فى العام المالى الماضى، 2009/2010، توقعت الحكومة المصرية معدلا لعجز الموازنة بنسبة 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى، إلا أن المؤشرات المبدئية لأداء الموازنة العامة كشفت عن تحقيق معدل للعجز بأقل من توقعات الحكومة ليبلغ 8.3% وهو ما اعتبره يوسف بطرس غالى، وزير المالية، أحد المؤشرات الايجابية على تجاوز الاقتصاد المصرى لتداعيات الأزمة المالية العالمية، والذى تحقق بدعم من معدلات النمو الاقتصادى وارتفاع الإيرادات الضريبية. غير أن معدل العجز للعام الماضى، والمستهدف أيضا للعام المالى الحالى يبلغ 7.9 % بعيدان عن حد ال3% الذى تستهدفه اقتصادات الاتحاد الأوروبى والذى دعا أيضا رئيس البنك الفيدرالى الأمريكى إلى بلوغها مما يثير شكوكا حول مخاطر عجز الموازنة المصرى حتى وإن كان يتجه للانخفاض خاصة أن الاقتصاد المصرى لن يصل إلى معدلات عجز تتراوح بين 3% إلى 3.5% قبل عام 2013/2014، تبعا لبيانات المالية، فى ظل خطة تستهدف تخفيض العجز بنسبة 1% سنويا بدءا من العام المالى المقبل. «لا توجد مخاطر كبيرة من مستوى العجز الحالى» يقول مجدى صبحى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مشيرا إلى أن حد العجز الذى يستهدفه الاقتصاد الأوروبى تم تحديده ب3% فقط بسبب انخفاض معدلات النمو الاقتصادى فى أوروبا على عكس الاقتصاد المصرى الذى من المتوقع أن يحقق 5.3% نموا فى العام المالى 2009/2010، علاوة على أن العديد من الدول الأوروبية كألمانياوفرنسا التى تتسم اقتصاداتها باستقرار نسبى تعدت الحد الأوروبى للعجز. ويتوقع صبحى أن يصل عجز الموازنة فى ألمانيا حاجز ال4.5% فى العام الحالى، وأن يصل إلى 8% فى فرنسا، وتستهدف البلدان الانخفاض بهذا العجز إلى 3% فى 2013. كما يتوقع أن يبلغ العجز فى الولاياتالمتحدةالأمريكية نحو 10% هذا العام. ويضيف صبحى أن العجز يصبح فى معدلات خطرة عندما يرتفع عن معدلات النمو الاقتصادى، وهو ما يحدث فى مصر إلا أن الفارق بين المؤشرين غير كبير للدرجة التى تنبئ بوجود مخاطر كبيرة على الاقتصاد. ويعتبر شريف دلاور، أستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم التكنولوجية، أن عجز السنة الماضية كان إلى حد ما مقبولا، فى ظل توجيه نسبة كبيرة من الموارد للبنية الأساسية التى تدعم النمو الاقتصادى والتشغيل. ولكن تفرض حالة عدم اليقين التى تغلب على توقعات مستقبل الاقتصادات الكبرى، خاصة الاقتصاد الأوروبى الذى يواجه مخاطر اقتصادية فى دول مثل اليونان وإسبانيا، شكوكا حول مستقبل الاقتصاد المصرى الذى يعتمد نموه على تعافى شريكه الأوروبى وخروج الاقتصاد العالمى برمته من الأزمة المالية. «يجب أن يكون لدينا خطة طوارئ للاستعداد للسيناريو الأسوأ للأزمة المالية، فقد تحدث مفاجآت فى الاقتصاد العالمى تؤثر سلبا على نمونا الاقتصادى الذى نعتمد عليه فى إيجاد الموارد لتقليل العجز»، يقول دلاور. ويرى صبحى أنه «من الأفضل أن تستمر الحكومة فى سياساتها المالية الحالية المحفزة للنمو الاقتصادى باستثناء سياساتها الضريبية»، موضحا أن الاقتصاد المصرى يحتاج للنمو بأكثر مما يحتاج لتخفيض العجز حتى «لا نقع فى أزمة الركود التى تهدد الاقتصادات الناشئة فى ظل تباطؤ الاقتصادات الكبرى»، إلا أن تحفيز النمو يحتاج للمزيد من الإيرادات وهو ما قد يتحقق من خلال العودة لنظام الضرائب التصاعدية «أعتقد أن رفع الضرائب عن الشرائح العليا من الدخل بحد أقصى 30% سيزيد الإيرادات وفى نفس الوقت لن يؤثر سلبا على الاستثمار لأنه أقل من معدلات الضرائب فى العديد من الدول». «الضرائب التصاعدية، والضرائب على الأرباح قصيرة الأجل فى سوق المال، من أهم السياسات المالية التى تحتاجها مصر لخلق موارد تؤمنها من أى تقلبات فى الاقتصاد العالمى، ولكنها سياسات مرفوضة تماما من وزير المالية» يضيف دلاور. ويعتبر صبحى أن المخاطر الحقيقية للعجز الحالى ستنعكس على الاقتصاد المصرى فى السنوات القادمة إذا اتجه الدين العام للارتفاع وبلغ 85 % من الناتج الإجمالى فى ظل الحاجة للموارد لسد عجز الموازنة. وهو ما يؤكد على الحاجة لزيادة الإيرادات العامة لتخفيض العجز والدين. وتتوقع وزارة المالية أن يكون إجمالى دين أجهزة الموازنة (محلى وخارجى) فى حدود 80% إلى 82% من الناتج المحلى فى العام المالى السابق، وتستهدف الحكومة خلال الفترة المقبلة خفض نسبة إجمالى هذا الدين إلى أقل من 60% من الناتج المحلى بحلول عام 2014/2015. ويرى دلاور أنه من الضرورى أن تفصح الحكومة المصرية عن خطة أكثر وضوحا لكيفية الانخفاض بمعدلات الدين إلى النسب المعلنة فى السنوات التالية.