بث حى مفتوح المدة على قناتى الجزيرة وبى بى سى العربية. الأعين متعلقة بشريط الأخبار الذى ينقل الحدث لحظة بلحظة «الرئيس التونسى يقيل الحكومة ويحل البرلمان»، «مصادر تؤكد خروج الرئيس التونسى من البلاد». فى ذات اللحظة، كان أليكس بارين، الكاتب الأمريكى بمجلة صالون الإلكترونية، يكتب على موقع «تويتر» للتدوين القصير، «إنى أعتمد على شخص يكتب على تويتر فورا ما يراه على شاشة الجزيرة. إن قناة إس إن بى سى تبث تقريرا عن جرح فى شفة كلب مارثا ستيوارت»، يقصد الطاهية الأمريكية الشهيرة. ما قاله أليكس ردده آلاف المتابعين لأحداث تونس من خلال مواقع تويتر و«فيس بوك» و«يوتيوب»، الذين تعجبوا من فشل الإعلام الغربى، والأمريكى خاصة، فى التعامل مع الحدث الجلل. أحد المتابعين الأمريكيين قد كتب على تويتر يوم 14 يناير، تاريخ نجاح ثورة الياسمين، «الإعلام الأمريكى فاشل. فى اللحظة، التى تسقط فيها حكومة تونس، فإن السى إن إن تبث تقريرا عن كمبيوتر ذكى يفوز فى برنامج مسابقات تليفزيونى». فى الفترة التى كان فيها الرئيس المخلوع بن على معلقا بين الأرض والسماء، حائرا بين فرنسا ومالطة، كانت القناة الأولى المصرية تبث فيلم «عمارة يعقوبيان» دون أن يفكر أحد مسئولى ماسبيرو فى قطع إرسال الفيلم بموجز يلخص الأنباء العاجلة. أما الإعلام السورى فقد سجل موقفا غير متوقع، بتجاهل الأنباء تماما إلى أن أعلنت صباح اليوم التالى أن الرئيس التونسى قد «قرر التنازل عن الحكم لنائبه نتيجة بسبب بعض المتاعب الصحية». موقف الإعلام المصرى والسورى قد لا يحتاج إلى الكثير من التحليل، لكن خبراء الإعلام الغربى يقفون حائرين أمام سر تأخر التغطية الإعلامية الغربية لثورة تونس. شهد العامان الماضيان احتفاء غير مسبوق بالميديا الاجتماعية، والرهان على قدرتها فى مساعدة النشطاء السياسيين فى الدول القمعية التواصل دون رقابة، وكسر احتكار الحكومات للإعلام. ظهر ذلك فى مظاهرات ضد إجراءات الانتخابات الرئاسية فى إيران، والاحتجاجات الشعبية ضد نتائج البرلمان فى مولدوفا، فقد اعتمدت الميديا العالمية بشكل رئيسى على الصورة والفيديو والرسالة القصيرة، التى يبثها النشطاء من موقع الحدث. أما 2011، فيشهد بداية نهاية موضة الإيمان الأعمى بالميديا الاجتماعية، فى رأى إفيجينى مورزوف، مؤلف كتاب «وهم الشبكة، الجانب الأسود لحرية الإنترنت». يقول مورزوف فى مقال بمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية أن اهتمام الإعلام الأمريكى المبالغ فيه باحتجاجات دولة صغيرة مثل مولدوفا، كان نتيجة الحماس لنوعية القصص الإخبارية، التى تدور حول «ثورات تويتر»، و«كيف ستغير الميديا الاجتماعية كل شىء فى العالم». ثورة الياسمين التونسية لم تلحق بقطار الشهرة، والحديث ما زال لمورزوف، فقد كتب المدونون عن أحداث سيدى أبوزيد على مدى شهر كامل فى مواقع تويتر وفيس بوك، ولم تحظ الأحداث بالاهتمام الكافى رغم ذلك. مالكولم جلادويل، المؤلف الأمريكى الشهير، كتب منذ أشهر يؤكد أن الثورات والاحتجاجات الشعبية المهمة على مر التاريخ طالما اعتمدت على الاتصال الشخصى المباشر، والصلات العميقة، التى تربط بين المجموعات الصغيرة التى تشكل المظاهرات، حتى وصول الأعداد للكتلة الحرجة، التى يؤمنون فيها بقدرتهم على التغلب على الأعداء المشتركين. وكان الهدف من تحليل جلادويل إثبات خطأ الافتراض القائل إن مواقع التواصل الاجتماعى قادرة على أن تكون مصدر تغيير سياسى حقيقى. أما مورزوف فيقول إن الميديا الاجتماعية كلها ودورها فى الحياة السياسية يحتاج إلى إعادة تقييم، «فمعظم من نفذوا ثورة تونس الشعبية كانوا من فقراء الطبقة الوسطى والدنيا، ولا تربطهم بالضرورة علاقة وثيقة بموقعى فيس بوك وتويتر». وإن كان النشطاء يستفيدون من هذه المواقع فى التواصل، فالحكومات تستخدمها فى المراقبة، والأكثرية تستخدمها فى الترفيه، الذى يساعد على مزيد من انعزاله عن الواقع.