لا أعرف كم عدد الأسباب التى يمكن أن تؤدى إلى الحكم ببطلان انتخابات مجلس الشعب، التى أصبحت نزاهتها مجرحة من كل جانب، إلا أن أهل القانون استفزهم أمران اعتبروهما يمثلان إهانة للقضاء وازدراء به، إلى جانب تجريحهما لنزاهة الانتخابات بطبيعة الحال. الأمر الأول يتمثل فى انتداب ألفى قاض من وراء ظهر مجلس القضاء الأعلى، بالمخالفة للنص الصريح فى قانون السلطة القضائية الذى تنص المادة 52 منه على أنه لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم أو إعارتهم إلا طبقا للقواعد التى قررها القانون، والتى فصلت فيها المادة 62 إذ أجازت الندب بقرار من وزير العدل بشرطين هما أخذ رأى الجمعية العمومية التابعين لها وموافقة مجلس القضاء الأعلى. ولما كان قد ثبت أن الموضوع لم يعرض على مجلس القضاء الأعلى، بشهادة عضو المجلس المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض، الذى صرح بأنه حضر كل الجلسات التى عقدت وأكد أن الموضوع لم يعرض عليه. فذلك يعنى أن القضاة الذين انتدبوا فقدوا التخويل القانونى الصحيح الذى يمكنهم من أداء المهمة، من ثم فإنهم شاركوا فى العملية كمواطنين عاديين، الأمر الذى يسوغ الحكم ببطلان الانتخابات التى انتفت فيها المتابعة القضائية المقررة قانونا. أما الأمر الثانى فيتعلق بموقف رئيس اللجنة العليا للانتخابات إزاء الأحكام القضائية التى صدرت عن مجلس الدولة، وقضت بوقف الانتخابات فى بعض الدوائر. وقد تلقيت فى ذلك رسالة من الأستاذ مدحت أبوالفضل المحامى أبدى فيها دهشته من عدم تنفيذ تلك الأحكام، واعتبر ما جرى فى هذا الصدد مذبحة جديدة للقضاء. ومما ذكره أن أهل القانون جميعا يعرفون أن ثمة حيلا تمارس فى هذه الحالة من جانب البعض. بمقتضاها تقدم إشكالات (مضروبة) أمام القضاء العادى لتعطيل التنفيذ، ويترتب عليها أن يحكم القاضى فى هذه الحالة بعدم الاختصاص، ويحيل القضية إلى مجلس الدولة مرة أخرى. وهو ما يضيع وقتا ويضيع المصلحة المرجوة، كما يعطل تنفيذ الحكم. أضاف الأستاذ أبوالفضل قائلا إن أى دارس للقانون، فضلا عن أن يكون من المشتغلين به، يفهم هذه اللعبة جيدا. ويدرك أنها لا تصلح لأن توقف تنفيذ الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة. كما أنه يعلم جيدا أن مصيرها هو عدم الاختصاص. وهو يدلل على وجهة نظره ذكر أن هذه البديهية تستند إلى نص المادة 50 من القانون رقم 47 لسنة 72 بشأن مجلس الدولة، التى قضت بما يلى: «لا يترتب على الطعن، أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بغير ذلك. كما لا يترتب على الطعن أمام محكمة القضاء الإدارى فى الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية وقف تنفيذها إلا إذا أمرت المحكمة بغير ذلك». كما أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بتاريخ 7/3/2005 فتوى تناولت فيها هذا الأمر تفصيلا وانتهت فيها إلى أمرين هما: أولا، اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بنظر إشكالات التنفيذ التى تعترض تنفيذ الأحكام الصادرة منها ثانيا، أن إقامة الإشكال أمام محكمة غير مختصة لا ينتج أثرا سواء كان عدم الاختصاص ولائيا أو نوعيا. وقد رجعت الجمعية العمومية فى ذلك إلى قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 الذى نص فى الفقرة الأولى منه على اختصاص المحاكم بالفصل فى جميع المنازعات فيما عدا المنازعات الإدارية التى يختص بها مجلس الدولة، وبالتالى فإن المنازعة فى تنفيذ حكم صادر من جهة القضاء الإدارى والتى تستهدف إما المضى فى التنفيذ وإما إيقافه وإن وصفت من حيث نوعها بأنها منازعة تنفيذ، إلا أن ذلك لا ينفى انتسابها إلى ذات جنس المنازعة التى صدر فيها ذلك الحكم، وبالتالى تظل لها الطبيعة الإدارية وتندرج بهذا الوصف ضمن منازعات القانون العام التى اختص بنظرها جهة القضاء الإدارى. وأن هذا هو ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا وتابعه فيه قضاء المحكمة الدستورية العليا. فى ختام رسالته قال إن المستشار رئيس اللجنة العليا على علم بكل هذا بحكم منصبه القضائى الرفيع. وكان حريا به ألا يوقف تنفيذ الأحكام استنادا إلى تلك الإشكالات فى التنفيذ المرفوعة أمام محاكم غير مختصة بنظرها. ليس فقط التزاما بالمبادئ المقررة، ولكن أيضا حتى لا يستدعى سببا إضافيا للطعن فى سلامة الإجراءات القانونية التى اتبعت فى الانتخابات.