جربت كل نظم الانتخابات وثبت بالتجربة مرات عديدة، أن أسوأها في تمثيل الأمة، وأضرها بالتعددية الحزبية، وأقلها نزاهة، وأكثرها مثالب، وأفسدها من كل الوجوه، هو النظام الفردي! كل المساويء التي شاهدناها وسمعنا عنها في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، من تغول للبلطجة، وتفش لظاهرة شراء الأصوات، وتسويد فاجر للبطاقات الانتخابية بأيدي مندوبي المرشحين أو من جانب أعضاء اللجان المؤلفة جيوبهم أو المروعة قلوبهم، ترجع في الأساس إلي هذا النظام الانتخابي! أنصار النظام الفردي يدافعون عنه من منظور أنه أنسب إلي طبيعة الناخب المصري الذي يريد ان يختار نائبه في البرلمان اختيارا مباشرا من بين مرشحين، وفقا لقدرته علي تقديم الخدمات له ولأبناء الدائرة. لكن هؤلاء يخلطون بين مهمة عضو البرلمان، سواء كان نائبا بمجلس الشعب أو مجلس الشوري وبين مهمة عضو المجلس المحلي، ويتناسون ان عضو البرلمان هو نائب عن الأمة كلها وليس مجرد ممثل لدائرة انتخابية. والحاصل مما تابعناه في انتخابات مجلس الشعب خلال العقدين الماضيين، ان النظام الفردي لم يعد معبرا عن ارادة الناخبين الحرة في الانتخاب بقدر ما تحول في بعض الأحيان إلي جسر لمجلس الشعب، لا يستطيع اجتيازه سوي الأكثر حيازة لرزم الأوراق النقدية، والأقدر حشدا لجماعات البلطجة المدججة بالسنج وعصابات قطع الطريق علي الناخبين المؤيدين لمنافسيهم، ولو كانوا من نفس الحزب. سبق لنا ان جربنا نظام القائمة الحزبية النسبية المنقوصة في انتخابات عام 7891، لكن المحكمة الدستورية العليا رأت انه غير دستوري، ومن ثم جري حل مجلس الشعب. ثغرة عدم الدستورية تم تلافيها في التعديلات الأخيرة التي جرت علي الدستور. ميزة هذا النظام انه يعزز التعددية الحزبية التي يقوم عليها نظامنا السياسي، دون ان يفتئت علي حق المستقلين في الترشح حيث تحصل قائمة الحزب في كل محافظة علي نصيب من المقاعد البرلمانية المخصصة للمحافظة، وفق النسبة التي حصل عليها الحزب من أصوات الناخبين، بينما يخصص مقعد »وربما مقعدان« للمرشحين المستقلين في كل محافظة، كما هو الحال في نظام كوتة المرأة المعمول به الآن، لكن هذا المقعد أو »المقعدين« مخصوم من عدد المقاعد المخصصة للمحافظة في القوائم الحزبية. القصد أن الناخب يختار هنا بين الأحزاب وفقا لبرامجها الانتخابية وحسن اختيارها للمرشحين أكثر مما يختار بين أفراد تستطيع الأحزاب أن تضع في قوائمها شخصيات محترمة قادرة علي تمثيل الأمة كانت تعزف عن خوض الانتخابات، وتستطيع ان تزيد تمثيل المسيحيين في البرلمان بوضع مرشحين منهم في مراكز متقدمة بالقوائم وتستطيع ان تحرم أصحاب سلطان المال والعنف من شرف الترشح علي قوائمها. قد لا يقضي نظام القائمة نهائيا علي ظواهر استخدام البلطجة وسلاح المال في الانتخابات، لاسيما من جانب بعض المرشحين الذين يتذيلون القوائم، لكنه سيحد منها كثيرا، لان محيط حركة مرشحي الاحزاب أو المستقلين سيتسع ليشمل المحافظة كلها. الوقت ليس مبكرا للحديث عن تغيير النظام الانتخابي، لانه يتطلب حوارا سياسيا وقانونيا ومجتمعيا مستفيضا قبل ان يستقر الرأي عليه. وأتمني ان توضع هذه القضية علي أجندة الحزب الوطني ومجلس الشعب الجديد.