· يقولون إن إشراف القضاة علي الانتخابات بشكل كامل يعطل مصالح الناس في المحاكم.. وأقول لهم ما المشكلة أن تتعطل المحاكم شهرا من أجل الديمقراطية المستشار زكريا عبد العزيز رجل لا يحتاج إلي تعريف، فهو القاضي ورئيس محكمة الاستئناف الذي يقود تيار استقلال القضاء وترأس نادي القضاة لدورتين كاملتين منذ 22/6/2001 حتي 13/2/2009 كان خلالهما ملء السمع والبصر، وشهد النادي خلال رئاسته طفرة كبيرة علي المستويين المهني والخدمي، ولكن الأهم من ذلك كله هو الدور الذي لعبه النادي خلال تلك الفترة في مرحلة الحراك السياسي الذي شهدته مصر ودور النادي في كشف عمليات التزوير التي شابت الانتخابات البرلمانية عام 2005، وهو الأمر الذي حدا بالسلطة إلي تعديل المادة 88 من الدستور لإلغاء الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات، كما أنه نجح في تمرير عدة تعديلات علي قانون السلطة القضائية كان أبرزها انتقال تبعية التفتيش القضائي من وزارة العدل إلي المجلس الأعلي للقضاء، كما قاد أول وقفة احتجاجية للقضاة في مصر تنديداً بإحالة المستشارين الجليلين هشام البسطويسي وأحمد مكي للتأديب بعد كشفهما ما شاب انتخابات 2005 من تزوير، وفتح أبواب نادي القضاة لأول مرة في تاريخه لكافة القوي الوطنية والديمقراطية، وبالرغم من ذلك أبي أن يرشح نفسه لدورة ثالثة عام 2009 رغم إجماع القضاة عليه معطياً من نفسه القدوة في تداول السلطة وعدم الاستئثار بالمناصب، وهو الأمر الذي لامه فيه الكثيرون من زملائه، حيث أدي إلي تولي تيار يوصف بأنه مناوئ لاستقلال القضاء مقاليد نادي القضاة. كان لقاؤنا معه بعد يومين من جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فسألناه عن رؤيته لما حدث في تلك الانتخابات فقال «يبدو أن هناك أمراً يعد له لا يعلمه إلا الله، "لن أتحدث عما نشر وأذيع وقيل عن التزوير الممنهج والتسويد وتقفيل اللجان لأن هذه أشياء لم أرها بعيني ولم أكن شاهداً عليها والقاضي لا يحكم إلا بما يقدم إليه من أوراق وأدلة، ولكن هذه أسوأ انتخابات شهدتها مصر في تاريخها» مضيفاً: «لذلك أنا أطالب بإبعاد القضاء تماماً عن الانتخابات وعن أي انتخابات، فإما أن يكون هناك إشراف كامل وحقيقي وفعال للقضاة علي الانتخابات وإما إبعادهم تماماً عنها حتي لا يتحمل قضاء مصر العظيم وزر انتخابات لم يكن له فيها ناقة ولا جمل. وقال رئيس نادي القضاة السابق إنه من الظلم القول إن الانتخابات الأخيرة قد جرت تحت إشراف القضاء، فعدد القضاة الذين شاركوا في هذه الانتخابات لم يتجاوز ألفي قاض من القضاء العادي وكان دورهم الذي حددته لهم اللجنة العليا للانتخابات هو مجرد حساب الأصوات التي حصل عليها كل مرشح في لجان الفرز، أي أن القاضي - بحسب عبد العزيز - تحول إلي "حسابة بتحسب" علي رأي عادل إمام في فيلمه الشهير وهي مسألة يمكن أن يقوم بها أي شخص يجيد القراءة والكتابة، وتم منع القضاة من الإشراف علي لجان التصويت وتركت لموظفين يتبعون السلطة التنفيذية وطلب من القضاة الجلوس في اللجان العامة لتلقي الشكاوي فقط، بل منعوا في بعض الأحيان من تفقد تلك اللجان أو دخولها في حالة ورود شكاوي إليهم ومشكلة المستشار وليد الشافعي خير دليل علي ذلك. ورفض المستشار زكريا عبدالعزيز التعليق علي واقعة المستشار وليد الشافعي والواقعتان الأخيرتان اللتان تعرض لهما مستشاران جليلان لأنهما محل تحقيق أمام الجهات القضائية المختصة، مضيفاً إن الشافعي قام بالإجراء الصحيح عندما تقدم ببلاغ للنائب العام بعد أن تقاعست اللجنة العليا عن مساندته، مفسراً الأمر بأن اللجنة العليا للانتخابات بحكم تشكيلها والسلطات الممنوحة لها فإن يدها مغلولة عن فعل أي شيء، والانتخابات بالكامل بعد تعديل المادة 88 من الدستور أصبحت في يد وزارة الداخلية والأجهزة التنفيذية، وأكد رئيس نادي القضاة