الفرنسية من روافد مختلفة للعلم والمعرفة.
وكان من شأن هذه النهضة التقدم بمصر إلى الصفوف الاولى الممسكة بمقاليد العلوم والآداب والثقافة.
وفى تلك السنوات ظهرت شخصيات مصرية رفيعة كان لها بصماتها فى مختلف المجالات الادبية والعلمية والفنية مثل طه حسين ونجيب محفوظ وعلى مصطفى مشرفة وأم كلثوم وعبدالوهاب وفاتن حمامة.
ومازالت الاسهامات المهمة لهؤلاء الادباء والفنانين والعلماء تمد الاجيال التالية بالإلهام عبر دول المنطقة.
ريادة مصر
ولا يمكن أن نغفل انه منذ قرن واحد فقط كان لمصر ريادة فى الحوكمة الرشيدة، كما أن مصر تمكنت فى الوقت نفسه من بناء مؤسسات تعليمية وعلمية رفيعة مثل جامعة القاهرة ومؤسسات مالية مهمة مثل البنك الأهلى ومؤسسات إعلامية مثل الاهرام الصحفية إلى غير ذلك من مؤسسات التصنيع بما فى ذلك صناعات النسيج وصناعة السينما.
وفى ذلك الوقت وبتلك الإمكانات كان لمصر القدرة على أن تكون المنهل العلمى لشخصيات بارزة ورائدة فى عالمنا العربى من بينهم على سبيل المثال المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد وعالم الرياضيات اللبنانى الاشهر مايكل عطية، وبالنسبة لى على المستوى الشخصى فإن الدكتور شاكر الفحام والد زوجتى هو رجل تعليم وآداب تولى رئاسة مجمع اللغة العربية فى سوريا وقد نهل هو الآخر من الثقافة المصرية.
بل إن قدرة مصر على توفير تعليم جيد لأبنائها استمرت حتى عقد الستينيات من القرن الماضى أى بعد عقد واحد من ثورة يوليو حيث تمكن ابناء جيلى من طلاب الجامعات المصرية من الحصول على تعليم لائق فى وقت كانت فيه الاجواء الثقافية مفعمة بالثراء والتنوع وكانت فيه أحلام النهضة الوطنية احلام كبرى يلتف حولها الجميع مثل بناء السد العالى وانشاء محطات للطاقة النووية بل والتأهب للوقوف على مشارف غزو الفضاء.
العرب اليوم
وعندما يتفكر المرء فى هذه الخلفية الطويلة وعندما يكون الإنسان مدركا فى نفس الوقت أن منابع الطاقة البشرية لم تنضب فإن السؤال الذى لا بد له من أن يطرح نفسه هو: ما الذى حل بمستويات التعليم والبحث العلمى فى عالمنا العربى الراهن؟
إن اسهامات العالم العربى الجماعية فى مجالات البحث العلمى والاختراعات تكاد تكون غير موجودة أو ملحوظة.
إن من يقارن ما تستثمره الدول العربية فى مجالات البحث العلمى والتنمية العلمية والنظر فى النسبة المخصصة من إجمالى الناتج القومى فى مجالات التعليم والبحث وبين النموذجين الايرانى والتركى سيخلص بكل تأكيد أن ما تنفقه إيران أو تركيا على التعليم والبحث العلمى يفوق الميزانية المخصصة لنفس الغرض عن نظيراتها فى العالم العربى.
تركيا وإيران
فى عام 2009 أصدرت تركيا 22 ألف مؤلف علمى مقارنة بخمسة آلاف منشور علمى فى عام 2000، أما بالنسبة لإيران فارتفع عدد الاصدارات العلمية من 1300 فى عام 2000 إلى 15 ألفا فى عام 2009 وفى ذلك بلا شك ما يعبر عن طفرة كبيرة.
وبحسب تقارير موثوقة صدرت مؤخرا فإن كلا من مصر والسعودية لم تنتج فى الفترة نفسها أكثر من 2000 من المطبوعات دون تحقيق زيادة تذكر هنا أو هناك.
ولم تتمكن أى من الجامعات العربية أن تضمن وجود اسمها على قائمة اهم 500 مؤسسة تعليمية فى العالم بصورة منتظمة أحدى هذه القوائم تضمنت فى عام 2010 جامعة الإسكندرية.
ويقدر إبراهيم المعلم نائب رئيس اتحاد الناشرين الدوليين أن حصة العالم العربى من اجمالى المبيعات العالمية للكتب لا يتجاوز الواحد بالمائة، وتحصل مصر على 4.. من هذه النسبة.
