البورصة تربح 21 مليار جنيه في نهاية تعاملات اليوم الإثنين    رئيس الرقابة المالية يلتقي رؤساء تحرير الصحف لتطوير القطاع غير المصرفي    بنسبة 1%.. خبير مصرفي يتوقع خفض أسعار الفائدة خلال اجتماع المركزي| خاص    السفير محمدي الني: كل الدعم والمساندة لحكومة جمهورية السودان    وزير الخارجية الألماني يزور بولندا لإجراء محادثات مع الحلفاء    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي    الزمالك يعلن رحيل مدربه رسميا.. مفاجأة    تشكيل البنك الأهلي لمواجهة الإسماعيلي في الدوري    حادث سير مروع في الإسماعيلية يودي بحياة سيدة ويصيب 3 من عائلتها    حجز إعادة محاكمة المتهم السابع بقضية "فتنة الشيعة" للنطق بالحكم    بزجاجة في الوجه.. سقوط التوءم المتهمين بقتل عامل خردة بالخانكة    مواهب الأوبرا تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر على مسرح سيد درويش    جمال رائف يُبرز أهمية زيارة رئيس الإمارات لمصر في هذا التوقيت    وكيل صحة شمال سيناء: مستمرون في تحسين الخدمة الطبية للمواطنين    نائب رئيس جامعة أسيوط يتفقد سير العملية التعليمية بكلية العلوم    سقوط مدير مركز تعليمي غير مرخص في القاهرة.. يمنح شهادات الوهمية    نتائج بطولة السهم الفضي للقوس والسهم لموسم 2025-2026    66 ألف طن بضائع مستوردة تصل إلى ميناء دمياط خلال 24 ساعة    كريم الشناوي: صوت منير هو روح حكاية فيلم ضي    رئيس جامعة بنها يشهد احتفالية يوم التميز العلمي بدورتها الحادية عشر    "الصحة" تستعرض تجربتها في المشروع القومي لكتابة تقارير الأشعة عن بعد    إسرائيل هيوم: الحرب المقبلة بين تل أبيب وطهران قد تكون أشد عنفا    محافظ أسوان: الزخم الثقافى والتراثى والفنى يبرز هوية المحافظة باحتفالات اليوم العالمى للسياحة    بينهم فدوى عابد.. عدد من نجوم الفن يشاهدون العرض اللبناني "جوجينج" بالهناجر    عروض القومي للسينما بالمكتبات المتنقلة احتفالًا بنصر أكتوبر المجيد    ماكرون يرحب بفوز حزب مؤيدي أوروبا في انتخابات مولدوفا    القمة 131.. الداخلية تنفذ خطة محكمة لتأمين مباراة الأهلي والزمالك    صيدلة الجامعة الألمانية تنظم المؤتمر الرابع GEPPMA في الطب الشخصي والصحة الدقيقة    محافظ شمال سيناء يكشف سبل تعويض المتضررين من توسعة ميناء العريش البحري    بسبب سد النهضة.. عباش شراقي يكشف تطورات جديدة بشأن فيضان السودان الكبير    إيمان كريم: الشراكة مع الهيئة الإنجيلية فتحت مساحات واسعة للتنمية الاجتماعية    خطة متكاملة لتطوير شوارع ديروط فى أسيوط ب160 ألف متر إنترلوك    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 سبتمبر 2025 في محافظة قنا    السيطرة على حريق بمخبز سياحى فى المنوفية دون إصابات    أكاديمية الفنون: عودة مهرجان مسرح العرائس لمواجهة الألعاب الإلكترونية    السعيد:تعزيز علاقات التعاون فى المجالات البحثية والأكاديمية بين جامعتي القاهرة ونورث إيست الصينية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الإثنين 2992025    عاجل- الإفتاء توضح حكم ممارسة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق    تكريم أكثر من 300 حافظ للقرآن في ختام النشاط الصيفي بمسجد جنة الفردوس بالشروق    موعد مباراة الدحيل ضد الأهلي السعودي اليوم والقنوات الناقلة    معهد بحوث الإلكترونيات أول مؤسسة مصرية تحصل على شهادة إدارة الذكاء الاصطناعي ISO/IEC    وزير الري يتابع إجراءات تطوير الواجهات النيلية بالمحافظات    أبرزهم القهوة والكاكاو.. 