السابق أنه يعتقد أن تعديل 34 مادة من الدستور دون ضرورة كان الهدف منه فقط هو تمرير التعديل الذي أجري علي المادة 88 والذي أوجب أن تكون الانتخابات كلها في يوم واحد واستبدل الإشراف القضائي باللجنة العليا، معتبراً أن هذا التعديل تم التفافاً علي حكم المحكمة الدستورية العليا التي أوجبت أن يكون هناك قاض لكل صندوق والذي تم العمل به في انتخابات 2005 وأدي إلي كشف بعض الحقائق التي تحيط بالعملية الانتخابية في مصر رغم نزاهة هذه الانتخابات إلي حد كبير نسبياً قياساً للانتخابات الأخيرة، مؤكداً أنه لكي يمكن القول إن الانتخابات أجريت تحت إشراف قضائي يجب أن يتولي القضاء كامل العملية الانتخابية بدءا من القيد في الجداول وتنقيتها وفتح باب الترشيح وقبول الطلبات ونظر الطعون وتحديد مواعيد وطرق الدعاية ومواعيد الانتخاب والفرز حتي إعلان النتائج وإرسالها إلي البرلمان، ويضيف عبد العزيز أيضاً إنه في هذه الحالة يجب أن تكون هناك شرطة قضائية يتبعها عدد كاف من القوات تعمل تحت إمرة القضاة الموجودين داخل اللجان ولا تتلقي تعليماتها من وزارة الداخلية، وأن تكون التقارير التي تصدرها محكمة النقض بشأن سير العملية الانتخابية بمثابة أحكام نهائية واجبة النفاذ لأنها صادرة من أعلي سلطة في القضاء العادي دون التعلل بمسألة أن المجلس سيد قراره لأن هذه التقارير تدور حول مرحلة ما قبل إعلان النتائج واكتساب العضوية. ورداً علي القول إن هذا الأمر قد يؤدي إلي تعطيل القضاة عن ممارسة مهنتهم الأصلية في القضاء بين الناس والفصل في النزاعات المعروضة علي المحاكم، قال المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة السابق إن هذه قولة حق يراد بها باطل لأنه ما المشكلة في تعطيل المحاكم شهراً واحداً كل خمس سنوات في سبيل الديمقراطية، ومن العيب أن يتعلل أحد بأن الإشراف الكامل والحقيقي والفعال للقضاة علي الانتخابات يعطل القضاء، كما أنه يمكن لو خلصت النوايا أن يتم إجراء الانتخابات أثناء الإجازة القضائية التي تستمر ثلاثة شهور كل عام ويمكن أيضاً أن يتم إجراء انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري مع انتخابات مجلس الشعب عن طريق صندوق لكل انتخاب في ذات اللجنة بحيث نوفر الوقت والجهد. وحول فكرة إنشاء لجنة عليا دائمة للانتخابات علي غرار التجربة الهندية قال رئيس نادي القضاة السابق إنه لا بأس من ذلك شريطة أن تكون هذه اللجنة مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية ولها قانونها الخاص وميزانيتها المستقلة مؤكداً أن اللجنة العليا للانتخابات بتشكيلها الحالي لا قيمة لها كما أن 7 من أعضائها ال10 يتم اختيارهم عن طريق مجلسي الشعب والشوري، مما يفقدها الحيدة لأن المجلسين يسيطر عليهما الحزب الحاكم وهي لا تملك أي سلطات حقيقية تجاه العملية الانتخابية. ورداً علي ما أثير من مشاركة ما يتجاوز الألفي قاض في الانتخابات الأخيرة قال عبد العزيز إن اختيارهم كان مخالفاً للقانون لأنه لم يعرض علي المجلس الأعلي للقضاء طبقاً لنص المادة 62 من قانون السلطة القضائية الذي يوجب عرض أمر ندب قاض لعمل غير قضائي علي المجلس الأعلي للقضاء، وهو أمر غير مسبوق لأنه حتي انتخابات مجلس الشوري الأخيرة عرض أمر القضاة الذين انتدبتهم اللجنة العليا علي المجلس ووافق علي ندبهم، فضلاً - يضيف رئيس نادي القضاة السابق -عن غياب المعايير التي تم علي أساسها اختيار هؤلاء القضاة من بين أكثر من 12 ألف قاض في القضاء العادي وحوالي ثمانية آلاف في مجلس الدولة والهيئات القضائية الأخري، فلا اللجنة أخذت بمعيار الأقدم أو بمعيار الأحدث ولا أخذت بمعيار التخصص أو نوع القضاء الذي يعملون فيه، وهو الأمر الذي يفتح الباب للقيل والقال حول اختيار هؤلاء القضاة تحديداً لهذا الانتخابات تحديداً، وأنا بحكم زمالتي لإخوتي من القضاة