بينما يشير إلى أن نسبة الكتب العلمية لا تتجاوز نحو ثلاثة إلى خمسة بالمائة من هذه النسبة المتواضعة.
إن المدخلات التى يحققها البحث والتنمية فى إجمالى الناتج القومى لمصر تبقى شبه معدومة ومازالت مصر التى وصفها هيرودوت يوما بأنها هبة النيل تعتمد أساسيا فى دخلها القومى على هبات مصر مثل قناة السويس والسياحة وموارد طبيعية مثل الغاز والبترول.
فى الوقت نفسه فإن إسرائيل التى ليس لها من الطاقة البشرية سوى أقل من عشر ما تتمتع به مصر تحظى باقتصاد قوامه الرئيسى الصناعات التكنولوجية ويمكن القول إن نحو 90 بالمائة من الناتج القومى الاجمالى لها هو من موارد الصناعة والخدمات.
وإذا ما نظرنا إلى مستويات وسبل الانفاق الحكومى فى بلد عربى مثل مصر فإننا لا نجد الكثير من اسباب التفاؤل لو استمر الحال على ما هو عليه.
يقول الدكتور الشهير محمد غنيم فى تقرير أخير اعده، مستعينا بمعلومات واردة فى تقرير حديث للأمم المتحدة عن التنمية البشرية فى العالم العربى، إن إجمالى ما تنفقه الحكومة المصرية على التعليم سنويا لا يتجاوز 24 بليون جنيه، أى أقل من 5 بلايين دولار. وهذا الرقم لا يتجاوز 2.4 من الناتج القومى لمصر.
وبعملية حسابية بسيطة فإن النظر إلى هذا الرقم يعنى أن متوسط انفاق الحكومة المصرية على كل طالب لا يتجاوز فى العام الواحد 250 دولارا فى العام.
وبالمقارنة فإن إسرائيل تنفق ستة أضعاف هذا المبلغ حيث يحصل الطالب الاسرائيلى فى العام من انفاق حكومته على نحو 1500 دولار أو اكثر.
مصر والعالم
فى الوقت نفسه فإن أيا من طلاب الجامعات المصرية الذين يبلغ عددهم نحو 2.2 مليون طالب لا يحصل من الانفاق الحكومى على تعليمه أكثر من 500 دولار فى العام بينما تتكلف النفقات السنوية لتعليم قرينه من الطلاب المصريين فى بعض الجامعات الخاصة نحو 10 آلاف دولار إلى 15 ألف دولار سنويا.
هذه إذن حقيقة الوضعية المأساوية للتعليم فى مصر التى تدفع بأولياء أمور هؤلاء الطلاب لأن ينفقوا ما بين 10 بلايين إلى 15 بليون جنيه فى العام الواحد على الدروس الخصوصية سعيا وراء تحسين فرص أبنائهم فى تحصيل العلم وبالتالى تحقيق النجاح.
وإلى جانب ذلك فإن البنية التحتية للمدارس الحكومية فى مصر لا ترقى بحال من الاحوال لمستوى نظيرتها فى بلد صغير التعداد مثل فنلندا أو بلد له تقريبا نفس التعداد مثل كوريا الجنوبية، ذلك فى الوقت الذى يزيد فيه عدد التلاميذ فى المتوسط فى الفصل المدرسى بالمدارس الحكومية عن ال60 مما يكاد يستحيل معه على المدرس أن يحقق التواصل اللازم مع التلاميذ لضمان نجاح او كفاءة العملية التعليمية.
أما بالنسبة لقاعات الدرس بالجامعات المصرية فهى دائما مكتظة بمئات أو ألوف من الطلاب.
وسواء تعلق الأمر بالتعليم فى المدارس او فى الجامعات فإن المنهج المتبع هو منهج التلقى المباشر دون تنمية قدرات التحليل او النقد وفى ظل تغييب شبه كامل لنظريات ومناهج التعليم الحديثة التى استفاد منها العالم المتقدم بأسره.
أما المناهج التعليمية سواء فى المدارس أو الجامعات فهى لا ترقى أبدا للمستوى المطلوب لتخريج كوادر بشرية قادرة على التنافس على المستوى العالمى فى عصر الفضاء وزمن ثورة المعلومات.
إلى جانب ذلك فإن الوضع الاقتصادى للمدرسين فى مصر يدعو للأسف وذلك بالرغم من محاولات بذلت أخيرا لرفع دخل المعلم المصرى وهو ما يدفع بالكثيرين للبحث عن تقديم خدمات الدروس الخصوصية لتلاميذهم كوسيلة من وسائل تحقيق دخل إضافى.
وللحديث بقية
جريدة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.