7 مشروبات مفيدة للقلب في يومه العالمي    التشكيل الأهلي السعودي المتوقع أمام الدحيل القطري بدوري أبطال آسيا للنخبة    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 في مصر للقطاعين العام والخاص.. هل تم تحديده رسميًا؟    «مدبولي»: نستهدف الاستعداد الجيد لتقديم أفضل الخدمات للحجاج المصريين خلال موسم الحج المقبل    حالة الطقس في السعودية اليوم الاثنين 29-9-2025 ونشاط الرياح المثيرة للغبار    ضبط شخص بالإسكندرية بتهمة النصب على المواطنين بادعاء العلاج الروحاني    أليجري بعد الفوز على نابولي: روح ميلان كانت رائعة.. ومودريتش يلعب بذكاء    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة ناساف في دوري أبطال آسيا    الدنمارك تحظر رحلات الطائرات المدنية المسيرة قبل قمة الاتحاد الأوروبى فى كوبنهاجن    الصحة: 5500 متبرع بالدم خلال 4 أيام لدعم مرضى سرطان الدم ضمن الحملة القومية    صحة غزة: 361 من الطواقم الطبية مُغيبون قسرًا في معتقلات الاحتلال    الحوثيون يعلنون تنفيذ عمليات نوعية على أهداف للاحتلال    الأزهر للفتوى قبل لقاء القمة : التعصب الرياضي والسب حرام شرعا    «الداخلية» تنفي مزاعم إضراب نزلاء أحد مراكز الإصلاح: «أكاذيب إخوانية»    142 يومًا تفصلنا عن شهر رمضان المبارك 2026    الأربعاء.. مجلس النواب يبحث اعتراض رئيس الجمهورية على قانون الإجراءات الجنائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المدفون فى قبر كليوباترا؟
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 04 - 2009

ما هو أكثر ما يعتبر أسطورة؟ إذا كنت امرأة، فالأمر واضح، سوف تتمثل اختياراتك فى ثلاث كلمات؛ الوهم (جان دارك)، الإعاقة (هيلين كيلر)، الموت (سيلفيا بلاث).
وسوف تحصلين على نقاط إضافية فى حالة الوفاة بطريقة وحشية أو مفاجئة، مثلما فى حالة إيفيتا أو إميليا. وتحتل كليوباترا السابعة رأس قائمة من أهلكوا أنفسهم قبل الأوان، وقد بدأ مؤخرا البحث عن قبرها، على قمة تل يقع غرب الإسكندرية.
توفيت كليوباترا منذ 2039 عام مضت، عن عمر يناهز 39 عاما. وقبل أن تصبح علامة لسيجارة أو كاريكاتير أو كلمة مبتذلة أو مرادف لإليزابيث تايلور، وقبل أن يجسدها شكسبير أو درايدن أو شو، كانت فى الحياة الواقعية ملكة لمصر لمدة 21 عاما، انفردت بالحكم فى معظمها، وهو تناقض يظهر ذلك النوع من الصور الخادعة التى ظلت حكرا على الرجال.
من ناحيتها، لم يكن هناك شىء غير عادى بشأن إدارة الحكم. ويمكن القول بأن كليوباترا تمثل نموذجا للدور النسائى أقوى من أى امرأة أخرى فى التاريخ. فلم يكن هناك نساء كثيرات اتسمن بكونهن نماذج للفضيلة، إلى جانب الدهاء فى إدارة الأمور السياسية. على عكس سابقاتها الملكات المقدونيات الحقودات اللاتى دأبن على تسميم الأشقاء وإرسال الجيوش ضد الأبناء. فقد شنت جدة والدة كليوباترا حربا أهلية كبيرة ضد والديها، وأخرى ضد أولادها.
أنجبت كليوباترا طفلا من يوليوس قيصر. وبعد وفاته، رزقت بثلاثة آخرين ولدان وبنت من مارك أنطونيو الذى كان تحت قيادته. وزادت الأمومة من قوة قبضتها على الحكم. وكانت إلى حد ما على العكس من هنرى الثامن؛ تريد بشدة وريثا ذكرا للعرش، غير أنها كانت أنجح منه فى الحصول على هذا الوريث.
ويكاد يكون من المؤكد أن مارك أنطونيو ويوليوس قيصر هما كل تاريخ كليوباترا العاطفى. وهى شخصية مستقلة ومبدعة ومقدامة، وكان سلوكها جيدا بالنسبة إلى زمانها ومكانها. ورثت بلدا فى حالة انحدار، إلا أنها وجهته باقتدار أثناء الجفاف والمجاعة والطاعون والحرب.