كنت أود أن أهيب بهم عدم القبول بهذا الندب بعيداً عن المجلس الأعلي للقضاء حتي لا يتعرضون لما تعرضوا له، ولا يمكن أن أضع مكانة وهيبة القاضي في مقابل ال10 أو ال12 ألف جنيه التي يحصل عليها كمكافأة لندبه في الانتخابات. وأنا من خلال جريدتكم أهيب بالمسئولين في هذا الوطن أن يبعدوا القضاء تماماً عن الانتخابات ما دام هم يريدون ابعادهم عن الإشراف الكامل والحقيقي والفعال عليها فإما إشراف كامل للقضاء وإما إبعادهم تماماً عنها. وأكد المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة السابق أنه يجب أيضاً ابعاد القضاة عن كل أنواع الانتخابات وليست الانتخابات النيابية أو الرئاسية فقط وعلي الأخص تلك النصوص الواردة في القانون 100 لسنة 1993 الخاص بالنقابات المهنية التي تجعل من رئيس محكمة جنوبالقاهرة مختصاً بإجراء انتخابات النقابات المهنية والإشراف عليها والأسوأ من ذلك - يضيف عبد العزيز - أنه في حالة وقف أو تعطيل انتخابات أي نقابة لسبب من الأسباب يتم بموجب القانون تعيين لجنة قضائية للإشراف علي تلك النقابة، وهو الأمر الذي حدث في نقابة المحامين وأدي لمشاكل كثيرة مع المستشار رفعت السيد وقضايا عديدة مرفوعة ضده في المحاكم فلا يعقل أن يدير القضاة نقابة عريقة مثل نقابة المحامين، ولا يتصور أن يكون قاض هو القائم بأعمال نقيب المحامين في نقابة المحامين الفرعية بالقاهرة منذ سنوات طويلة ومطلوب منه حل المشاكل اليومية للمحامين من منح وعلاج ومساعدات وقيد في الوقت الذي يقفون أمامه كقاض يجلس علي المنصة ليفصل فيما بين موكليهم من خصومات ونزاعات، وإذا كان هذا الأمر بالنسبة للمحامين فما بالك - يشير رئيس نادي القضاة السابق - لو تعلق الأمر مثلاً بنقابة التمريض أو النقل البري هل نعين قاضيا نقيباً للممرضين أو نقيباً للسائقين مع احترامنا لكل المهن، كما أن هذا الأمر من ناحية أخري يعد - كما يقول عبد العزيز - اعتداءً علي الحرية النقابية وتدخلاً في شئون نقابات المفترض أنها مستقلة بحكم القانون ويتعين تشجيع هذا الاستقلال. ويؤكد المستشار زكريا عبد العزيز أنه يجب إلغاء كافة النصوص التشريعية التي توكل للقضاة عملاً غير قضائي، وألا يندب القاضي لأي عمل غير قضائي، أو أي وظيفة تبعده عن المنصة بما فيها التعيين كوزراء ومحافظين لأن هذا الأمر تشوبه شبهة التأثير علي قضاة بعينهم ينظرون قضايا بعينها، ويجب أن ينص في القانون علي حظر التحاق القاضي بأي منصب تنفيذي إلا بعد مرور ثلاث سنوات من تركه للقضاء حتي نبعد شبهة التأثير علي أي قاض ينظر في أي قضية. وحول الموقف من بطلان الانتخابات الأخيرة يقول رئيس نادي القضاة السابق إن هذه الانتخابات شابها العوار من كل جانب وأن هناك ما يزيد علي 1200 حكم صادرة من مجلس الدولة ومنها أحكام نهائية صادرة من المحكمة الإدارية العليا، والإشكالات التي قدمت لوقف تنفيذ هذه الأحكام قدمت لمحاكم غير مختصة هي محاكم الأمور المستعجلة التي تتبع القضاء العادي لا الإداري وكان يتعين أن تقدم تلك الاشكالات للقضاء الإداري، ومعظم هذه الأحكام - يقول عبد العزيز - تتعلق بتغيير الصفة فماذا يكون الأمر لو صدرت أحكام نهائية غيرت من صفات الأعضاء الذين انتخبوا علي أنهم عمال وفلاحين ثم تغيرت صفاتهم بأحكام نهائية إلي فئات وأصبحت نسبة العمال والفلاحين أقل من 50 % ففي هذه الحالة يصبح البرلمان غير دستوري، هذا فضلاً عن مئات الأحكام الأخري بوقف الانتخابات في العديد من الدوائر وإلغائها في بعض الدوائر وهي أحكام تجاهلتها تماماً اللجنة العليا للانتخابات وعدم تنفيذ الأحكام هو المعول الأول في هدم دولة القانون، وهو أمر قد يؤدي بنا في النهاية للفوضي والبلطجة والعشوائية التي أصبحنا نعيش فيها حالياً. انتداب القضاة للإشراف الحالي علي الانتخابات مخالف للقانون لأنه تم دون إذن المجلس الأعلي للقضاء