«أتحداك إذا أعلن أى شخص السبب الحقيقى لتأخير مناقشة مشروع القانون» بهذه الكلمات بدأت النائبة السابقة جورجيت قلينى حديثها عن القانون الموحد لبناء دور العبادة، الذى قدمت مشروعه خلال الدورة البرلمانية الماضية إلى مجلس الشعب، لكنه لم يدخل حيز المناقشة بدون إبداء أسباب. تتندر قلينى بأن أول من تقدم بمشروع قانون موحد لبناء دور العبادة هو المستشار محمد جويلى، نائب شبرا السابق، حيث لم يشفع له منصبه كرئيس للجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب ليتمكن من مناقشة القانون. «جويلى كان صاحب المبادرة الأولى لأنه كان يمثل دائرة انتخابية يختلط فيها المسلمون بالمسيحيين بشكل ملحوظ، ثم تبنَّى المجلس القومى لحقوق الإنسان هذا الموضوع، وتمت صياغة مشروع آخر للقانون تحت إشراف خبراء قانونيين معظمهم مسلمون هم أحمد كمال أبو المجد وليلى تكلا وعادل قورة ومنى ذوالفقار وصلاح عامر وسعيد الدقاق وفؤاد عبدالمنعم رياض». وتستطرد جورجيت: طلب منى بطرس غالى، رئيس مجلس حقوق الإنسان، تبنى مشروع القانون وتقديمه فى البرلمان، وبالفعل تقدمت به إلى الأمانة العامة بمجلس الشعب مرتين على رأس دورتين برلمانيتين «ومسمعتش عنه حس ولا خبر بعد كده». وتؤكد قلينى عدم وجود أى تشريعات لتنظيم بناء الكنائس حاليا، فالشروط القانونية المطلوبة لحين صدور قرار جمهورى ببناء كنيسة تمثل سلسلة من المعوقات «وأحيانا تمر سنوات طويلة قبل استيفاء الشروط المطلوبة على طريقة (الكعب الداير) بين الموافقات الأمنية والإدارية، وأحيانا تواجه الكنائس مشكلة بنقل تبعية الأراضى المطلوب استغلالها فى البناء من وزارة لأخرى فى لحظة، فتبدأ سلسلة المعوقات من جديد، وأن كل مطرانية تتولى مهمة استخراج تصاريح لإنشاء الكنائس أو توسعتها فى منطقتها الجغرافية». وترى قلينى أن صدور قانون موحد لتنظيم بناء دور العبادة كان من شأنه منع العديد من الأحداث المؤسفة التى شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة وسببت توترا طائفيا على خلفية منع أو تقييد بناء الكنائس، وأبرزها أحداث العمرانية الأخيرة «لأن من نتائج سن التشريع تعميم طريقة إدارية واحدة غير تمييزية على جميع دور العبادة، وإتاحة بناء المساجد والكنائس للجميع بدون شروط تعجيزية أو الاحتكام لسلطة تقديرية». وتشرح قلينى مدى حاجة الأقباط فى القرى الصغيرة الفقيرة والمدن الجديدة إلى حرية بناء الكنائس قائلة: لا يمكن لمواطن أن يرضى بخلو قرى كاملة من الكنائس رغم وجود أعداد غفيرة من الأقباط بها، ففى بعض الأحيان يرتحل الأقباط من قرية إلى أخرى، قاطعين عشرات الكيلومترات على الأقدام، ليشيعوا جنازة ميت من كنيسة.. وهو وضع غير إنسانى ولا يحقق أمن المجتمع. وترفض قلينى ادعاءات البعض بأن القانون سيحدث فوضى وسيسمح ببناء عدد ضخم من الكنائس قد يتجاوز نسبة الأقباط «الأمور لن تبلغ حد الفوضى لأن فرصة إيجاد قطعة أرض مناسبة لبناء مسجد أو كنيسة ليست سهلة بطبيعة الحال، وبالتالى فمهما زاد عدد الكنائس لن يشكل قلقا للمسلمين، وأعتقد أن القانون سيحقق مصلحة المجتمع من خلال تيسير الإجراءات على الأفراد الراغبين فى بناء دور العبادة». من جانبه يقول المحامى القبطى ممدوح نخلة، صاحب المشروع الثالث للقانون ذاته، إن مجلس الشعب لم يناقش مشروعه منذ 2007 حتى الآن بدون إبداء أسباب أيضا، لكن بعض المطلعين أخبروه بأن «تيارا دينيا متشددا داخل الحزب الوطنى ومجلس الشعب لا يرغب فى تمرير هذا المشروع رغم أن المسلمين المعتدلين يرونه الحل الوحيد