ومع ذلك، فأى كلام طيب يمكن أن يقال عن امرأة تزوجت من اثنين من أقوى الرجال فى عصرها؟ كان والدا أبناء كليوباترا شهوانيين مشهورين بالنهم الجنسى. فدخلت كليوباترا التاريخ كغانية لعوب. فهى النموذج الأصلى للفتاة السيئة، مونيكا لونيسكى العصر القديم. وكل ذلك لأنها ظهرت فى واحد من أكثر التقاطعات الخطيرة فى التاريخ، بين المرأة والسلطة.
فقد تصدرت للأبد الصراع بين التشوش الجنسى والقوة الجنسية، أو المجموعة الكثيفة من الدلالات التى تفصل المرأة المغامرة عن الرجل المغامر. ففى العالم القديم أيضا، وضعت النساء الخطط بينما رسم الرجال الاستراتيجيات. وأكدت السلطة الأنثوية نفسها بانتظام، وإن كان على نحو خافت عما كان فى العصر اليونانى.
وإذا سلمنا جدلا أن ازدواجية المعايير تجاوزت زمن كليوباترا على الأقل بألفى عام، فما الذى نفعله الآن فى ذلك التل المصرى، بين أطلال معبد أبوصير؟ يقول الدكتور زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار، عن عملية الحفر «قد يكون ذلك أهم اكتشافات القرن الواحد والعشرين». ولاشك أنه مما يدعو للارتياح أن نحذف كليوباترا من قائمة الأشياء المفقودة، أو التى نعتقد إنها فقدت كقارة أطلانطس على سبيل المثال.
وإذا وجدنا قبر كليوباترا فربما نستطيع حل لغز مصرعها ولا ريب أننا سنجد شيئا ما يتعلق بالموضوع حيث يبدو أن دكتور حواس مصمم على تحقيق كشف ينافس الكشف عن الملك توت عام 1922، وبالتأكيد لن تكون هناك أفعى محفوظة إلى جانب جسدها المحنط. فمن المرجح أنها أدخلت كتعديل على القصة.
ومن السهل تصور ما يقصده أى شخص عندما يقرن امرأة بثعبان. ربما نستطيع تحديد ما إذا كانت كليوباترا قد انتحرت أم قتلت فى الواقع. حيث كان أسرها يمثل حرجا للرومان، الذين لم يكونوا يضمنون تحقيق انتصار هائل على امرأة وفى نفس الوقت يضمنون التعاطف.
وإلى حد كبير، فقد أكد أعداء كليوباترا ما جعلنا مفتونين بها. وكفلت الحرب الأهلية الرومانية خلودها. وكرس غريمها أوكتافيوس، الذى صار فيما بعد أغسطس قيصر، صورتها كامرأة قاتلة. وقد يكون هو الذى أوجد الرؤية الكاريكاتورية الكلاسيكية عن الملكة المصرية الفاسقة مزدوجة الطباع، ومهد الطريق لذلك أمام جوسيف لام مانكويتز (المخرج السينمائى). ولكنه ضخم فى تصويره كليوباترا، بالمغالاة فى أبعاد دورها وهو نفس ما فعله فيما يتعلق بنصره الشخصى. وتختلف قصة كليوباترا عن معظم القصص النسائية فى أن الرجال الذين كتبوها، لأسباب تخصهم، وسعوا من دورها أكثر مما قلصوا منه.
ولم يكن أوكتافيوس بحاجة لتضخيم القصة: فها هى امرأة حاكمة يمكن القول إنها ماتت من أجل الحب، رغم كل شىء، ولم يكن حال التراجيديات الرومانسية بالأفضل، وهو ما يفسر ما لاقاه شكسبير من صعوبة أثناء إجراء تحسينات على كتابات بلوتارخ (المؤرخ اليونانى). وتضع كليوباترا علامة راسخة على شىء نعرف دائما أنه قائم: تغيير فكرة جنسانية الأنثى.
وكما كتبت مارجريت أتوود عن بطلتها «إن كمية الأفكار البالية الجنسية التى تراكمت حول هذه الشخصية مذهلة، فهى لم تفعل أى شىء يمس الجنس من بعيد فى القصة الأصلية، فيما عدا وضع مساحيق التجميل». ففى حالة كليوباترا، أدى غياب الحقيقة تماما إلى تدعيم الأسطورة. وكما يثبت التاريخ، حيثما تقل الحقائق، تزدهر الأساطير.
