وضع تقرير حديث للأمم المتحدة 4 سيناريوهات تتعلق بموقف جنوب السودان بعد الاستفتاء على انفصاله عن الشمال، من اتفاقية سنة 1959 بشأن الحصص المائية لمصر والسودان، على اعتبار أنها أهم الاتفاقيات المنظمة لإدارة المياه فى حوض نهر النيل. التقرير الصادر عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة بعنوان «حوض النيل والاستفتاء على انفصال جنوب السودان» ركز على الأوضاع القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تتحكم فى إدارة الموارد المائية لنهر النيل. ووفقا للسيناريو الأول الوارد بالتقرير وهو إعلان نتيجة الاستفتاء لصالح الوحدة، ستكون السودان دولة واحدة، ولكن من المتوقع أن يتوسع جنوب السودان فى الحكم الذاتى، وأن يناضل من أجل الاستحواذ على مزيد من مشروعات البنية التحتية وإمدادات البترول والطاقة والأصول المائية. ويقول التقرير إنه من المتوقع أن يتفاوض الشمال والجنوب فى هذه الحالة على تقسيم داخلى للحصة المخصصة للسودان من مياه النيل بموجب اتفاقية 1959، لكنه أكد استحالة حدوث هذا السيناريو فى الوقت الذى تؤكد فيه المؤشرات الحالية لنتائج الاستفتاء حدوث الانفصال. وأوضح التقرير أنه طبقا للسيناريو الثانى وهو استقلال الجنوب مع التزامه باتفاقية 1959، وبهذه الحالة تصبح دولة الجنوب الدولة الحادية عشرة فى حوض النيل. ووفقا لهذا السيناريو ستكون إحدى القضايا المهمة لهذه الدولة الوليدة هى موقفها من اتفاقية 1959، وفى حالة اتخاذ الجنوب مواقف منحازة للحقوق التى تنص عليها اتفاقية الحصص المائية ستكون مواقفها متسقة مع دول المصب، وفى حالة موافقة شمال السودان ومصر على هذا الاتفاق سيكون هناك حاجة إلى إعادة التفاوض على الحصص المائية بين الدول الثلاث، ومن المؤكد ألا توافق مصر على تقليل حصتها؛ لذلك سيكون على شمال السودان وجنوبه إعادة التفاوض على حصة السودان والبالغة 18.5 مليار متر مكعب سنويا. وأكد أن المادة الخامسة من اتفاقية 1959 تشترط وجود مواقف موحدة بين مصر والسودان فى أى مفاوضات تتعلق بالمياه مع باقى دول الحوض، وهو ما سينطبق على جنوب السودان فى حالة قبولها للاتفاقية، ولكن هذا سيمنع دولة الجنوب فى دخول فى مشاريع مع دول المنابع أو الانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا. وأكد التقرير تضاؤل نسب احتمال حدوث هذا السيناريو لأن اتفاقية 1959 تنص على بناء مشروعات لحفظ مياه النيل فى جنوب السودان مثل مشروع قناه جونجلى والذى لم يحظ بقبول الجنوبيين، وهو ما يؤكد ضعف احتمال حدوث هذا السيناريو. وأوضح التقرير أن السيناريو الثالث هو الاستقلال دون الموافقة على اتفاقية 1959، وهو يفترض اتباع جنوب السودان لمذهب نيريرى للقانون الدولى والذى ينص على مراجعة القوة الإلزامية للمعاهدات السابقة بشأن المياه، وفيما يختص بالمعاهدات التى يعود تاريخها إلى ما قبل 1959 قد تدعى جنوب السودان أن هذه الاتفاقيات وقعت تحت الحكم الاستعمارى، وحتى الاتفاقيات الموقعة بعد هذا التاريخ من المقرر أن ترفضها؛ لأن الجنوب كان منشغلا وقتها فى الدفاع عن الاستقلال والحكم الذاتى. ويؤكد التقرير أنه فى حالة عدم قبول الجنوب للقوة الإلزامية لمعاهدة 1959، ستنضم دولة الجنوب إلى جيرانها من دول المنابع