لحل مشكلات بناء المساجد والكنائس على حد سواء». حاول نخلة تحريك المشروع قضائيا برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى منذ 3 سنوات لإلزام رئيس مجلس الشعب بمناقشة المشروع وعرضه على لجنة الاقتراحات والشكاوى، لكن المحكمة أحالت الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى بها، لكنه لم يصدر حتى الآن. ويرى نخلة أن الرد المناسب على من يخشون إصدار هذا القانون هو سؤالهم «ما هو الضرر الذى سيلحق بالمجتمع بزيادة أعداد الكنائس؟» لأن أعداد المساجد فى المقابل تزيد بما يتجاوز حاجة المسلمين ولم يشكو المسيحيون ذلك «ناهيك عن التمييز الواضح بين الطرفين فى السماح للمسلمين بتحويل المبانى السكنية إلى مساجد وحظر ذلك على الأقباط نهائيا». ويصف نخلة شروط الحصول على قرار جمهورى ببناء كنيسة ب«التعجيزية» لأن تحقيق أكثر من 10 شروط إدارية يتطلب كل منها موافقة جهة إدارية معينة «أمر غاية فى الصعوبة، ويتكرر فى حالة ترخيص البناء أو التوسعة أو الترميم، خاصة أن طالب الترخيص يجب عليه الحصول على موافقات الحى والمحافظة ومديرية الأمن وجهاز أمن الدولة». ويشدد نخلة على عدم ملاءمة الشروط المتبعة حاليا للعصر الذى نعيشه، فى ظل التوسع العمرانى الكبير وخلو المدن الجديدة الصحراوية من الكنائس وإنشاء المساجد ففط بها، مقدرا عدد الكنائس فى مصر بنحو 2400 كنيسة منها 400 صغيرة لرعايا الطائفة الإنجيلية، وهو رقم يقل بكثير عن نسبة الأقباط فى نسيج المجتمع المصرى، بحسب نخلة. ويستطرد: «إذا كان البعض ينادى بإطلاق يد المسلمين فى إنشاء مساجد بدول أوروبا، فالأولى أن تطلق يد الأقباط فى إنشاء الكنائس بمصر، بالنظر إلى نسبتهم من عدد السكان الكلى، وتاريخ وجودهم فى البلاد وحجم انتشارهم وتوزيعهم الجغرافى»، مشيرا إلى أن محدودية الأراضى الصالحة للبناء داخل الكردونات السكنية تحول دون فوضى البناء وإنشاء كنائس دون حاجة حقيقية لها. ويذكر نخلة أن مجلس الدولة أصدر حكما تاريخيا عام 1954 برئاسة المستشار عبدالرازق السنهورى أكد فيه أن «الخط الهمايونى لا يصلح لهذا الزمان ولا يؤحذ ذريعة للحد من بناء الكنائس» وأجاز تحويل مبنى بمدينة القصاصين بمحافظة الإسماعيلية إلى كنيسة «لأن الصلاة لا تحتاج إلى ترخيص، ولذلك يكتفى فقط بترخيص المبنى كمنشأة». «هذا المبدأ راسخ قانونا منذ أكثر من نصف قرن، ورغم ذلك ما زالت معايير إنشاء الكنائس غائبة وتخضع للسلطة التقديرية» يعلق نخلة على حكم السنهورى، مشيرا إلى أن اختلاف طريقة ترخيص المسجد والكنيسة يمثل تمييزا دينيا لن يحل إلاّ بصدور تشريع موحد. ويوضح نخلة أن الطوائف المسيحية الأصغر حجما من الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية «متحمسة تماما للقانون الموحد، لأنها ستتمتع بحريتها فى بناء كنائس بمناطق وجودها» رافضا المقارنة بين هذا القانون وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين الذى يشوب إعداده خلافات بين الطوائف المسيحية «لأن كل طائفة لها شريعة معينة فى الزواج والطلاق، لكن جميع الطوائف ستستفيد من تنظيم بناء دور العبادة». ويذهب نخلة لأبعد من ذلك مطالبا الهيئات الحكومية وأقسام الشرطة بعدم تخصيص أماكن بداخلها لصلاة طائفة دون أخرى «لا يخلو قسم شرطة أو فرع لمباحث أمن الدولة من مسجد لخدمة المواطنين المسلمين، بينما يحرم الأقباط من مكان للتعبد داخل الهيئات الحكومية المختلفة، ولا أعتقد أنه من الملائم إنشاء مسجد أو كنيسة فى جهة حكومية تفترض فيها المدنية والحيدة».