وسيكون مريحا العثور على جواب نهائى للسؤال الملح حول ما إذا كانت كليوباترا جميلة أم لا، رغم أن الإجابة لن يكون لها تأثير بعد ذلك. وحتى لو كانت امتلكت كل أسلحة الجمال فى ترسانتها، فنحن نعرف بالفعل الأسلحة التى استخدمتها بحنكة. حيث يؤكد أحد أهم مصدرين لنا «كان مستحيلا أن تتناقش معها دون أن تأسرك»، ويقول المصدر الآخر إن صوتها كان مخمليا؛ وحديثها مثيرا، وقدرتها على الإقناع لا تضاهى، وحضورها حدث فى ذاته.
واستخدم أوكتافيوس كليوباترا على نحو فعال، كسلاح نال من مارك أنطونيو، فى حرب أهلية ضارية للغاية. حيث كان ضعف أنطونيو أمام غانية أجنبية هو الذى جلب له المهانة والفقر. فهل يعود ليشارك كليوباترا قبرا واحدا، كما تدعى الروايات القديمة؟ على أى حال، كان طلب أنطونيو أن يدفن بجوارها هو ما كلفه ضياع حكم روما. ويقال إن كليوباترا هى من دفنته بيديها، على نحو يتسم بالبذخ. ومع ذلك، لم تكن مسألة قبره تحتل أهمية كبيرة. فأنطونيو ليس أكثر من شخص لاهٍ فى رواية أخرى.
وهذا البحث ذو طابع موضعى أيضا، فتوضح مارى بيرد باحثة الكلاسيكيات بجامعة كمبردج أن مقبرة الإسكندر الأكبر، التى لم يعثر عليها بعد، ظلت لسنوات عديدة بمثابة «الكأس المقدسة» بالنسبة لعلماء الآثار. ولاحظ البروفيسور بيرد، أن هذه الحفائر رغم أنها لن تجيب عن أى من الأسئلة الكبرى، فإنها سوف تقدم لنا قرائن على أصل كليوباترا العرقى. فهل كانت مقدونية الأصل تماما، أو أفريقية خالصة أو ذات دماء أفريقية مختلطة؟ (تخمينى أنها مقدونية مع قليل من الدماء الفارسية.) ولاشك أن مسألة النسب المختلط تبدو قضية اليوم، قبل شهر، قال علماء بريطانيون إنهم أجابوا عن السؤال بصورة نهائية، عندما قدموا صورا عبر الكمبيوتر تحاكى شقيقة كليوباترا اعتمادا على جمجمة عثر عليها فى تركيا.
وها نحن نتورط فى ممارسة مألوفة، فقد أمضت كليوباترا أيضا حياتها تحاول المصالحة بين الشرق والغرب، بنجاح لا يكاد يذكر كما نفعل اليوم. فلم يكن المواطن الرومانى يستطيع تجاوز فكرة الغرب المتحضر الفاضل، والشرق الفاسد الغنى. ولم يكن يستطيع الفصل بين الغريب والشهوانى، وكان الشرق، بحكم تعريفه، مخادعا وحسيا كامرأة.
ونحن بالطبع نقصد إيجاد حل لما لم يحل. ونحن نطالب بالصندوق الأسود للتاريخ. وعلى نحو ضرورى بدرجة ما، نريد تأكيدا أيضا على أننا نعيش على نفس الكوكب الذى عاشت عليه الأسطورة التى ألهمت كتابات استمرت ألفى عام، حتى أنها باتت تبدو أسطورة أكثر منها تاريخا حقيقيا. نحن عطشى للتدقيقات. نريد أن نرى الأسطورة نتلمسها بكل فخامتها المتألقة، ناسين أننا ونحن نفعل ذلك، فإنها تتحول إلى نفاية التاريخ. وإذا وجدنا قبر كليوباترا..هل نتعهد بالتخلى عن إليزابيث تايلور نهائيا؟ هل سنختار السيدة أم الأسطورة؟ هل يضيع منا شىء عندما نعثر عليها؟ لدى أوكتافيوس أجندته، ولدينا أجندتنا.
وبصرف النظر عما ستكشف عنه مقابر أبوصير، فمن غير المرجح أن تجيب عن السؤال المتواصل عن المرأة والسلطة، ولذلك علينا أن نحفر فى مكان آخر. وربما يستغرق ذلك وقتا أطول.
New york times syndication


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.