يصادف الأول من مايو من كل عام احتفال عمال العالم بعيدهم تخليدا لذكرى شهداء الإضراب العمالى فى مدينة شيكاغو بالولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1886، والذى طالب فيه العمال بأن يكون يوم العمل 8 ساعات فقط، ودعت إلى هذا الإضراب فى الولاياتالمتحدة منظمة فرسان العمل، التى تأسست كتنظيم عمالى نقابى عام 1869، وكانت الدعوة لإضراب أول مايو تلبية لنداء الأممية الاشتراكية، التى كانت قد أطلقت دعوتها فى جنيف قبلها بسنوات داعية للنضال من أجل 8 ساعات عمل، 8 راحة ونوم، 8 ثقافة وتعليم. وفى إضراب أول مايو 1886كانت مدينة شيكاغو أكثر المناطق الأمريكية، التى شهدت إضرابا ناجحا وتظاهرات ضخمة وعلى أثر نجاح الإضراب دعا عمال شيكاغو إلى تمديد الإضراب يومى 3 و4 مايو إلا أنهم تعرضوا لقمع السلطات الأمريكية، التى فتحت النيران على العمال بحجة قيام العمال بإطلاق النار على الشرطة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 عامل، واعتقلت الشرطة عددا من القادة النقابيين وحكم على ثمانية منهم بالإعدام. ودعت الأممية الثانية عام 1889إلى اعتبار الأول من مايو من كل عام يوما عالميا للعمال، يرمز إلى تحركهم ونضالهم من أجل حقهم فى العمل والراحة والثقافة والتعليم، وحددت الأممية الثانية الأول من مايو 1990يوما لبدء الاحتفال بالمناسبة. وفى مصر لم يتأخر كثيرا ظهور الحركة العمالية فقد شهد القرن التاسع عشر تحولا من نظام الورش الحرفية إلى نظام الصناعة الحديثة، الحديثة بمعايير وقتها، فمنذ عصر محمد على أدخل الباشا عديدا من الصناعات لخدمة مشروعه وطموحاته العسكرية، وفى عصر خلفاء محمد على خاصة إسماعيل وتوفيق تغلغل رأس المال الأجنبى فى السوق المصرية، وظهرت بعض الاستثمارات الصناعية الأوروبية، وكان طبيعيا أن تظهر الطبقة العاملة الصناعية فى مصر، والتى تكونت من خليط من العمال المصريين والأجانب، ومع ظهورها بدأ وعيها بحقوقها ينمو، وتبلورت مطالب العمال خاصة فيما يتعلق بتحسين الأجور، وكان لوجود الأجانب فى صفوف الطبقة العاملة تأثيره على سرعة انتشار الوعى النقابى، لقد اختفت تدريجيا طوائف الحرف، التى عرفها مجتمعنا منذ العصور الوسطى بظهور الصناعة الحديثة فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن قبل أن ينتهى ذلك القرن كانت النقابات العمالية قد تأسست فى مصر. ويعتبر كثير من الباحثين أن عام 1899يعد عام ميلاد الحركة العمالية المصرية، فرغم أن الزعيم محمد فريد قد سجل فى تأريخه لأحداث عصره إضراب عمال نقل القمح فى ميناء بورسعيد عن العمل واعتصامهم فى أبريل سنة 1894، ورغم الإشارات المتفرقة إلى حركات محدودة للتمرد فى مصانع محمد على، فإن إضراب لفافى السجائر فى القاهرة، الذى بدأ فى ديسمبر سنة 1899، واستمر حتى فبراير من عام 1900 يعد الميلاد «الرسمى» للحركة العمالية فى مصر، خاصة أن هذا العام شهد تأسيس أول نقابة عمالية فى مصر باسم «جمعية لفافى السجائر»، وكان رئيسها يونانيا يدعى كريازى. وشهد العقد الأول من القرن العشرين توالى تأسيس الجمعيات العمالية، فتشكلت جمعية اتحاد الخياطين وجمعية الحلاقين وجمعية عمال المطابع وجمعية عمال الأدوات المنزلية فى السنوات الأولى من القرن الجديد، وفى سنة 1908 أسس الحزب الوطنى بعد أن تولى رئاسته الزعيم محمد فريد نقابة عمال الصنائع اليدوية، وكانت لمحمد فريد مواقفة المتعاطفة مع الطبقة العاملة وقضاياها، كما كانت له صلاته بالحركة الاشتراكية العالمية، وكان يرى فى تنظيم العمال فى نقابات دعما للحركة الوطنية فى نضالها من أجل الاستقلال والدستور، وحاول أن يدفع الحزب الوطنى الوليد إلى تبنى مواقف مؤيدة لحقوق العمال. ومن أهم وأول الدراسات الأكاديمية حول العمال فى مصر الدراسة، التى أعدها المؤرخ الراحل رءوف عباس بعنوان: «الحركة العمالية فى مصر 1899 1952»، وحصل بها على درجة الماجستير من جامعة عين شمس تحت إشراف المؤرخ الكبير أحمد عزت عبد الكريم، وتعد تلك الدراسة رائدة فى مجالها، وقد صدرت مؤخرا طبعة جديدة منها عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمقدمة للدكتور رفعت السعيد.