بالبداية أتسال ماذا نريد بعد ثورة 25 يناير؟ هل نريد ديمقراطية حقيقية أم إننا نريد ديمقراطية "تفصيل" كما كانت في السابق!! فالفترة الحالية أصبحت تتعالى الأصوات وتنبح بالكثير من أدوات الحوار الوطني بين جميع القوى السياسية، ورغم اختلافاتها فيما بينها إلا أنها تنضح بشيء واحد مشترك وعبارة رنانة وهي( من ليس معنا فهو ضدنا) وهذه العبارة ليست بالغريب علينا لأنها هي في الأصل حضارة منبثقة من الحزب الجمهوري الأمريكي، ولنا في الأمثلة الكثيرة المتعددة لتاريخ هذه الثقافة درساً واضحاً، كان أخرها الرئيس السابق جورج بوش، ورغم وجودها إلا إن الديمقراطيات الأصيلة التي اتخذت الرأي والرأي الأخر وأسلوب الحوار منهجاً لقواعدها، قتلتها وأخفت وجهها القبيح. أما ديمقراطية شباب 25 يناير تريد إحياء هذه الثقافة في مصر من خلال (النظرية السوداوية) التي يتبنونها تجاه الحزب الوطني الحاكم سابقاً بمعنى إن رموز الحزب وقياداته فاسدين إذن باقي الجسم فاسد وعلينا إعدامهم وبترهم من جسد السياسة المصرية، بدون أن يدروا العواقب الوخيمة لهذه العملية التي يقومون في وسائل الإعلام المختلفة والتي جاءت على هوى القوى السياسية الأخرى من أحزاب متهالكة، وحركات إسلامية راديكالية لما يخدم مصالحها، بل ونجحت في تعميقها في مؤسسات الدولة المدنية بحل جميع النقابات والمؤسسات واتسعت في الأسبوع الماضي ، وهناك الآن ممن يرفع صوته ضد قواتنا المسلحة.. ومحاكمة رمز الوطن. لعل عفوية شباب 25 يناير وعدم وجود إطار سياسي منهجي ومرجعي يحكم سقفهم السياسي، جعلهم عرضة إلى عملية تخطط وتدبر بحنكة سياسية من أطراف تخدم مصالحها بطريقة غير مباشرة، استطاعت من خلال إدارة اللعبة السياسية في مصر أن تحولهم بهذه الثقافة "الغير ديمقراطية" أن يكونوا أدوات ضغط وإقصاء لمن سيقف في طريقهم يوم "الحشد العظيم" والذي لا يعترف فيه بثورات أو شباب أو حتى مدى فاعلية قوة ميدان التحرير.. وتكون كلمته في النهاية لمدى قوة التنظيم على صندوق الاقتراع، والممارس الجيد والمتعمق في لعبة السياسة في ريف مصر وإقليمها البحري والقبلي يعلم ذلك. فتحليل إطار السياسة المصرية على مدار العشر سنوات الماضية وبالتحديد في انتخابات المرحلة الأولى من برلمان 2005 يعلم أن هناك قوتين سياستين منظمتين باستطاعتهم تحقيق هذه المكاسب، وكذلك تستطيع أن تسيطر على البرلمان ومن ثم مقعد الرئاسة، ويمثلان في نظريات السياسة الواقعية " ميزان القوى" المضاد في صناعة القرار المصري وكل منهما يمتلك أجندته الخاصة التي يسعى منذ قرون لتحقيقها وهما الإخوان المسلمين والحزب الوطني، وإذا أقصي الحزب الوطني من من هذه اللعبة فباستطاعة الثاني أن يسيطر على مجريات الأمور في مصر وينفذ كل ما هو يريد وبالإطار الشرعي، والإخوان يعلمون أن لعبة الانتخابات على ارض الواقع تختلف في شكلها ومضمونها عن لعبة الثورات أو الفيس بوك أو إدارة معركة سياسية في ميادين التي لا تمثل لديهم إلا مجرد حركة شطرنجية واحدة لإزاحة الملك وعناصره من على البساط بشعار "ديمقراطية التفصيل"، ليتقدموا نحو اللقب بالشرعية والدستور، والبرهان على ذلك محاولاتهم اكتساب الشارع المصري من خلال اختفاء الرموز الدينية لهم في الثورة، ومن ثم الإعلان عن تشكيل حزب سياسي. وبالعودة إلى السيناريو السابق وحساب الزمن المتبقي على انتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة بعد عمل الدستور الجديد لأي طرف سياسي أخر تم الإعلان عنه حتى الآن وتسويقه للشعب المصري، يؤكد أن الأحزاب المصرية المتهالكة ستظل كما هي ولن يخرج دورها عن دور الكومبارس الذي لعبته مع النظام السابق قبل الثورة. فقبل أن يأتي أكتوبر القادم ويفاجئ شباب 25 يناير بخروجهم خاليين الوفاض من ساحة السياسة المصرية عليهم أن يسألوا أنفسهم الآن. هل الحزب الوطني من جنوب مصر إلى أقصى شمالها فاسد لكي نعدمه جسدياً؟ ماذا حدث في العراق بعد إعدام حزب البعث؟ أو ماذا حدث في الدول الأخرى بعد انهيار إحدى موازين القوى في السياسة الداخلية؟ لماذا يسعى الإخوان المسلمين إلى تشكيل حزب سياسي الآن؟ ولماذا هذا التوقيت؟ هل الديمقراطية تقول أن من ليس معنا فهو ضدنا؟ هل يجب علينا أن نطلق على من عارضوا الثورة خائنين؟ هل من خرجوا بالثورة هم من سيخرجون في عملية الانتخابات القادمة؟ هل جميع أبناء الشعب المصري يفقهون في السياسية المصرية كما الشعوب المتقدمة ويعلمون معنى كلمة برنامج انتخابي؟ من هي القوى التي تقوم بعملية الحشد وقت الانتخابات للحصول على اعلى الأصوات والمقاعد؟ أين الأحزاب المصرية؟ وأين برامجها الانتخابية؟ كيف سيمثلون شريحتهم ويحمون ثورتهم بطريقة شرعية منظمة سياسياً لها أهدافها وبرامجها التي تتوافق مع الدستور القادم؟ فعليهم بالنهاية أن يفكروا جيداً، ويفكروا في مستقبل مصر، ويفكروا في مستقبل كل رجل وامرأة وطفل. ولا ينسوا الأجيال القادمة لنا.. فنحن بالفعل غيرنا التاريخ ولي الشرف أن أكون من هذا الجيل الطاهر رغم المسافات بيني وبين ميدان التحرير وروح الشهداء.. ولكن إذ لم نفكر بالديمقراطية الحقيقية (الغير مفصلة) من أحزاب وقوى سياسية لها مصالحها الممتدة داخلياً وخارجياً منذ عقود ماضية ونكون على مستوى الحدث والتحرك السريع وتحديد الأهداف ورسم السياسات وتقليص الأدوار والاعتراف بالرأي والرأي الأخر ونبذ الشعار السائد من ليس معنا فهو ضدنا.. أقولها بكل صراحة أن السابق هو هذا ما سيحدث في مصر الأيام القادمة وسنخرج من الثورة بدون تحقيق أي نتائج مما سعينا إليه.