جاء إعلان حزب الوفد أمس الأول عن تشكيل «حكومة ظل» برئاسة الدكتور على السلمى، وعضوية عدد من المشاهير والخبراء، من بينهم منير عبدالنور للاقتصاد وبهاء أبوشقة للشئون القانونية وطاهر أبوزيد للرياضة، ليعيد ذكريات قديمة عن محاولات شبيهة سابقة، ويثير تساؤلات حول جدوى هذه الحكومات. رئيس حكومة الظل الجديدة والوزير السابق الدكتور السلمى يعلق آمالا كبيرة على حكومته، مؤكدا أنها لن تدور فى إطار الشكليات أو الشعارات وستكون بمثابة أداة يثبت بها «الوفد» أنه قادر على مواجهة مشاكل البلد وتقديم بدائل للسياسات القائمة. يقول السلمى موضحا: «حكومات الظل هى الوجه الآخر الموازى للحكومات الفعلية القائمة، وهى أداة لمتابعة ومراقبة أداء الحكومة القائمة ورصد ما يصدر عناه من قرارات وتقييمها وتحليل ما يترتب عليها من سلبيات وإيجابيات». وبغض النظر عن حجم التمثيل المتوقع للوفد فى البرلمان المقبل، فإن السلمى يرى أنه لابد وأن يكون نوابه أيا كان عددهم مسلحين بمعرفة ومعلومات ومشروعات قوانين تعدها «حكومة الظل»، التى ستكون بمثابة «غرفة عمليات تدعمهم وتساعدهم فى تحقيق هدفهم فى خدمة البلد». الفكرة تبدو براقة لكن الطريق إلى تطبيقها ليس مفروشا بالورود فيما يبدو فى ظل ما تسميه أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية رباب المهدى ب«الديمقراطية الناقصة فى مصر» عكس ما هو عليه الحال فى الديمقراطيات الغربية، التى «عرفت وزارات الظل كأحد الآليات الديمقراطية المحترمة بها». تعتقد المهدى أن «حكومات الظل» تعمل بكفائه عالية فى الديمقراطيات الغربية، التى توجد بها تعددية سياسية وتداول للسلطة ولاسيما تلك التى يوجد بها حزبان سياسيان يتداولان السلطة كما فى إنجلترا، حيث أثبتت تجربة «حكومات الظل» كفاءة عالية، وعادة ما كان لدى وزرائها خبرات سابقة فى العمل الوزارى. حكومات الظل إذا، بحسب المهدى، «تتطلب وجود منافسات انتخابية حقيقية تسمح بتداول السلطة، فى الوقت الذى يخوض فيه الوفد الانتخابات، وهو يعرف أنه لن يحصل على أغلبية، كما تتطلب حرية تداول للمعلومات لكى تستطيع أن تبنى هذه الحكومات عملها على أسس سليمة، وهذا غير موجود فى مصر». لكن التاريخ يقول إن مصر عرفت من قبل «حكومات ظل» أو أشياء قريبة منها، كما يقول الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى. بعد ثورة 1919 كانت هناك شخصيات تتولى وزارات معينة كلما شكل الوفد الحكومة مثل مكرم عبيد باشا مع وزارة المالية، وحين يكون الوفد فى المعارضة فإن هذه الشخصيات تصبح بمثابة «وزراء الظل»، الذين يتابعون الوزير الفعلى ويتصدون له وينتقدونه. وفى فترة ما بعد ثورة 1952 عاد هذا التقليد إلى الظهور مرة أخرى مع عودة «التعددية الحزبية» سنة 1976 لاسيما مع الأحزاب، التى لها أبعاد إيديولجية، كما يضيف عيسى الذى كان ولا يزال عضوا بحزب التجمع اليسارى، حتى لو لم يكن مسمى وزارة أو وزير الظل هو المستخدم، كما يضيف عيسى. فى التجمع مثلا، كما يحكى عيسى، كان هناك ولا تزال أشخاص أو مجموعات متخصصة فى ملفات متعلقة بمجالات اختصاص وزارات، كالاقتصاد والصحة والإسكان. فى الإسكان مثلا كان هناك الراحل ميلاد حنا، الذى قدم مشروعا لحل مشكلة الإسكان واعتمده الحزب. وفى الصحة كانت هناك مجموعة من المتخصصين أيضا فى هذا الملف، على رأسهم الدكتور سمير فياض، الذى كان يتولى أيضا مناصب قيادية فى وزارة الصحة، وقد شاركوا مع الحكومة القائمة فى لجنة لصياغة مشروع قانون جديد للتأمين الصحى لم يأخذ منه فى الواقع إلا أجزاء. ويأخذ عيسى على تجربة المعارضة المصرية مع «حكومات الظل» أنها فى حين اهتمت بملفات كالاقتصاد والتخطيط والصحة فإنها أهملت مجالات أخرى أو لم تتطرق لها بالقدر الكافى كما هو الحال بالنسبة ل«السياسات الثقافية» مثلا. أما ملاحظته الرئيسية على تجربة حكومات الظل سواء فيما قبل 1952 أو بعد عودة التعددية الحزبية فى 1976، فتتشابه مع ما سبق وقالته رباب المهدى عن «أنها فى كلتا الحالتين لم تكن كما هو متعارف عليه فى البلاد الديمقراطية العريقة». وربما لهذا السبب فإن تسمية «وزارة ظل» أو «وزير ظل» لم يكن مستخدما بكثرة حتى ولو كان هناك شخص يؤدى فعلا هذا الدور. وهو ما يبرره عيسى بأن مسألة الحديث عن «وزير ظل» فى بلد تبدو فيه المعارضة «معارضة للأبد» والحكومة «حكومة للأبد» «مسألة مضحكة», على حد تعبيره. وفى ظل هذا الوضع لا تخلو التجارب والمحاولات المصرية لإنشاء «حكومات ظل» من «مفارقات مضحكة» بالفعل، كان من بينها مثلا ما رواه ذات مرة مؤسس حزب الغد أيمن نور عندما أعلن فى غمار انتخابات الرئاسة 2005 عن تشكيل حكومة ظل تضم وزيرين سابقين، وقبل الإعلان بدقائق اختفى الوزيران ولم يظهرا بعدها أبدا، على حد قوله. وإذا كانت رباب المهدى بناء على ما سبق كله لا تعول كثيرا على فكرة «حكومات الظل» فى «التغيير» فى الحالة المصرية، إلا أن صلاح عيسى لم يشأ أن ينهى حديثه دون أن يتمنى لوزراء حكومة ظل الوفد، التى تم الإعلان عن تشكيلها أن يتحولوا إلى وزراء فعليين يوما ما وألا يبقوا إلى الأبد «وزراء ظل». يمكنكم متابعة مزيد من التغطيات من خلال مرصد الشروق لانتخابات برلمان 2010 عبر مرصد الشروق عبر فيس بوك مرصد الشروق عبر تويتر