منذ تراجع النظام المصري عن نظام القائمة النسبية التي أخذ بها في انتخابات 1984 ثم تم التراجع جزئيًا عنها في انتخابات 1987، وذلك بالجمع بين نظام القائمة والترشح الفردي، حتى تم تعديل النظام في انتخابات 1990 بإقرار النظام الفردي، بدأ ظهور بطل جديد على ساحة المعارك الانتخابية، بجانب مرشحي الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وهو المرشح المستقل. ففي تقرير نشره موقع "swissinfo.ch" تحت عنوان "حضور المستقلين في مجلس الشعب المصري يتجه إلى.. الانحسار؟!" توقّع خبراء مصريون متخصصون في العمل الحزبي والعلوم السياسية والشؤون التشريعية والدستورية بمجلس الشعب وحقوق الإنسان وعلم الاجتماع السياسي وشؤون الحركات الإسلامية، أن يشهد برلمان 2010 بمصر "انحسارًا واضحًا لظاهرة المستقلين" وغياب "نجوم المستقلين الذين أزعجوا حزب الأغلبية" طيلة الدورة البرلمانية المُنقضية (2005-2010)، "وأمطروا الحكومة بوابِلٍ من الاستجوابات وطلبات الإحاطة ومشروعات القوانين"، مؤكِّدين أن "البرلمان القادم له خصوصيته"، وسيكون "مختلفًا بكل المعايير عما سبقه". وأعلن الدكتور حمدي السيد، عضو المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الديمقراطي، رفضه لوجود المستقلين بالمجالس التشريعية، وقال: "أتمنى أن لا يكون هناك مستقلّون في المجلس القادم، ولا في أي برلمان، وأن يكون كل النواب منتمين إلى أحزاب سياسية"، معتبرًا أنها "ظاهرة سلبية، فلا يُمكن للحياة السياسية أن تقوم على أكتاف المستقلِّين". وأوضح السيد أنها "ظاهرة مصرية، سببها أن أحزاب المعارضة غير نشطة، بل غير متواجدة أصلا في الشارع"، مشيرًا إلى أن "مُعظم المستقلين الفائزين في انتخابات 2005، كانوا أعضاءً بالحزب الحاكم، فلمّا لم يُرشِّحهم الحزب، قرّروا الترشح كمستقلين". زهران: وقوف الحكومة على الحياد سيجعل الانتخابات نزيهة أما الدكتور جمال زهران، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بور سعيد، ومنسق كُتلة المستقلِّين بمجلس الشعب عن الدورة المنتهية (2005-2010). فقد قال للموقع السويسري "إن هناك سيناريوهيْن للانتخابات المقبلة. أولهما، سيناريو النزاهة والشفافية، وذلك في حال وقوف الحكومة على الحياد وعدم تدخُّلها لصالح الحزب الحاكم أو تلاعُبها في النتائج النهائية، مع التّسليم بأهمية الضغوط التي مُورست على الحكومة، محليًا ودوليًا، وفيه لن يقِل نصيب المستقلين عن 100 مقعد، مثلما كان الحال في برلمان 2005". ويضيف زهران: "وثانيهما، سيناريو التزوير والقمْع، وستكون نتائجه العصْف بإرادة الشعب، ولن يحصل المستقلّون بأنواعهم الثلاثة (مرشّحو الإخوان + المرشحون المنفردون + مرشحو الأحزاب تحْت التأسيس) على شيء يُذكر، مع إمكانية ترضِية حزب الوفد ب20 مقعدًا، وكلٍ من حزبَيْ التجمع والناصري بخمسة مقاعد، إضافة إلى مقعديْن لكل حزب صغير". البرعي: الإخوان كتلة غير قانونية ولكن المحامي نجاد البرعي، الناشط في مجال حقوق الإنسان، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة تنمية الديمقراطية المصرية، يختلف مع زهران في وضع الإخوان المسلمين داخل دائرة المستقلين، حين وصفهم بأنهم كتلة غير قانونية، رافضًا وصفهم بالمستقلين. أما د.