كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية فى تقرير نشرته على موقعها الإلكترونى كيف تحولت بريطانيا خلال العقد الماضى إلى أكثر دول أوروبا الغربية التى تراقب مواطنيها والمقيمين على أرضها، وأكثرها مسحاً لأحوالهم ورصداً لتحركاتهم. وتضيف الصحيفة أن المملكة المتحدة صارت أقرب إلى أجواء مفهوم الأخ الأكبر الذى تنبأ به الروائى البريطانى جورج أورويل. من المعروف أن الروائى اليسارى أورويل نشر فى العام 1948 روايته الأشهر «1984» ذات الأجواء الكابوسية، والتى توقع فيها أن تتحول الدول الصناعية إلى عالم تسيطر عليه الأجهزة الأمنية، التى تتعقب مواطنيها وترصد تحركاتهم، بدعوى خوفها عليهم من الأقلية المندسة، وأسمى (أورويل) تلك الأجهزة «الأخ الأكبر». واستقى أورويل توقعاته مما شاهده فى الاتحاد السوفيتى السابق عندما زاره فى أوائل العشرينيات من القرن العشرين، وظهور النازية والفاشية الأوروبية مع الثلاثينيات، وهو النمط الذى انتشر فى أغلب دول العالم الثالث مع استقلالها أعقاب الحرب العالمية الثانية. لكن أكثر ما استرعى انتباه جون ولش كاتب التقرير هو أن المواطن البريطانى لم يعد مستهدفاً بمراقبة الشرطة فقط، بل تجاوز الأمر ذلك إلى البنوك، والمعاملات الحكومية العادية. ويضيف ولش أنه «من الصعب تذكر أى معاملة مصرفية أو حكومية، سواء كانت عبر الإنترنت أو معاملة يدوية ورقية، لا تتطلب بيانات شخصية كاملة، عن المتقدم بالطلب أو المستفيد من الخدمة». ويقول ولش: «نحن معذورون لكوننا نشعر بوسواس المراقبة، لكن الحكومات والمنظمات الراغبة فى السيطرة على مواطنيها وأتباعها، تغذى فينا هذا الإحساس». ويستشهد كاتب التقرير بقول رئيس وزراء سنغافورة الأسبق وصانع معجزتها الاقتصادية عندما سأله عن سبب النظافة الشديدة التى تتمتع بها بلاده بأن «رجل الشرطة يسكن فى عقول الناس». بدأ تطبيق «سياسة الأخ الأكبر» فى ما سمى «تلفزيون الواقع» فى هولندا بحلول 1999، حيث يخضع مجموعة من الناس للمراقبة الدائمة فى نومهم وأكلهم، واستحمامهم، على مدى الساعة، بحسب الإندبندنت. ويشير كاتب التقرير، إلى أنه منذ ذلك الوقت وخارج تليفزيون الواقع دخلنا حال وقحة من استراق النظر، والتلصص، والتجسس على أفراد المجتمع، الذين تحولوا إلى فئران فى مختبر تخضع للمراقبة، حدث كل ذلك دون إدانة أخلاقية. وتابع: «صارت لندن اليوم بها آلاف الكاميرات المنصوبة فى الشوارع، وفوق أسطح المنازل والمبانى، انتشرت عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، بحجة مكافحة الإرهاب، تلتقط يومياً ملايين الصور لمواطنين ساقهم الحظ للمرور أمامها». لكن أكثر ما يسترعى الانتباه هو «قبولنا بهذه المراقبة»، لما نتوقعه من أنها موجودة لفائدتنا وحمايتنا، إنها بالفعل «سياسة الأخ الأكبر الذى يسيطر علينا، من أجل تحقيق مصالحنا».