كثيرون أبدوا إعجابهم بزيارة الرئيس حسنى مبارك لمنزل مواطن فى قرية «الأحايوه» فى الظهير الصحراوى بسوهاج يوم الأربعاء الماضى، حيث شرب «الشاى الصعيدى الثقيل» وتبادل معه حوارا وديا. أن يكون الرئيس أى رئيس تلقائيا فى جولاته الجماهرية، فذلك يجعله مقربا من شعبه، كما يتيح له أن يلمس الواقع كما هو بعيدا عن التقارير الباردة والمعدة سلفا بطريقة «ليس فى الإمكان أبدع مما كان».. لكن المهم فى كل الأحوال أن تكون هذه الجولات تلقائية فعلا وليست ديكورا مصنوعا يتم إزالته بعد نهاية الجولة. وفى الفترات الأخيرة رأينا نماذج كثيرة لرؤساء ومسئولين يحاولون أن يكونوا تلقائيين مثل ما فعله الرئيس الأمريكى باراك أوباما أكثر من مرة عندما أصر أن يحضر الطعام لنفسه ولأسرته ووقف فى الطابور أمام المطعم شأن أى مواطن عادى. قبل أيام أيضا فوجئنا بالرئيس التركى عبدالله جول يجلس على أحد المقاهى ويستمع للمواطنين عن أحوالهم. وقبلها بأيام قرأنا أن جول اتصل بمواطن تركى عبر «تويتر» ليوضح له أنه لم يكن السبب فى وفاة والدته المريضة حيث لم يتمكن من الوصول بسرعة لعلاج والدته بسبب موكب الرئيس. وقال جول للمواطن إنه فى الوقت المذكور لم يغادر، مكتبه منذ عودته من صلاة الجمعة. الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد يبدو تلقائيا أيضا، ورأيناه قبل أيام يلعب كرة القدم مع الرئيس البوليفى الزائز إيفو موراليس.. والرئيس الأخير سبق له أن لعب مباراة لكرة القدم فى بلده، واندمج فى المشهد لدرجة أنه تعمد إصابة أحد اللاعبين المنافسين الذى شاءت الصدف أنه أحد المعارضين للرئيس. وهناك تلقائية الرؤساء فى البلدان النامية، وشاهدت بنفسى الرئيس السودانى عمر البشير عام 1994 فى بلدة الدويمجنوبالخرطوم ب300 كيلومتر يرقص رقصة شعبية سودانية بالعصا وسط أكثر من مائة ألف مواطن. فى الخليج العربى أيضا فإن الأمراء والشيوخ والقادة يتصرفون فى معظم الأحيان بصورة تلقائية مع مواطنيهم، وشاهدت بعينى أيضا الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى ونائب رئيس الإمارات يقود سيارته الفورويل بنفسه أكثر من مرة فى شوارع دبى. أما التلقائية التى زادت عن حدها فقد فعلها الرئيس الليبى معمر القذافى حينما شارك بنفسه فى مظاهرة تهتف ضد الإمبريالية قبل أن يتصالح مع هذه الإمبريالية لاحقا. هل المطلوب من المسئول لكى يكون تلقائيا أن يسير بغير هدى فى الشوارع ومن دون إجراءات أمنية؟!. المؤكد أن الإجابة لا فكل سلوك تلقائى للرؤساء يتم أيضا فى إطار إجراءات الأمن، فالرئيس الأمريكى عندما يقف فى طابور مطعم فهناك خدمة حراسة سرية تراقب المشهد، والرئيس الإيرانى عندما يلعب الكرة فربما كان نصف المشجعين من رجال الأمن، ولا نعرف هل الذين جلس معهم الرئيس التركى على المقهى هم من «الأمن المركزى التركى» أم زبائن عاديون؟!. لكن المقصود هو أن يكون سلوك الرؤساء التلقائى فى جولاتهم طبيعيا وغير معد سلفا، بمعنى أن يتم بناء مشهد كامل وإحضار أشخاص يمثلون أدوار المواطنين العاديين. والأكثر تأكيدا أن معظم الرؤساء لا يتورطون فى صناعة صورة تلقائية غير حقيقية، بل يكون ذلك من وحى بعض المساعدين.