«هنزرع الرز حتى لو فيه مخالفات، مع إن المحافظ مصمم يمنعه لكن الناس مصممه تزرعه برضه»، هكذا أكد الحاج محمد المهدى، أحد أصحاب الأراضى فى المنصورة إحدى المحافظات التى يحظر فيها زراعة الأرز بناء على قرار وزارة الموارد المائية والرى فى إطار سعيها لترشيد استهلاك المياه وتوفير نحو 4 مليارات متر مكعب تستخدم فى زراعة أراضى الأرز المخالفة التى تزيد على الخطة الموضوعة. تأكيد الحاج مهدى يأتى رغم ما قاله بنفسه عن قيام قوة من المركز باقتلاع محصول الأرز من أرض أحد المزارعين بالحفارات بعد أن تمت زراعته وبدأ «يخضر»، على حد قوله، حيث يشير إلى أن نفس الإجراءات تم إتباعها منذ ما يقرب من أربعة أعوام، ومازالوا حتى الآن يزرعون الأرز. وبدأت وزارة الموارد المائية والرى حملة لتوعية أعضاء مجلسى الشعب والشورى ومجلس الوزراء بتوزيع كتيبات تحتوى على معلومات حول مشكلة زراعة الأرز فى مصر وأسباب إصرارها على تحديد مساحات الزراعة والتبعات والغرامات الناتجة عن تجاوزها. وتحدد اللجان المشتركة من وزارتى الزراعة والموارد المائية والرى مساحة 1.1 مليون فدان فقط لزراعة الأرز فى الأماكن القريبة من البحر المتوسط والبحيرات الشمالية شمالا. وقناة السويس والبحيرات الشرقية شرقا، والتى تشمل محافظات كفر الشيخ والبحيرة والدقهلية والشرقية والغربية، لكن المزارعين لا يلتزمون بخطة الدولة، حيث وصلت المساحات المخالفة أقصاها خلال العام الماضى 2007 2008 إلى 2.2 مليون فدان أرز أى بنسبة مخالفات تتجاوز 100%. ويوضح الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة القاهرة سبب تحديد شمال الدلتا لزراعة الأرز أنه لضمان وجود أكبر ضاغط ممكن من المياه العذبة لوقف تداخل مياه البحر، خاصة أن هذه المناطق ذات مستويات منخفضة. بالإضافة إلى تمتعها بدرجات حرارة معتدلة ومحتوى رطوبى مرتفع يقلل من استهلاكها للمياه، وهو إجراء فنى لحماية الدلتا من التملح، بينما يمنع زراعته فى مناطق وسط وجنوب الدلتا والوجه القبلى بالكامل لكونها مناطق حارة نسبيا وذات محتوى رطوبى منخفض مما يزيد من احتياجاتها المائية. ويضيف الدكتور صيام أن الأرز من المحاصيل الشرهة فى استهلاك المياه، حيث يستهلك الفدان الواحد ما بين 6 و8 أمتار مكعبة من المياه فى الموسم ما يعادل نحو مرتين ونصف المرة استهلاك المياه اللازمة لزراعة فدان ذرة وبالتالى يصل استهلاك 2.2 مليون فدان من الأرز إلى ما بين 12 و13 مليار متر مكعب، ما نسبته 20% من إجمالى المياه المستخدمة فى الزراعة التى تصل إلى نحو 45 مليار متر مكعب. ويقول صيام: إن «هناك صراعا وتناقضا بين مصلحة المزارع ومصلحة الدولة»، فالمزارع يسأل: ماذا يمكن أن أزرع بعد أن انتهى أمر القطن بسبب سياسات الحكومة وعدم دعمها له فخرج من المعادلة ولم يبق سوى الأرز والذرة، وإذا نظرنا للذرة نجد أن تسويقه صعب لأن الإقبال عليه قليل عالميا مما يجعل الفلاح فى النهاية يفضل الأرز، خصوصا أن ربحيته أعلى من الذرة، «لكنه بهذا الاختيار يكسر القوانين». هذا هو نفسه تقريبا ما يقوله الحاج مهدى الذى يؤكد أن المزارعين فى بلدته لا يمانعون فى زراعة الذرة بدلا من الأرز، لكنهم يريدون أن تكون هناك شركات تتعاقد معهم مقدما وتقدم لهم الموارد الزراعية اللازمة من تقاوى وسماد، وأن تتسلمه منهم وقت الحصاد حتى يضمنوا تغطية التكاليف وتحقيق ربح، «لو الحكومة ها تخده ها نزرعه لكن الزراعة الفوضوية لا تأتى بأى تكاليف» على حد قوله. ورغم قرار وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد بمنع تصدير الأرز منذ مارس 2008، مما أدى إلى تراجع أسعاره محليا، إلا أن الفلاحين يصرون على الاستمرار فى زراعته لقلة تكلفته مقارنة بمحصول الذرة. يقول الحاج مهدى: «بعد ما أوقفت الحكومة تصدير الأرز أصبحنا نقوم بدشه للمواشى بدل العلف لأنه أرخص.. أرز الشعير بجنيه يعنى أرخص من أى علف». وترى وزارة الموارد المائية والرى أن تصدير الأرز فى باطنه خسارة اقتصادية ومائية قومية، حيث تضع معادلة توضح ذلك وتقول بأنه «إذا اعتبرنا أن متوسط إنتاج فدان الأرز هو 4 أطنان شعيرا. وأن استهلاك الفدان الواحد هو 7 آلاف متر مكعب مياه. فيكون استهلاك كيلو أرز الشعير هو 1.75 متر مكعب من المياه، وإذا كان تكلفة الحصول على متر واحد من المياه تصل إلى 3 جنيهات مصرية عن طريق تحلية مياه البحر فسوف تصل تكلفة إنتاج كيلو الأرز إلى 8 جنيهات، وهو أعلى بكثير من السعر الذى يتم تصدير الأرز به». ويفسر الدكتور جمال صيام سبب إقبال المزارعين على الأرز رغم الغرامات والمخالفات المفروضة عليه أن الستة آلاف متر مكعب من المياه التى يستهلكونها مجانية، وبالتالى لابد من أن يكون لهذه المياه تكلفة أو بمعنى آخر تغطية تكاليف المياه، «فإذا كان متر المكعب يتكلف 20 قرشا حتى يصل إلى المزارع وتمت محاسبته على هذا الأساس واضطر لدفع نحو 1200 جنيه فى الفدان الواحد سيفكر أكثر من مرة قبل زراعته مرة أخرى». وتنص المادة الأولى من من القرار الوزارى رقم 258 لسنة 2008 على أنه «يحظر تبديد مياه الرى بصرفها فى مصرف خاص أو عام أو فى أرض غير منزرعة أو غير مرخص بريها أو فى زراعة أرز بدون ترخيص ويحصل مبلغ 30 قرشا عن كل متر مكعب من المياه قام الزارع بسحبها زيادة على ما هو مقرر لرى أرضه أو تسبب فى تبديدها».