الأفريقية، وقد تقرر التوقيع على الاتفاقية الإطارية «عنتيبى» وهى الخطوة التى ستعادى بها شمال السودان ومصر، خصوصا إذا أصبحت جنوب السودان الدولة السادسة التى تقر الاتفاقية الإطارية. ويقول التقرير إن السيناريو الرابع وهو الاستقلال والانتظار والترقب، سيكون الأرجح للتطبيق على المدى القصير بعد إعلان الانفصال حيث إن قضايا النيل ليست من ضمن أهم القضايا المطروحة بين الشمال والجنوب حيث إن حكومة الجنوب لن تكون مضطرة لاتخاذ موقف عام فورى من قضايا حوض النيل. وأكد التقرير أن هذا السيناريو سيعطى المزيد من الوقت للجنوب ليعرف الفوائد والقيود والمخاطر لكل الخيارات المتاحة والبقاء صامتا وعدم الانحياز لأى من المواقف، وهذا سيعطى مهلة لجنوب السودان باعتبارها دولة ممر جديدة لتختار الانحياز لدول المنابع أو المصب. وتناول التقرير مستقبل الاتفاقية الإطارية قائلا إن المدى الزمنى لغلق باب التوقيع على اتفاقية عنتيبى سيكون فى 13 مايو من العام الحالى، معتبرا أن توقيع دولة سادسة عليها سيدخلها فى حيز التنفيذ والاعتراف الدولى بعد 60 يوما من توقيع الدولة السادسة، وهو ما يضفى الشرعية للجنة العليا لحوض النيل بدلا من مبادرة حوض النيل. وأكد التقرير أن تصديق جنوب السودان على الاتفاقية الإطارية الجديدة سيتوجب إعلان سيادة دولة الجنوب وهو ما سيتم بعد جميع المراحل الانتقالية التى تعقب نتيجة الاستفتاء، لكن طبقا للمادة 40 من الاتفاقية الإطارية فإنه يحق لكل دولة تمتلك إقليما يقع على نهر النيل، التصديق والانضمام للمعاهدة. وأوضح التقرير أن تفعيل دور جنوب السودان فى قضايا حوض النيل والتصديق على الاتفاقية الإطارية، ودخول مبادرة حوض النيل غير مشروط قانونيا بموافقة الدول العشرة الأعضاء على قبول الدولة الجديدة. وحول الآثار القانونية لإدارة المياه فى حوض النيل بعد انفصال جنوب السودان، أكد التقرير على ضرورة أن يتخذ شمال السودان قرارات بشأن آلية الاستمرار فى المعاهدات الدولية الملزمة لكامل الإقليم السودانى، ومراجعة جميع المعاهدات الدولية الخاصة بالمياه التى وقعتها الخرطوم ومدى التزام الدولة الجنوبية الوليدة بها. وحذر التقرير من أن الاتفاقية الإطارية ستخلف فراغا قانونيا يتعلق بالالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل، وهو ما يقترح إعادة تقسيم حقوق والتزامات مبادرة حوض النيل من خلال مفاوضات جديدة بين الدول الأعضاء فى المبادرة واللجنة الجديدة. وتناول التقرير بشكل مفصل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بين قبائل جنوب السودان التى وصفها بأنها تعانى من الصراعات المرسخة على الموارد المائية وهو ما يجعل جنوب السودان يعانى من مواجهة أنواع متعددة من العنف النابع عن التوترات المحلية والإقليمية. وأوضح التقرير أن العوامل المتسببة فى هذا تشمل الوضع السياسى المتأزم، وانتشار التسلح فى المجتمع، والقبلية، والقضايا الدينية، وغياب القدرة المؤسسية على توفير الأمن ومنع واحتواء وحل الصراعات. كما أن الحصول على المياه بالنسبة للرعاة يعد عامل أولى مؤثر فى الصراع. ووفقا لمجموعة الأزمات الدولية فإن حصول المجتمعات الرعوية على مخزون مائى جيد ومصادر بديلة يقلل الحاجة للتنقل الموسمى مع مواشيهم بشكل كبير.