حمدي السيد، عضو المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الديمقراطي، فيعتبر أن "من أسباب بُروز ظاهرة المستقلِّين في الانتخابات البرلمانية بمصر، عدم السماح للإخوان بتأسيس حزب سياسي"، مشيرًا إلى أن "الحلّ أن يكون للإخوان حزب سياسي، يشاركون من خلاله في العملية السياسية، وحتى يحدث هذا، فإنني لا أعتبرهم ضِمن المستقلين، وإنما هم كُتلة من النواب الذين ينتمون إلى تيار سياسي غير مُوثق قانونيًا". نجوم المستقلين وتحدّي الوطني! وفي السياق نفسه، يكشف زهران عن أن "المستقلين كانوا في برلمان 2005 على ثلاثة نماذج: نواب الإخوان المسلمين (88 نائبًا) ومرشحي الأحزاب السياسية تحت التأسيس، ومثَّلهم النائبان حمدين صباحي وسعد عبود عن حزب الكرامة تحت التأسيس، ومرشحين منفردين، لا ينتمون لأي حزب أو جماعة، وكان أبرزهم النواب مصطفى بكري وكمال أحمد وعلاء عبد المنعم"، إضافة إلى المتحدِّث الدكتور جمال زهران، وهو كلام يؤكِّده مراقبون ومحللون سياسيون، يرْون أنهم "أبلوا بلاءًا حسنًا وقدموا خلال الدورة المُنصرمة استجوابات وطلبات إحاطة هزّت أركان المجلس، وكانوا خلالها ندًا قويًا لحزب الأغلبية". ويتفق مع كلام زهران، المحامي نجاد البرعي، ويضيف أن "كل برلمان له نجومه"، متوقعًا أن "يعود لبرلمان 2010 بعض نجوم برلمان 2005 من المستقلين، إضافة إلى النجوم الجديدة الجيدة، التي سيفرزها البرلمان الجديد"، ويأبى حمدي حسن إلا أن يقول: "لا يمكن أن يفوز نائب بالتزوير، ثم يصبح نجمًا لامعًا في المجلس. وإذا كان هناك بعض المستقلين قد أصبحوا نجومًا، فقد جاءت نجوميَتهم من فضْحهم للفساد، غير أن الحزب الوطني لن يسمح هذه المرة لأي أحد لا يضمن ولاءه مقدمًا، بالدخول إلى البرلمان الجديد". الوطني هذه المرة لن يتساهل ويبيِّن البرعي أن "الحزب الحاكم ابتكر حيلة، تتلخّص في إلزام العُضو الراغب في الترشح للانتخابات، بعمل توكيل قانوني لأمين التنظيم بالحزب (أحمد عز)، يُعطيه الحق في التنازل عن الترشح والانسحاب من الانتخابات نيابة عنه في أي وقت، مع إضافة تعديل جديد بأن لا يعلن الحزب أسماء مرشّحيه، إلا في اللحظات الأخيرة"، وهو كلام يؤكِّده زهران، مضيفًا أن "الحزب الوطني استبعَد من الترشيح الأعضاء الذين يشغلون مواقع تنظيمية على مستوى المحافظات والمراكز والقرى". متفقا مع البرعي، يوضح عمار علي حسن الكاتب الصحفي، أن "الحزب الوطني كان فيما سبق يتساهل في ترشيح المستقلين في الدوائر ويترك لهم حرية الاختيار، لأنه في النهاية، مُطمئِن إلى انضمامهم للحزب مرّة أخري بعد فوزهم. أما الانتخابات المقبلة، فهذا شيء آخر، لأن البرلمان المقبل يُراد له أن يكون مصنوعًا بطريقة دقيقة، تضمَن الانتقال الآمن للسلطة"، لأن "الحزب الحاكم يرفض ترشيح أي مستقل للانتخابات الرئاسية، ومن هنا، اخترع فكرة المجمعات الانتخابية". ويؤيِّدهما فيما ذهبا إليه، الدكتور حمدي السيد بقوله: "كان وضْع الحزب الحاكم، بعد انتهاء انتخابات 2005، مُحرجًا للغاية بعد نجاح 32% فقط من إجمالي المرشحين، فقرّر أن يأخذ الموضوع بمُنتهى الجدية، لذا، فهو يجري انتخابات داخلية حقيقية على درجة عالية من الشفافية، وهي تجربة جديرة بالاهتمام والتقييم"، معتبرًا أنها "فكرة حديثة على العملية السياسية بمصر، حيث يتمّ اختيار المرشّحين الذين سيخوض بهم الحزب، الانتخابات التشريعية من القواعد". تحول النائب المستقل لصفة حزبية عيب أخلاقي لا يعالج إلا بتشريع قانوني د.فوزية عبد الستار، رئيسة اللجنة التشريعية والدستورية السابقة بمجلس الشعب المصري: تشريع مقترح لضبط المستقلين! وحول قانونية انضمام النائب المستقل بعد فوزه إلى حزب، تؤكد د.