مع فتح صناديق الاقتراع صباح أمس، انتهت المهمة الموسمية الشاقة لبعض أصحاب المهن التى ساعدت فى الدعاية الانتخابية، وأهمهم، كما رصد تقرير لوكالة رويترز أمس، أصحاب الفراشات ومركبات «التوك توك» والهتيفة. أمام منفذ صغير لبيع الأدوات الكهربائية فى سوق شعبية بالعاصمة المصرية جلس أكرم صاحب محل «الفراشة» يتطلع إلى الزحام غير عابئ بالنشاط الدعائى والاعلانى المحموم حوله عشية الانتخابات البرلمانية فى البلاد. وفيما اصطفت على بعد امتار قليلة مئات من المقاعد وأكوام الاقمشة المطبوعة والقوائم الخشبية اللازمة لنشاطه الذى ورثه عن آبائه فضل أكرم عدم المشاركة فى هذا النشاط الدعائى الذى يدر على امثاله عادة عشرات الالاف من الجنيهات. إقامة «البوابات الدعائية» على نواصى الطرق والشوارع الرئيسية وتعليق لافتات وملصقات المرشحين عليها هى واحدة من أشهر وسائل الدعاية الانتخابية رغم التطور الهائل فى وسائل التواصل مع المواطنين فى السنوات الاخيرة. ويقول أكرم من داخل متجره فى شارع السوق الشعبى بمنطقة المنيب انه اعتاد فى الماضى المشاركة فى هذا النشاط لكنه تجنبه هذه المرة لأنه واجه الكثير من المشكلات أهمها الخسارة المادية بسبب احتمال تمزيق أو حرق البوابات المؤلفة من أعمدة خشبية وأقمشة وحبال على يد عابثين أو خصوم انتخابيين. ويضيف: «أسوأ حاجة البلطجية وفيه مرشحين هم انفسهم بلطجية.. أحيانا لا يسددون ما تم الاتفاق عليه إذا خسروا فى الانتخابات». ويقول أكرم إن بعض المرشحين فى الانتخابات لا سيما فى المناطق الشعبية يستعينون أحيانا بأشخاص مأجورين للضغط على الخصوم أو على الناخبين بوسائل قد تصل للتهديد بالقوة من أجل التأثير على طريقة التصويت. ورغم سعى أقرانه فى نفس المهنة للاستفادة من فرص الاعمال فى موسم الانتخابات إلا أن اكرم رفض مبالغ تصل إلى 12 ألفا و25 ألف جنيه مصرى من الربح المتوقع فى موسم الانتخابات عملا بمقولة «هين قرشك ولا تهن نفسك». وهناك اصحاب مهن أخرى يعتبرون الانتخابات موسما مميزا للرزق لكنهم تأثروا حديثا بأسباب أخرى لا علاقة لها بالعنف والبلطجة. وفى وقت ما كان كتاب المعارضة والادب الساخر فى مصر يتندرون بأن ما يستخدم من أقمشة لصنع اللافتات الدعائية خلال موسم الانتخابات يكفى لكسوة ملايين من الفقراء فى البلاد. لكن موسم الانتخابات هذا العام شهد ظاهرة جديدة فى أسلوب الدعاية وهى الاعتماد على لافتات بلاستيكية مطبوعة بالكمبيوتر اصطلح على تسميتها (بانرات) بدلا من الاعتماد على لافتات القماش التى يعدها خطاط تقليدى يدويا. وقال جمال بركات (57 عاما) وهو خطاط يدوى يعمل فى منطقة المعادى بالقاهرة: «أكيد فى تأثير على المهنة من يفط الكمبيوتر.. الناس تحب تجامل المرشحين باللافتات الجديدة اللى ممكن يحط صاحب اليافطة صورة للمرشح عليها مش زى اليفط القماش العادية». وقال الخطاط أيمن جلال (35 عاما) إن سعر اللافتة البانر يتراوح بين 18 و20 جنيها للمتر. ورغم أن سعر لافتة القماش التقليدية أقل من ذلك بكثير لكنه أشار إلى أن تراجع الاقبال عليها يرجع جزئيا إلى تفاخر المرشحين المتنافسين والناخبين فيما بينهم من خلال البانرات. والهتافات المميزة تعد أيضا من وسائل التأييد التى يتفاخر بها المرشحون الذين يدفعون بسخاء لجماعة «الهتيفة». وما على الهتيف إلا أن يقود مجموعة من الاتباع للصياح بشعارات لصالح المرشح تمتدح خصاله وتعدد انجازاته كلما غدا أو راح. ويقول اشرف وهو واحد من هؤلاء ويمارس تلك الحرفة كل موسم انتخابى فى محيط قريته بجنوب الجيزة إن ذلك لا يكلفه الكثير سوى اعداد مجموعة «منتقاة» من الشعارات يؤلفها بنفسه أو بمساعدة أصدقاء ليهتف بها أثناء تجول المرشح على منازل وتجمعات الناخبين. ويضيف أنه إن لم يحصل على مال فقد يكون من مصلحته «معرفة كبار القوم والقرب منهم فمن الممكن أن تحتاج لواحد منهم فى المستقبل». واشرف اصبح لديه متجر دقيق «مدعوم» منذ بدأ ممارسة تلك الحرفة الموسمية ومن الصعب الحصول على رخصة لذلك النشاط من دون مساعدة شخصية كبيرة كما يقول. وفى الاحياء الشعبية اصبح عمل هؤلاء «الهتيفة» يفتح الباب امام مجموعة أخرى هم سائقو التوك توك للفوز بقطعة من الكعكة الانتخابية. وبدلا من نقل الركاب ينشغل العديد من سائقى التوك توك بحمل مكبرات الصوت ومعهم احد «الهتيفة» للمرور عبر الشوارع والازقة الضيقة التى يصعب على العربات والشاحنات الصغيرة دخولها. وتصل قيمة وردية التوك توك التى تستمر عشر ساعات، إلى 100 جنيه تقريبا.وتؤكد قواعد اللجنة العليا للانتخابات التى تتولى مراقبة مدى الالتزام بقواعد الدعاية الانتخابية ضرورة الالتزام بالامتناع عن استخدام العنف أو التهديد باستخدامه فى الدعاية الانتخابية. كما حددت اللجنة مبلغ 200 ألف جنيه (نحو 36 الف دولار) للدعاية الانتخابية لكل مرشح لخوض انتخابات لمجلس الشعب ومبلغ 100 ألف جنيه كحد أقصى للدعاية فى حالة خوض أى من المرشحين لانتخابات الاعادة. لكن منظمات مراقبة محلية قالت إن المبالغ التى تنفق على الدعاية للمرشح الواحد تتجاوز هذا المبلغ بكثير لتصل لمئات الالاف واحيانا الملايين من الجنيهات.