فوزية عبد الستار، أستاذة القانون الجنائي بجامعة القاهرة، أن "النائب الذي يرشِّح نفسه مستقلا، ثم ينضَم إلى أي حزب سياسي بعد فوزه، يخالف القِيم الأخلاقية التي يجب أن تسُود في المجتمع؛ لأن الأصْل أنّ مَن يرشح نفسه بصفته مستقلا، فإن أبناء دائرته قد اختاروه بناءً على استقلاليته، فإذا ما تحوّل لصفة حزبية، فإنه يكون قد خدع ناخبيه"، مشيرة إلى أن "هذا عيْب أخلاقي، لكنه لا يعالَج إلا بتشريع قانوني". وتقول د.فوزية عبد الستار، رئيسة اللجنة التشريعية والدستورية السابقة بمجلس الشعب ل swissinfo.ch: "المفروض أن يستمِر النائب الذي ترشَّح بصفته مستقلا، محافظًا على صفته الانتخابية التي نجح تبعًا لها، وإذا ما أراد أن ينضَم إلى حزبٍ ما مُمثَّل في البرلمان، فعليه أن يعتذر لناخبيه ويقدِّم استقالته من البرلمان ويعلن المجلس عن خُلوِّ الدائرة ويحدِّد موعدًا للانتخاب بها"، معتبرة أن "هذا جرم أخلاقي وسلوك سياسي منافٍ للقيم، فضلا عن أن فاعله يفقد ثقة المستقلين الذين اختاروه ووثقوا فيه". متفقًا مع السيدة عبد الستار، يقول البرعي: "يُمكننا أن نقول عمَّن يسلك هذا التصرف المشين، إنه مخادع، لكن من الناحية القانونية، لا يوجد نصّ قانوني أو دستوري يُدينه!"، وتقترح د.فوزية للخروج من المأزق، أن "يتدخّل المُشرّع بنصّ بسيط لضبط هذ الأمر، ينص على: يجب على النائب الذي يُنتخب على أساس انتماء معيَّن لحزب أو بصفته مستقلا، أن يحافظ على هذا الانتماء أو الاستقلالية طوال مدّة المجلس الذي انتُخب فيه، استنادًا إلى هذه الصفة. وفي حال مخالفته لذلك، تسقط عضويته فورًا، لكونه لم يعُد في الصورة التي أراده الناخب عليها". مستقبل المستقلِّين في برلمان 2010 ومن جهته، يري زهران أن "المجلس القادم سيشهد أغلبية كاسِحة للحزب الحاكم وانحسارًا واضحًا للمستقلين وتمثيلا هامشيا لجماعة الإخوان، ومعارضة صورية من أحزاب المعارضة"، مشددًا على أننا "في انتخابات 2010، لن نرى ظاهرة المستقلِّين المُنتمين للحزب الحاكم كما كانت في 2005، اللَّهمّ إلا في بعض الدوائر المحدّدة وبترتيبات أمنية"، وهو كلام يتوافَق مع توقّعات البرعي بأن "تقِل ظاهرة المستقلين في البرلمان القادم". ويطرح د.حمدي حسن سؤالا يعتبره جوهريًا وهو: "هل سينجح الشعب في الحفاظ على إرادته داخل الصناديق أم لا؟!"، خاصة أن نسبة المشاركة الحقيقية في الانتخابات بمصر لا تتعدى 8 - 9%، وذلك بسبب استيلاء الحزب على البرلمان"، موضحًا أن "هناك انتِكاسة حقيقية في العملية الانتخابية بعد استبعاد الإشراف القضائي، ولهذا، فنحن نحاول أن ندفع الشعب للإيجابية والدفاع عن خياراته، لأن هذا مستقبله ومستقبل أولاده، ولأن الشعب المصري ليس كبقية الشعوب التي نهضت وانتزعت حقوقها". ويعتقد الكاتب الصحفي الدكتور عمار علي حسن، الباحث في عِلم الاجتماع السياسي، أن "وضع المستقلين في الانتخابات البرلمانية المقبل، سيكون مختلفًا كل الاختلاف عن الانتخابات السابقة؛ لأن الحزب الوطني لا يريد الفوز بالأغلبية "الميكانيكية" بضمّ المستقلين إليه بعد فوزهم، وإنما يريد أن يضمَن الفوز من المَنبع، وهو ما يجعل نتيجة الانتخابات القادمة معلومة مُسبقًا، مع احتمال وجود دوْر هامشي بسيط جدًا للمستقلين، ومن ثَمّ، فإن فُرص المستقلين عمومًا، باتت ضعيفة للغاية" المستقلون.. معلومات وأرقام أسباب تنامي ظاهرة المستقلين في الانتخابات مرصد الشروق عبر فيس بوك مرصد الشروق عبر تويتر